- مسالة خلافية منذ سنوات لم يتطرق لها الاتفاق المؤقت في سويسرا
وصف بعض الخبراء، الاتفاق الأمريكي الصيني المُبرم في سويسرا أمس الاثنين، الذي يقضي بوقف التعريفات الجمركية المتبادلة مؤقتًا ولمدة 3 أشهر، بأنه بمثابة وقف لإطلاق النار، وليس إنهاء الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، خاصة أن هناك قضايا صعبة لم يتطرق لها الطرفان، ومنها سياسة سعر الصرف الصينية، فهل تتسبب تلك السياسة في فشل المفاوضات في مدة الهدنة؟
ولطالما كانت سياسة سعر الصرف الصينية غير المرنة والتي تستهدف استقرار عملة بكين (اليوان) منخفضة لدعم صادراتها، محط انتقادات من قبل الولايات المتحدة.
وكان اختلال الميزان التجاري بين الصين وأمريكا بصورة حادة هو أكثر ما يثير إدارات البيت الأبيض المختلفة، إلى أن جاء دونالد ترامب في ولايته الثانية، وقرر التصعيد إلى أعلى مستوى.
وتشتري الولايات المتحدة من الصين بمبالغ أكثر بكثير (440 مليار دولار) مما تبيعه لها (145 مليار دولار)، وهو أمرٌ لطالما أثار استياء ترامب.
وفي عام 2024، كانت أكبر فئة من السلع المُصدرة من الولايات المتحدة إلى الصين هي فول الصويا، الذي يُستخدم بصورة أساسية لإطعام ما يُقدّر بنحو 440 مليون خنزير في بكين. وصدرت أمريكا أيضا أدوية ونفطا.
في الوقت نفسه، صدرت الصين كمياتٍ كبيرة من الإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر والألعاب. وتُشكل الهواتف الذكية أكبر فئةٍ من واردات الولايات المتحدة من الصين، حيث تُمثل 9% من الإجمالي. وتُصنع نسبةٌ كبيرةٌ من هذه الهواتف الذكية، وهي هواتف آيفون من إنتاج شركة آبل، في الصين.
وتمتلك بكين أداة قوية في مواجهة الحرب التجارية تلك، تتمثل في السماح لليوان بفقدان قيمته أمام الدولار، وهو الرد المألوف على التعريفات الجمركية، إذ أن يوان أرخص يجعل الصادرات الصينية أقل تكلفة للمشترين في الخارج، ما يخفف من الأضرار التي قد تلحق بقدرة الصين التنافسية جراء تعريفات ترامب.
وبصورة عامة، كانت سياسة خفض قيمة اليوان من أسس دعم الصادرات، ولجأت بكين إلى نهج العملة الأرخص في مواجهة التعريفات، وأحد في عامي 2018 و2019 عندما فرض ترامب تعريفات خلال ولايته الأولى.
ويمنح تخفيض قيمة العملة، التي يسيطر عليها بصورة محكمة البنك المركزي الصيني بكين دفعة قوية لصادراتها الهائلة، فقد ارتفع حجم الصادرات الإجمالية للصين إلى جميع الوجهات بنحو 12%، في أول 9 أشهر من 2024 مقارنة بـ2023.
وكان التقدم المحرز في المحادثات الأمريكية الصينية في سويسرا، أكبر بكثير من المتوقع، إذ انخفضت الرسوم الجمركية الباهظة ذات الأرقام الثلاثية إلى مستويات مرتفعة نسبيًا، لمدة 3 أشهر على الأقل.
وكانت التفاصيل معقدة بعض الشيء، ربما عن قصد لتمكين كلا الجانبين من حفظ ماء الوجه، ما مكن الطرفين من إعلان انتصاره في المحادثات، أو ما يمكن أن يسمى الجولة الأولى، لكنها انتهت بإلغاء الزيادة الانتقامية في معدلات الرسوم الجمركية، وخُفِّض ما يسمى بمعدل الرسوم الجمركية "المتبادل" البالغ 34% لمدة 90 يومًا على الأقل إلى 10%.
والرسوم الجمركية المطبقة حاليًا هي 30% من الولايات المتحدة (والتي تشمل نسبة 20% الحالية التي تهدف إلى الحد من التجارة غير المشروعة في الفنتانيل)، و10% من الصين.
ويعكس ارتفاع الأسواق إيجابية الاتفاق، لكن الصراع لم ينته. فلم يُتفق على أي شيء بشأن التحديات طويلة المدى التي تواجه العلاقة، مثل سياسة سعر الصرف الصينية.
لذلك يؤثر هذا أيضًا في بقية العالم بشكل كبير. في البداية، تُعدّ هذه التهدئة خبرًا أفضل بكثير مما كان متوقعًا. فهو لا يُمثّل نهايةً للحرب التجارية، ولكنه هدنة بالغة الأهمية.
وكانت الصين تواجه إغلاقًا للمصانع على غرار ما حدث في عام 2008، واحتمالًا بطالة كبيرة، وفي المقابل هبطت السندات الأمريكية بشدة، والتي كانت من الملاذات الآمنة للمستثمرين، الذين سارعوا إلى التخلص منها على وقع تصاعد الحرب بين عملاقي الاقتصاد العالمي.
وعند مستويات التعريفات الجمركية المتفق عليها، سترتفع الأسعار قليلًا، لكن التجارة ستتدفق. وسيبقى بعض عدم اليقين، نظرًا للطبيعة المؤقتة للاتفاق.