هل تجد نفسك مضطرًا طوال الوقت لتبرير أفعالك أو حتى احتياجاتك؟ وتشعر أنك غير قادر على قول الحقيقة للطرف الآخر لاعتقادك أنه سيغضب ويبتعد عنك؟ وبدلًا من ذلك، تجد نفسك غارقًا في مجاملات زائفة، لينتهي بك الأمر وحيدًا دون علاقات حقيقية تُذكر؟
تندرج هذه السلوكيات تحت مسمى "السعي المفرط لإرضاء الآخرين". فلماذا نسعى بشكل مفرط لإرضاء الآخرين؟ وكيف يحد ذلك من تواصلنا العميق مع الآخر؟ وما الحلول التي يمكن اتباعها للتوقف عن إرضاء الآخرين على حساب أنفسنا؟ يجيب التقرير التالي على هذه الأسئلة وفقًا لموقع "The New York Times".
- ما هو السعي المفرط لإرضاء الآخرين؟
عندما نشعر بالخطر يستجيب جهازنا العصبي بثلاث طرق: المواجهة (Fight)، أو الهروب (Flight)، أو الجمود (Freeze). لكن وفقًا لأستاذة في الطب النفسي السريري بجامعة بنسلفانيا، فإن السعي لإرضاء الآخرين هو استجابة رابعة للضغط النفسي.
واعتبر علماء نفس أن التملق شكل حاد من أشكال السعي المفرط لإرضاء الآخرين، وعرّفوه بأنه استجابة دفاعية ناتجة عن صدمة وقعت للشخص في طفولته.
- لماذا نسعى لإرضاء الآخرين؟
بالرغم من أن الأبحاث حول السعي المفرط لإرضاء الآخرين لا تزال في بداياتها، فإن الأطباء النفسيين يعتبرونه اضطرابًا نفسيًا وليس مرضًا عصبيًا، وهو شكل من أشكال الانفصال النفسي الذي ينشأ منذ الطفولة كرد فعل للعنف الذي تعرض له الشخص من والديه، حيث يربط عقله الألم الذي عاناه بعدم طاعته للأوامر، ما يجعله يفضل الخضوع وإرضاء الآخرين في المستقبل تجنبًا للصراع، ظنًا منه أن ذلك سيقيه المعاناة التي عاشها في طفولته، دون إدراك أثر ذلك على صحته النفسية وجودة علاقاته.
- كيف تعرف أنك شخص يسعى لإرضاء الآخرين؟
يمكن للشخص أن يعرف أنه يسعى لإرضاء الآخرين عندما لا يشعر بالأمان في علاقاته، بل على العكس، يشعر بأنه مهدد بالهجر أو النبذ، مما يدفعه لفعل ما يرغب به الآخرون فقط، دون النظر لرغباته واحتياجاته الشخصية، فضلًا عن تركيزه المفرط على مشاعر الآخرين وما يظنونه عنه، وامتلاكه اعتقادًا عميقًا بأن الجميع يكرهه حتى في غياب أي دليل على ذلك.
ومع ذلك، فإن إرضاء الآخرين قد يكون ضروريًا أحيانًا للحفاظ على سلامتنا، سواء كانت سلامة جسدية أو للحفاظ على مصدر الدخل.
- كيف تتوقف عن إرضاء الآخرين على حساب نفسك؟
يمكن التوقف عن السعي المبالغ فيه لإرضاء الآخرين باتباع هذه الاستراتيجيات:
1. رواية الموقف بشكل مجرد وبدون أحكام
من أبرز مشكلات من يسعون لإرضاء الآخرين الحكم العاطفي على المواقف وفقًا للرواية التي يفرضها عقلهم منذ البداية، وهي "أن الجميع يكرهونني". لذا يمكن اعتماد استراتيجية رواية الموقف كما هو، دون أحكام مسبقة، وطرح أسئلة مثل: هل هذا سلوك معتاد من الشخص؟ مع أهمية التماس العذر للآخرين، فهم يملكون صراعاتهم المهنية والعاطفية.
2. ضع حدودًا وقل "لا" بلا خوف
عبّر عن نفسك بحرية مع الالتزام باللباقة، ولا تسمح لأحد بتجاوز حدوده على حسابك، وقل "لا" بلا خوف أو تردد إذا طُلب منك ما لا يناسبك.
ابدأ بمراقبة العبارات التي تستخدمها لإرضاء الآخرين، مثل "لا توجد مشكلة" رغم وجودها، أو "الأمر عادي" رغم أنه ليس كذلك، واستبدلها بالتعبير عن رأيك بوضوح، وقبول ما يتناسب مع ظروفك وإمكاناتك فقط، دون الخشية من غضب الآخرين.
3. تواصل بصدق
يفقدنا السعي لإرضاء الآخرين فرصة بناء علاقات حقيقية وعميقة، حيث نغرق في دوامة من المجاملات الزائفة لضمان بقاء الطرف الآخر بجوارنا.
بدلًا من ذلك، اسعَ للتواصل الصادق والواضح مع الآخرين، بالتركيز على الاهتمامات والقيم والقضايا المشتركة، مع تقديم الدعم بدافع حقيقي وليس خوفًا من الفقد.
كن حقيقيًا في تعاملك، وتجنب المبالغة في المجاملة أو ما يشكّل عبئًا نفسيًا عليك.
واسأل نفسك دائمًا قبل الكلام: هل أقصد حقًا ما سأقوله، أم أسعى فقط لإرضاء الآخر؟