أمام أحد مكاتب الصرافة الواقعة بشارع العشرين المتفرع من شارع فيصل الرئيسى، والذى يُعد أحد أبرز المناطق التى يستوطنها الجالية السودانية فى مصر سواء قبل اندلاع الحرب الأخيرة أو فى أعقابها، يتجمع عشرات السودانيين بحثًا عن وسائل تمويل نفقاتهم اليومية، فى مشهد يعكس تحديًا مزدوجًا، تدبير متطلبات العيش فى بلد اللجوء، وترقب أى مؤشر لعودة آمنة إلى الوطن.
تحولت طوابير الانتظار أمام مكاتب الصرافة إلى فضاءات تواصل عفوى، حيث يتبادل الأفراد فرص العمل المؤقتة، فى محاولة جماعية لسد الفجوة بين مواردهم المحدودة وارتفاع تكاليف المعيشة. هُنا، تختلط هموم اليوم بتفاصيل الغد؛ فبينما يمسك أحدهم بفاتورة إيجار متأخرة، يُناقش آخر أخبار التقدم العسكرى للجيش السودانى فى مسقط رأسه، وكأن خيطًا خفيًا يربط بين صراعهم اليومى من أجل البقاء، وحلمهم المُعلق بإعادة بناء ما دمرته الحرب.
يُجسّد هذا المشهد جزءًا من واقع معقد يعيشه النازحون السودانيون، حيث تفرض عليهم الظروف تحويل كل مكان إلى فرصة، وكل لقاء إلى شبكة أمان، فى رحلة لا تنفصل فيها قسوة المنفى عن جروح الوطن.
يحكى عدد من السودانيين الذين التقى بهم محرر الشروق أمام الصرافة أن مصادر دخلهم تتنوع ما بين حوالات من الخارج سواء من أهلهم وذويهم فى السودان أو العاملين فى الخليج ودول أخرى أو المعونات الأجنبية والتى تأتى غالبيتها من المفوضية من الأمم المتحدة وبعض الإعانات من ميسورى الحال من جنسهم الموجودين بالقاهرة، فضلًا عن إمكانية إقامة مشروعات وفتح محلات صغيرة فى مصر، تعتمد فى الأساس على رأس مال سودانيين ويبيعون ويقدمون المنتجات السودانية سواء مواد غذائية أو لحومًا أو عطارة أو مخبوزات وأطعمة ومشروبات.
وقال أحد المواطنين السودانيين، إنه بدأ العمل فى القطاع الخاص فى مصر، بسبب عدم القدرة على الوفاء بتبدير نفقات الحياة اليومية، لكن الأجور ضعيفة بالنسبة لرب أسرة يتحمل نفقات أطفال أو تعليم وكذلك إيجار مسكن.
فيما قال آخر إنه لم يواجه أى مشاكل فى الحصول على وظيفة، وأوضح: «كان يطلب إثبات الهوية من باسبور سارى أو الكارت الأصفر، أو الإقامة فى حالة وجودك فى البلاد بطريقة شرعية ومن ثم الاتفاق على أجر العمل أو العمالة».
فيما يروى سودانيون قدموا إلى مصر بعد الحرب، ولا يحملون الإقامة الشرعية، تفاصيل معاناة الحصول على تحويلات بنكية أو مالية من ذويهم إذ يتطلب استلام حوالة بنكية أن يكون لديك إقامة شرعية فى القاهرة، وأن البديل لاستلام الحوالات يكون عن طريق زملائهم ممن لديهم إقامات شرعية وحسابات بنكية رسمية يتم التحويل عليها ولذلك يواجه هؤلاء الأشخاص بعض المتاعب عند استلام مبالغ مالية كبيرة فى التحويلة الواحد فى حين أنها تكون لأشخاص متعددين، وهو ما يصعب شرحه أو إثباته للمؤسسات المالية فى مصر فى بعض الأحيان.