- الوضع بقطاع غزة يؤكد مجددا صحة قرار جنوب إفريقيا باللجوء لمحكمة العدل الدولية
- إسرائيل حوّلت عملية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة إلى "فخٍ مميت"
- الهدف الأساسي من اتفاقية الإبادة الجماعية ليس معاقبة مرتكبيها وحسب، بل منع وقوعها
- لا نرى مؤشرا على أن إسرائيل تستعد للالتزام بقرار المحكمة الانسحاب من الأراضي المحتلة خلال عام
- "المخيم الإنساني" المزعوم ليس إلا معسكر اعتقال يتعارض مع الرأي الاستشاري المناهض للاحتلال
استنكر سفير جنوب إفريقيا لدى هولندا، فوسي مادونسيلا، استمرار إسرائيل بارتكاب ممارسات تكرس الاحتلال والإبادة الجماعية بقطاع غزة، رغم الآراء الاستشارية والتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية لتوجيه تل أبيب للالتزام بالقوانين الدولية المصممة لحماية حقوق الإنسان.
وفي مقابلة مع الأناضول، كشف مادونسيلا أن الوضع في قطاع غزة "ازداد سوءا منذ رفعت بلاده دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لإدانتها بارتكاب إبادة جماعية في القطاع"، مبينا أن إسرائيل غير راغبة بالالتزام بالتدابير المؤقتة الصادرة عن المحكمة.
وقال: "نؤمن أن قرار جنوب إفريقيا بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية كان صائبا، فالوضع آنذاك كان خطيرا، لكننا نعتقد أن الوضع في القطاع ازداد سوءا، وهذا يؤكد مجددًا صحة قرار جنوب إفريقيا في اللجوء للمحكمة بهدف الحصول على تدابير مؤقتة في المرحلة الأولى".
وأوضح مادونسيلّا أن إسرائيل "لا ترغب في الالتزام بالتدابير المؤقتة" الصادرة عن المحكمة.
وأضاف: "المجتمع الدولي نفسه يرى أن الوضع في غزة ما كان ليصل إلى ما هو عليه اليوم لو كانت إسرائيل التزمت بالتدابير المؤقتة".
وفي 26 يناير 2024 أمرت محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير مؤقتة تلزم إسرائيل بإدخال المساعدات إلى غزة.
ثم أصدرت قرارا آخر في 28 مارس 2024 ينص على إضافة تدابير أخرى للإجراءات المؤقتة يلزم تل أبيب بتوفير الخدمات والمساعدات لفلسطينيي غزة دون عوائق، وضمان عدم ارتكابها أعمال "تشكل انتهاكا لأي من حقوق الفلسطينيين في غزة كمجموعة محمية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية".
لكن إسرائيل تواصل منذ 7 أكتوبر 2023 ارتكاب جرائم إبادة جماعية بغزة بدعم أمريكي، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة نحو 197 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 آلاف مفقود، فضلًا عن مئات آلاف النازحين.
- "فخوخ المساعدات المميتة"
وأشار السفير إلى أن المحكمة أصدرت ثلاث قرارات لاتخاذ تدابير مؤقتة، مبينا أن "من بين التدابير المشتركة في تلك القرارات الثلاثة كان ضمان توزيع المساعدات الإنسانية أو ضمان وصول المجتمع الفلسطيني المقيم في غزة إلى المساعدات الإنسانية بشكل آمن، ودون قيود أو عوائق".
وعليه، اعتبر مادونسيلّا أن إسرائيل حوّلت عملية توزيع المساعدات الإنسانية إلى "فخٍ مميت" متحدية تلك التدابير.
وقال: "الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل ضمن آلية توزيع المساعدات الحالية لا تتوافق إطلاقًا مع التدابير المؤقتة التي أعلنتها المحكمة العام الماضي".
وتابع: "المحكمة أوضحت بشكل لا لبس فيه ضرورة السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وما نراه على شاشات التلفاز هو استمرار مقتل عدد كبير من الناس أثناء انتظارهم في طوابير الطعام، يُقتلون بوحشية، وهذا يعني ببساطة أن المساعدات الإنسانية لا تصل بحرية".
وبشكل يومي، يسقط عدد من الفلسطينيين بين شهداء وجرحي أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات غذائية، جراء إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار قرب مراكز التوزيع التابعة لما يُعرف بـ"آلية المساعدات الأمريكية-الإسرائيلية" التي تواجه انتقادات بأنها باتت "مصائد موت" للفلسطينيين.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو تنفيذ خطة توزيع "مساعدات" عبر ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية"، وهي جهة مدعومة إسرائيليا وأمريكيا، لكنها مرفوضة من قبل الأمم المتحدة.
وفي سياق متصل، انتقد مادونسيلّا حظر إسرائيل لأنشطة وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وأوضح للأناضول: "كانت هناك بعض المحاولات لإيصال المساعدات إلى غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية منعتها. والوكالة الأممية المخولة بتقديم هذه المساعدات وهي الأونروا، تم حظر نشاطها داخل إسرائيل، ومنعت من الوصول إلى الفلسطينيين، وهذا بحد ذاته يعني أن إسرائيل لم تلتزم بتدابير المحكمة المؤقتة".
وفي 28 أكتوبر 2024 صدّق الكنيست نهائيا وبأغلبية كبيرة على قانونين يمنعان الأونروا من ممارسة أي أنشطة داخل إسرائيل وسحب الامتيازات والتسهيلات منها ومنع إجراء أي اتصال رسمي بها.
وعليه، تم تقويض عمل الأونروا في قطاع غزة، ولا يمكن دخول أفرادها إلى الأراضي الفلسطينية إلا من خلال المعابر الإسرائيلية التي تشترط الحصول على تأشيرات.
** تطورات قضية الإبادة الجماعية
وبشأن تطورات الدعوى القضائية التي رفعتها بلاده ضد إسرائيل، أوضح السفير: "طلبنا الأول الكشف وبالتفصيل عمّا يحدث في غزة، وكان الطلب مدعوما بأدلة شاملة تشير إلى احتمال وقوع إبادة جماعية. ولهذا السبب، نعتقد أن المحكمة منحتنا التدابير المؤقتة".
وأوضح أن جنوب إفريقيا قدّمت مذكرة الدعوى الجوهرية في 28 أكتوبر 2024 وقال: "إسرائيل كانت مطالبة بتقديم ردها في 28 يوليو من العام ذاته، لكنها طلبت من المحكمة تمديد المهلة بذريعة أن محاميها بحاجة للتركيز على الرأي الاستشاري المتعلق بالأونروا في مايو 2024، وعليه درست الطلب ومددت المهلة لتقديم رد إسرائيل حتى يناير 2026".
وذكر السفير أن هذا التأخير في الوقت "مقلق للغاية"، لافتا إلى أن "الهدف الأساسي من اتفاقية الإبادة الجماعية ليس معاقبة المرتكبين وحسب، بل منع وقوع الجريمة. وكلما تأخر البت في القضية، زادت فرص استمرار الإبادة الجماعية".
وأكد أن إسرائيل لم تلتزم بالرأي الاستشاري الذي دعاها إلى الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة خلال عام واحد، مضيفا: "لا نرى أي مؤشر على أن إسرائيل تستعد للالتزام".
** تكريث للاحتلال
وفي تقييمه لمقترح إسرائيل تحويل منطقة رفح جنوب قطاع غزة إلى "مدينة إنسانية" يُجبر الفلسطينيون على النزوح إليها دون مغادرتها، قال مادونسيلّا: "ما يسمى بالمخيم الإنساني، من وجهة نظرنا، ليس إلا معسكر اعتقال، ويتعارض بشكل صارخ مع الرأي الاستشاري المناهض للاحتلال".
والاثنين، كشف وزير الدفاع يسرائيل كاتس عن ملامح خطة جديدة لإقامة معسكر احتجاز أسماه "مدينة إنسانية" مكونة من خيام على أنقاض مدينة رفح، تتضمن نقل 600 ألف فلسطيني إليها في مرحلة أولى بعد خضوعهم لفحص أمني صارم.
وحسب هيئة البث العبرية الرسمية، ستقام المدينة المزعومة بين محوري "فيلادلفي" و"موراج"، وسيتم في المرحلة التالية تجميع كل فلسطينيي غزة بها، قبل تفعيل آليات لتشجيع ما تزعم أنه "هجرة طوعية" للفلسطينيين هناك، وهو ما أثار استهجان ورفض عدة دول ومنظمات حقوقية.
وذكّر السفير بأن على الدول "واجب منع الإبادة الجماعية".
وأردف قائلا: "حين منحتنا المحكمة تدابير مؤقتة، لم تكن هي المسؤولة عن تنفيذها، بل تقع المسؤولية على الدول الأطراف في الاتفاقية، التي يجب أن تبذل كل ما بوسعها لمنع وقوع الإبادة الجماعية. كذلك، فإن على مؤسسات الأمم المتحدة مثل مجلس الأمن واجب ضمان تنفيذ قرارات المحكمة وترجمتها إلى واقع".
وأضاف أن محاولات وقف إطلاق النار في مجلس الأمن "قوبلت بعقبات"، موضحا: "تم بذل محاولات عدة للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لكن كما نعلم جميعًا، تم استخدام سلطة النقض (الفيتو) مرارًا ضد القرارات المقترحة".