أسامة غريب: مَن ذاق عرف - بوابة الشروق
الأحد 17 أغسطس 2025 6:45 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

أسامة غريب: مَن ذاق عرف

الكاتب أسامة غريب
الكاتب أسامة غريب

نشر في: الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:21 م | آخر تحديث: الجمعة 15 أغسطس 2025 - 8:21 م

 

ظهر رجل من الأولياء فى أحد بلاد المسلمين فذاع صيته، وأخذ الناس الذين بوغتوا بكراماته يتحدثون بها باعتبارها تشبه السحر. كان الأتباع والمريدون كالممسوسين الذين لم يعد لهم همّ سوى التسبيح بقدرات سيدهم الشيخ الذى يمتلك محلاً للعطارة يقوم فيه بتصنيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.

كان من بين دراويش الشيخ رجل تعرفت عليه فى الخارج وكنت أحسبه من العاقلين، لهذا فقد قصدته لأفهم منه ماذا يصنع هذا الرجل بالتحديد حتى تكون له كل هذه الهالة فى أعين محبيه. قال: إن هذا الرجل صاحب الكرامات لا شك متصل بالسماء حتى تكون له القدرة على أن يقدم كل ما قدمه. قلت فى فضول: وما الذى قدمه شيخكم هذا بالتحديد؟

قال فى شرود وكأنه يستحضر روح الشيخ: ليس المهم ما قدمه حتى الآن على كثرته، لكن الأهم أن ما اخترعه يبشر بأن لديه الكثير مما لم يظهر بعد. قلت وقد اعترانى قلق حقيقى: أخشى أن يكون هذا الرجل من الدجالين الجدد. قال أعوذ بالله..إن هذا رجل أقبل علينا فتغيرت حياتنا حتى لكأننا لم نعش من قبل. قلت وقد رق قلبى وتفتحت مسامى لسماع المزيد: لا أشك أن إيمانك الشديد هذا مع وفرة المحبين يشى بأن شيخكم يختلف عن غيره، لكن ماذا عن عطارته، وأى الكشوفات العشبية التى أطلقها هذا الرجل بهرتكم وسببت لكم هذا كل هذا الوجد الشفيف؟ قال: من الأشياء التى سهر الرجل لأجلها فى معمله الصغير داخل محل العطارة تركيبة فريدة يمكن بعد إذابتها فى الماء أن تضع مقدارا ضئيلا منها على مؤخرة القرد فتزداد احمرارا؟

أحسست أن الأرض تميد بى بعدما سمعت ما قاله الرجل الذى كنت آخذه طوال الوقت على محمل الجد. قلت مفزوعا: هذا مزاح.. أليس كذلك؟ قال فى حدة: أى مزاح يا أخ؟ أقول لك إنه استطاع أن يزيد حمرة مؤخرة القرد فتقول لى مزاح! مَن بربك استطاع قبل شيخنا الجليل أن يصل إلى شىء كهذا؟ قلت فى غضب: وما الذى يفيدنا إذا احمرت مؤخرة القرد أو اكتست باللون البرونزى؟ قال: هذا يا مسكين ما يظنه العامة الذين لا يفكرون إلا فى أنفسهم ولا ينظرون أبعد من تحت أرجلهم!

أوشكت أن ألطم على وجهى من هول ما سمعت، ومع هذا فقد تذرعت بالصبر من أجل أن أفهم، وهو من جانبه أردف قائلاً: لقد حدثتك عن اختراع واحد فقط ولم أقل لك عن بقية أعماله.. هذا الرجل الذى كُشفت له الحجب قد توصل فى الشهر التالى بعد اختراعه الذى حدثتك عنه إلى خلطة بسيطة مفرداتها موجودة عند أى عطار، لكن العبقرية تكمن فى النِسَب وطريقة المزج.. خلطة جديدة من شأنها لو تم استخدامها بحكمة أن تجعل ليّة الخروف أكثر نعومة ورِقّة مما هى عليه، وأظنك تشهد أن أحدا قبل سيدنا الشيخ لم يفكر فى مخلوقات ربنا ولا حاول أن يقدم لها ما يسعدها!

كنت قد فقدت القدرة على الدهشة وصرت أتوقع أن أسمع أى هراء، لذلك قررت أن أكمل معه مشوار العبث. سألته: وهل أنت وشيخك واثقان من أن تنعيم ليّة الخروف وتحمير مؤخرة القرد تمنح كلا من القرد والخروف السعادة، أم أنّ موزة وقليلاً من الفول السودانى قد تحمل للقرد بهجة أكثر من تلوين خلفيته، وأن حزمة برسيم طازجة من الممكن أن تهب الخروف لحظات أطيب مما يحصل عليه وأنت تفرك ليّته بعجينة عمك الشيخ. قال: عيب الإنسان أنه عَجول ولا يفكر إلا فى ملذاته، مع أنه لو فكر فى إسعاد مخلوقات الله لشفّت روحه وارتقى بنفسه درجات أعلى فى سلم الإنسانية. قلت: ما شاء الله على الأفكار النبيلة..وماذا فعلتم للفيل والغزال..هل اخترعتم مرهمًا لزلومة الفيل وكريمًا مرطبًا لكعب الغزال؟. قال: أظنك تهزأ بى، ومع ذلك لا يا سيدى لم يخترع مولانا ما تقول، لكنه توصل لمحلول إذا ما ارتشف منه السنجاب رشفة واحدة اعتدل مزاجه اليوم بكامله فلا يتسلل إليه الضيق أو الكدرّ. قلت: وهذه المخترعات العظيمة التى أسعدت الناس..كم تكلفت ومن الذى قام بتمويلها؟

قال: لا يهم كم تكلفت.. نحن ندفع راضين ولسوف نتحمل المزيد ما دام مولانا يرعانا ويخترع لنا.

قلت وقد عاودتنى حالة عدم التصديق: هل أنتم مجانين؟ أتضحون بالقوت الضرورى لتدهنوا مؤخرة القرد وتعدلوا مزاج السنجاب؟.. ألهذا الحد نجح شيخكم هذا فى شخرمة أرواحكم فهجرتم التفكير السليم وتبنيتم كل هذه التخاريف؟ ماذا عن واقعكم المزرى يا رجل؟ أليس بوسع شيخكم هذا أن يقدم طعاما للجائعين أو مساكن للبائسين أو وظائف للخريجين أو إغاثة للمنكوبين؟. قال ناظرا للأفق: إن رسالة شيخنا تتجاوز مطالبكم التافهة الخاصة بالأكل والشرب والزواج، فهذه وظائف ومهام الأتباع التافهين، أما سيدنا فإنه قبس من روح الله، قد بعثه إلينا ليحرر نفوسنا من الأغلال والقيود.

قلت يائسا من أن يفهم أو يعقل: أنا لا أطلب من شيخكم أن يحل للناس مشاكلها فهذه ليست وظيفة رجل الدين، لكنى أسألكم أنتم: ألم يعد لكم اهتمام بأشياء البشر الفانية مثل الأكل والشرب والعلاج.. ألم يعد شىء مما سبق يشغلكم  بعد أن شفّت أرواحكم وجاوزت الغلاف الخارجى للأرض؟

قال: لن تعرف حتى تذوق. قلت: ذوقوا وحدكم يا ولاد العبيطة!     

 

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك