تحل اليوم الاثنين، ذكرى ميلاد الكاتبة والروائية الإنجليزية الشهيرة أجاثا كريستي، التي ولدت في 15 سبتمبر عام 1890، ورحلت في 12 يناير عام 1976.
وتُلقب كريستي بـ"سيدة الجريمة"، إذ تعد واحدة من أعظم كتاب الرواية البوليسية في العالم وأكثرهم تأثيرًا وانتشارًا، إذ تجاوزت مبيعات أعمالها ملياري نسخة، ما يجعلها من بين الأكثر مبيعًا في تاريخ الأدب.
- الطفولة والنشأة
ولدت أجاثا، في مدينة توركاي الساحلية بمقاطعة ديفون جنوب إنجلترا، لأب أمريكي وأم إنجليزية، وعاشت طفولتها في منزل واسع وسط حديقة كبيرة، ووصفت تلك الفترة بأنها «كانت سعيدة جدا»، إذ أحاطتها عائلتها خاصة والدتها - صاحبة الشخصية القوية والمؤثرة في حياتها لأنها تؤمن بأن أطفالها قادرون على فعل أي شيء إذا أتيحت لهم الفرصة - برعاية وحرية شجعتها على الاستكشاف والخيال.
وقالت أجاثا، عن طفولتها: "قضيت طفولة سعيدة ومليئة بالحرية.. لم يكن هناك ضغط كبير في الدراسة؛ مما أتاح لي وقتًا لأتجول في الحديقة، وأقرأ، وأطلق العنان لخيالي.. في إحدى المرات، عندما أصبت بالبرد وألزمني المرض الفراش، اقترحت عليّ والدتي أن أكتب قصة قصيرة.. في البداية قلت لها إنني لا أعرف كيف أكتب، لكنها شجعتني، ومن هنا بدأت رحلتي مع الكتابة".
- الحرب العالمية الأولى وبداية المسيرة الأدبية
بدأت كريستي، بكتابة قصص قصيرة ومقطوعات شعرية، ثم حاولت تأليف رواية طويلة، لكن محاولاتها الأولى لم تحقق النجاح، وكانت أول رواية كتبتها هي "ثلوج على الصحراء"، إلا أن جميع الناشرين رفضوها.
وخلال الحرب العالمية الأولى، تطوعت كريستي، للعمل في مستشفى تابع للصليب الأحمر البريطاني، وهناك تعلمت الكثير عن العقاقير والسموم، وهي معرفة ستصبح عنصرا أساسيا في العديد من رواياتها البوليسية لاحقا.
وفي تلك الفترة كتبت روايتها الشهيرة "قضية ستايلز الغامضة"، التي ظهرت فيها لأول مرة شخصية المحقق الشهير هيركيول بوارو.
واستغرقت محاولاتها لنشر الرواية وقتا طويلا، إذ رفضت 6 مرات متتالية، لكنها في النهاية قبلت للنشر عام 1920، وحققت نجاحا كبيرا؛ لتبدأ معها مسيرة أدبية استثنائية.
- حياتها الشخصية وحادثة الاختفاء الشهيرة
تزوجت أجاثا، عام 1914 من الضابط آرشيبالد كريستي، وأنجبت منه طفلتها الوحيدة روزاليند، لكن زواجها شهد أزمات عديدة، وبلغ ذروته عام 1926 حين طلب زوجها الطلاق بعدما وقع في حب امرأة أخرى.
وفي العام نفسه توفيت والدتها؛ ما سبب صدمة كبيرة لكريستي، وجعلها تدخل في حالة من الحزن والاضطراب النفسي.
بعد أيام من هذه الأحداث، اختفت كريستي في حادثة غامضة استمرت 11 يوما، وأثارت ضجة إعلامية ضخمة، وعثر عليها في أحد الفنادق، لكنها لم تتحدث أبدا عن تفاصيل ما حدث، وما زالت أسباب اختفائها موضع جدل حتى اليوم.
وفي عام 1930، تزوجت مرة أخرى من عالم الآثار السير ماكس مالوان، ورافقته في رحلاته إلى الشرق الأوسط، حيث شاركت في بعض الحفريات الأثرية.
هذه الرحلات ألهمتها في كتابة روايات تدور أحداثها في أماكن أثرية وسياحية مثل العراق ومصر وسوريا، ومن أشهرها رواية "الموت على النيل"، و"جريمة في قطار الشرق السريع".
- أسلوبها في الكتابة
اعتمدت كريستي على أسلوب فريد جعلها مختلفة عن غيرها من كتاب الرواية البوليسية، إذ تبدأ معظم رواياتها بجريمة قتل غامضة، وتقدم مجموعة من الشخصيات، لكل منها أسرار ودوافع خفية.
ويتولى المحقق "غالبا هيركيول بوارو أو الآنسة ماربل"، كشف الحقائق خطوة بخطوة، وفي النهاية تفاجئ القارئ بحل صادم وغير متوقع.
وبرعت كريستي، في بناء الحبكة المعقدة، وتتعمد خداع القارئ عبر تقديم أدلة مضللة، ثم تكشف عن الحقيقة في النهاية بشكل منطقي ومدروس.
واشتهرت أيضا باختيار أماكن مثيرة للأحداث مثل: فنادق فاخرة، وبيوت ريفية منعزلة، وسفن سياحية، وقطارات مثل "قطار الشرق السريع".
لم تعتمد في أعمالها على حوادث حقيقية من سجلات الشرطة، بل ابتكرت قصصها من خيالها الواسع، وهذا ما أعطاها طابعًا خاصًا يميزها عن غيرها مثل ترومان كابوت أو نورمان ميلر.
- إنجازات وأرقام قياسية
حققت كريستي، إنجازات غير مسبوقة في عالم الأدب، إذ تُعد الكاتبة الأكثر ترجمة في العالم بحسب فهرس اليونسكو، وبيع أكثر من 100 مليون نسخة من روايتها "ثم لم يبق أحد"؛ مما يجعلها من أكثر الكتب مبيعا على الإطلاق.
وحطمت مسرحيتها "مصيدة الفئران"، الرقم القياسي كأطول عرض مسرحي متواصل في العالم منذ عام 1952 وحتى اليوم، وحصلت عام 1955 على جائزة جراند ماستر، أرفع تكريم من اتحاد كتاب الغموض في أمريكا، وفي العام نفسه، نالت مسرحيتها "شهادة الإدعاء" جائزة إدغار كأفضل مسرحية.
وفي عام 2013، اختيرت روايتها "مقتل روجر أكرويد" كأفضل رواية جريمة على الإطلاق في تصويت شارك فيه 600 كاتب من رابطة كتاب الجريمة.
واقتبست أعمالها في أكثر من 30 فيلما سينمائيا وعشرات المسلسلات والإذاعات، وحتى ألعاب الفيديو والروايات المصورة.
- وفاتها
توفيت أجاثا كريستي في 12 يناير 1976 عن عمر ناهز 85 عامًا في منزلها بـوينتربروك، مقاطعة أوكسفوردشير، ودُفنت في كنيسة سانت ماري بقرية تشولسي إلى جانب زوجها ماكس مالوان.
وحضر جنازتها نحو 20 مراسلا من الصحف والتلفزيون، وجاءت أكاليل الزهور من كل أنحاء العالم، منها واحد من فريق مسرحية "مصيدة الفئران"، وآخر من دور نشر كبرى تعبيرًا عن حب قرائها واعتزازهم بإرثها الأدبي.
- إرث كريستي
حتى اليوم، تواصل أعمال أجاثا كريستي جذب القراء، وتترجم إلى لغات جديدة باستمرار، بينما تظل شخصيات مثل هيركيول بوارو والآنسة ماربل جزءا من الثقافة الشعبية العالمية.
لقد أسست كريستي مدرسة في الكتابة البوليسية، التي تعتمد على التشويق والعقلانية والإبهار، وجعلت من الغموض متعة أدبية خالدة.