«الشروق» توثق تفاصيل يوم فى مؤسسات رعاية الأطفال ذوى الهمم - بوابة الشروق
الخميس 16 أكتوبر 2025 7:23 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

«الشروق» توثق تفاصيل يوم فى مؤسسات رعاية الأطفال ذوى الهمم

كتبت - آية عامر
نشر في: الأربعاء 15 أكتوبر 2025 - 10:57 م | آخر تحديث: الأربعاء 15 أكتوبر 2025 - 10:57 م

التكامل الحسى والعلاج الطبيعى.. أدوات علمية تعيد للطفل توازنه وثقته بنفسه
أمهات يروين رحلتهن مع علاج الأبناء فى أروقة مجمع خدمات الإعاقة الشامل
وزيرة التضامن: ما نقدمه ليس رعاية فقط.. بل دمج حقيقى وعدالة اجتماعية
موقع إلكترونى جديد لتوظيف ذوى الاحتياجات الخاصة.. وتعاون موسع مع التحالف الوطنى والمجتمع المدنى

 


فى زوايا القاهرة الهادئة، تحديدًا بين أحياء عين شمس والمرج، تختبئ عوالم لا يعرفها كثيرون، عوالم صغيرة فى المساحة، عظيمة فى الأثر، صممت لا لترف أو ديكور، بل لتكون ملاذًا حقيقيًا لأطفال خلقوا باختلافات، ليس بنقصان.

«الشروق» قضت يومًا كاملًا داخل مؤسستين متخصصتين فى رعاية وتأهيل الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة.
داخل مجمع خدمات الإعاقة الشامل بعين شمس، تتوزع الغرف كخلايا نشطة، لكل منها دورها فى بناء جانب من شخصية الطفل، فهناك قاعات العلاج الطبيعى، وغرف التكامل الحسى، وقاعات التخاطب، فيما يتعلم الأطفال فى غرف الأنشطة الاجتماعية كيف يشاركون الآخرين ويعبرون عن أنفسهم بثقة.
وسط هذا العالم المفعم بالحياة، تجلس أسماء أحمد، أم لطفلة فى العاشرة من عمرها تدعى سلمى، وتروى رحلتها مع ابنتها التى بدأت بالقلق، فتقول: «لفيت على أماكن كتير، ورحت لدكاترة مخ وأعصاب، وكلهم قالوا لازم سلمى تشتغل على تنمية المهارات والتخاطب، لكن بصراحة ما استفدتش زى ما استفدت السنة اللى قضيتها هنا».
تصف أسماء التزام العاملين داخل المركز: «هنا بيعاملوا ولادنا كأنهم ولادهم، الأخصائيون هنا مدركون تماما لما يفعلون، لديهم خطة واضحة لكل طفل، بيتجمعوا وبيراجعوا البرنامج خطوة بخطوة، حتى حركة إيديها الضعيفة بيخططوا إزاى يقووها».
ما يميز التجربة بالنسبة لها هو التقييم المستمر لنتائج البرنامج: «بعد كل ثلاثة أو أربعة أشهر بيعملوا تقييم شامل، ولو مفيش تقدم بيعدلوا البرنامج فورا، من غير ما أطلب، هما عارفين خطة سلمى وماشيين عليها، وعندما يحدث إنجاز بيصورولى فيديو دقيقة حتى أرى هى وصلت لفين، وساعتها ما بصدقش إن بنتى وصلت لكده».
وتضيف أسماء: «المكان تابع لوزارة التضامن وأسعاره معقولة جدا مقارنة بالأماكن الخاصة اللى كنت بروحها، والمكان ده بالنسبالى أمل حقيقى لولادنا».
على الطرف الآخر من المجمع، تعمل مروة النجار، أخصائية التكامل الحسى، مع مجموعة من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات حركية أو حسية.
تجلس على الأرض إلى جوار طفلة صغيرة تتردد فى لمس إحدى الألعاب المضيئة، تبتسم مروة برفق وتهمس لها بكلمات تشجيع قبل أن تدفعها بخفة نحو التجربة الأولى، تقول: «هالة عندها نقص بصرى وحركى، وكانت بتخاف من المرجيحة رغم أنها بتحب الحركة، بدخل معاها الأول عشان تحس بالأمان، وبعد كده بسيبها تواجه لوحدها».
تشرح مروة عملها: «الأطفال اللى بييجوا هنا عندهم مشاكل حسية، زى المشى على أطراف الأصابع أو وضع الأيدى على الأذنين باستمرار أو أكل حاجات غير صالحة للأكل، إحنا بنبدأ بتقييم شامل للحواس، وبنحدد إذا كان عند الطفل فرط أو نقص فى أى منها، وبنصمم له برنامج على هيئة أنشطة وألعاب».
وفى قاعة الانتظار، تحمل مريم محمد طفلتها الصغيرة على ذراعيها، وتقول: «بعد الأربعين لاحظت إن عينيها لا تتحرك مثل باقى الأطفال، ذهبت لدكاترة، وعندما أجرينا أشعة فى مستشفى الدمرداش اكتشفوا ضمور فى العصب البصرى».
وتضيف الأم: «عندما أجرى الأطباء الفحوصات اكتشفوا وجود مياه على المخ تضغط على العصب البصرى، وهو السبب الرئيسى لضعف الرؤية».
أما عن رحلة العلاج، فتوضح قائلة: «نحن الآن نأخذ بعض الفيتامينات، إذ لا يوجد علاج نهائى للعصب البصرى، لكن الطبيب أشار إلى أنه بعد زوال المياه قد يتحسن النظر بإذن الله».
وجاءت مريم إلى المركز لتبدأ مع ابنتها جلسات العلاج الطبيعى لتتمكن من الجلوس والحبو ثم المشى.
وفى زاوية أخرى، تجلس بسمة فتحى تحتضن طفلها ياسين، الذى لم يُكمل عامه الأول بعد، مصابًا بمتلازمة داون.
تقول بسمة: «اكتشفنا حالته بعد إجراء التحاليل، وبدأنا العلاج فى مركزٍ آخر، لكن حين تدهورت حالته بدأنا نبحث عن مكانٍ أفضل، ومنذ اللحظة الأولى التى دخلت فيها هذا المركز شعرت بالاختلاف فى كل شىء: النظافة، والنظام، والمواعيد، والأخصائيين».
بدأ ياسين جلساته بالعلاج الطبيعى، ثم التحق ببرنامج التدخل المبكر الذى يشمل جلسات لغوية ووظيفية، وتضيف بسمة بابتسامة وهى تنظر إليه: «لديه توءم فتاة، لكن والده خرج بها الآن، والحمد لله هى بصحةٍ جيدة».
وعلى الرغم من إقامتها فى مدينة العبور، فإنها تتحمل مشقة الطريق لتصل إلى المجمع بانتظام، وأحيانًا تمكث فى منزل والدتها بحدائق القبة لتكون قريبة من جلسات طفلها.
من غرفة إلى أخرى، تتواصل الرحلة اليومية داخل المجمع، ففى غرفة السيكوموتر يقف الأطفال على ألواح خشبية ملونة ليتعلموا التوازن والسيطرة على الحركة، بينما فى غرفة التخاطب يعاد بناء اللغة جملة بعد أخرى على لسان طفل يحاول نطق أولى كلماته.
وفى غرفة الأنشطة الاجتماعية يتعلم الأطفال التعاون عبر ألعاب جماعية صغيرة، وفى غرفة العلاج الطبيعى تتحول العقبات إلى تدريبات لإعادة الجسد إلى حركته الطبيعية.
أما غرفة السينما الصغيرة، فهى مساحة يجتمع فيها الترفيه والتعليم، حيث يشاهد الأطفال أفلامًا كرتونية موجهة تساعدهم على فهم المشاعر والمواقف الاجتماعية.
كل هذه الجهود، كما تقول مديرة المجمع، سحر حسين، تأتى ضمن خطة وزارة التضامن الاجتماعى لتقديم خدمات شاملة للأطفال ذوى الإعاقة برسوم رمزية تخفف العبء عن الأسر.
وتضيف: «المكان لا يقدم علاجًا فقط، بل يمنح دعمًا نفسيًا متكاملًا للأمهات اللاتى وجدن فيه ملاذًا من القلق والوحدة»، مشيرة إلى أن الهدف مش إن الطفل يتحرك أو يتكلم بس، هدفنا إنه يندمج، ويعيش، ويحس إن له مكان فى الدنيا دى».
وفى سياق متصل، قالت مدير مجمع كبار السن بالمرج، أسماء لطفى، إن المجمع يتكون من مؤسستين متخصصتين فى رعاية وتأهيل ذوى الاحتياجات الخاصة ويستوعب 190، ليقدم خدمات اجتماعية وتأهيلا مهنيا وخدمات تنموية وخدمات نفسية واجتماعية وطبية، فضلا عن أنه يعمل لاختبارات أولية لتحديد القدرات وتقييم نفسى والاجتماعى وتشغيل داخل الورش التأهليلية المتنوعة.
فيما أكدت وزيرة التضامن الاجتماعى، مايا مرسى، أن ما يحدث داخل هذه المؤسسات لا يمكن اختزاله فى كونه جهدا محليا أو مبادرات فردية، بل هو جزء من سياسة دولة تُولى أولوية قصوى للفئات الأولى بالرعاية، وفى مقدمتهم الأشخاص ذوو الإعاقة.
وأوضحت مرسى، لـ«الشروق»، أن الوزارة لا تكتفى بتقديم الرعاية اليومية، بل تعمل على تنفيذ خطة متكاملة تشمل التأهيل، والتعليم، والتشغيل، والحماية الاجتماعية، بما يضمن الدمج الكامل للأشخاص ذوى الإعاقة فى المجتمع، ويحقق لهم العدالة الاجتماعية.
وأضافت أن من أبرز ملامح الخطة: استكمال كافة الخدمات التأهيلية والتدريبية والتعليمية والصحية، مع إطلاق حملات توعوية مكثفة للأسر حول أهمية الكشف المبكر، وتأهيل الأطفال نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا وجسمانيًا للاندماج الفعّال فى النظام التعليمى والمنظومة الثقافية.
وأشارت إلى أن الوزارة توسعت مؤخرا فى توفير فرص عمل ملائمة للأشخاص ذوى الإعاقة، من خلال شراكات مع المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، والتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى، والمجتمع المدنى، والشبكة القومية للأشخاص ذوى الإعاقة.
وأطلقت الوزارة كذلك موقعا إلكترونيا متخصصا لدعم توظيف الأشخاص ذوى الإعاقة، إلى جانب العمل على تحسين جودة الخدمات، وإشراك الأشخاص ذوى الإعاقة أنفسهم فى تقييم هذه الخدمات وتقديم مقترحات لتطويرها.
وأكدت الوزيرة أن الخطة تتضمن التوسع فى حضانات الأطفال ذوى الإعاقة، ومؤسسات التثقيف الفكرى، والمراكز اللغوية للصم وضعاف السمع، ومراكز العلاج الطبيعى، ومراكز تأهيل حالات التوحد، ومؤسسات رعاية المكفوفين على مستوى جميع محافظات الجمهورية.


صور متعلقة


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك