في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، والذي أدى إلى سقوط ما يقارب الـ230 ألف فلسطيني ما بين شهيد وجريح، علاوة على نزوح مليوني فلسطيني، وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أصدرت قوات الاحتلال، عدة قرارات تكرس للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي الذي يهدف إلى ابتلاع الدولة الفلسطينية برمتها، آخرها القرار الذي أعلنه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، ببناء مستوطنات جديدة في منطقة "إي 1" الواقعة بالقدس الشرقية؛ مما يفصلها عن الضفة الغربية ويقضي على فكرة الدولة الفلسطينية بالكلية.
محاولات الكيان الصهيوني للاستيلاء على مدينة القدس بأكملها جاءت بدعم أمريكي مطلق، ظهر جليًا في القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى، بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس في 14 مايو 2018، والذي يعد بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للمضي قدمًا في مخطط تهويد مدينة القدس، والاستيلاء عليها تمامًا.
وتتمتع مدينة القدس عاصمة فلسطين بمكانة كبيرة في قلوب الشعوب العربية كافة، باختلاف دياناتهم، لا سيما وأن المدينة تضم العديد من أقدم المعالم الإسلامية والمسيحية؛ ولذا يسلط التقرير التالي الضوء على أهم المعالم التاريخية في مدينة القدس الشرقية عاصمة فلسطين.
- المسجد الأقصى
يقع في البلدة القديمة في القدس الشرقية، ويحظى بمكانة كبيرة في نفوس المسلمين، لاسيما وهو أول قبلة في الإسلام، إذ كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يؤم الصحابة مستقبلًا قبلة المسجد الأقصى، وكان يتمنى أن يمن الله -تعالى- عليه وتتحول القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، حتى نزلت الآية الكريمة: "قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ".
ويعتبر المسجد الأقصى، المكان الذي شهد معجزة الإسراء والمعراج والتي يحتفل بها المسلمون في 27 رجب من كل عام، وحدثت للنبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاة زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وعمه أبوطالب، وبعدما خذله أهل الطائف، إذ أراد الله أن يسري عنه ويخفف من آلامه بهذه الرحلة، والتي خاضها النبي -عليه الصلاة والسلام- بروحه وجسده في آن معًا، متجاوزة حدود الزمان والمكان، مستقلًا دابته "البراق"؛ ليسري من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ويصلي بالأنبياء إمامًا، ثم يعرج من بيت المقدس إلى السماوات السبع؛ ليلتقي في كل سماء بأحد الأنبياء، فقابل في السماء الأولى آدم -عليه السلام-، وفي السماء الثانية يحيى وعيسى -عليهما السلام-، وفي السماء الثالثة يوسف -عليه السلام-، وفي السماء الرابعة إدريس –عليه السلام-، وفي السماء الخامسة هارون –عليه السلام-، وفي السماء السادسة موسى -عليه السلام-، وفي السماء السابعة إبراهيم -عليه السلام-؛ ليبلغ عرش الرحمن -تعالى- فوق السماوات ويناجي الله -سبحانه وتعالى-، وهي منزلة لم يحظى بها أحد من الأنبياء أو الملائكة، وفي هذا اللقاء فرضت الصلوات الخمس وأراه الله -تعالى- من آياته الكبرى، فرأى الجنة وما أعده الله للمتقين، ورأى النار وما أعده الله -تعالى- من العذاب للكفار والعاصين.
وعاد الرسول -صل الله عليه وسلم- إلى مكة في الليلة نفسها، ليواصل دعوته ونشر الإسلام بين القبائل.
- كنيسة القيامة
تعرف أيضًا بـ"كنيسة القبر المقدس"، وتقع داخل أسوار البلدة القديمة في القدس، وأنشئت فوق "صخرة الجلجثة أو الجمجمة" وهو المكان الذي يعتقد أن المسيح -عليه السلام- قد صلب فيه، وتضم القبر المقدس وهو المكان الذي دفن فيه عيسى -عليه السلام-.
وبنيت كنيسة القيامة، للمرة الأولى عام 335 ميلادي على يد الملكة هيلانة، وهي والدة الإمبراطور الروماني قسطنطين، حيث أمرت بهدم المعبد الوثني المشيد على القبر الذي شيده الإمبراطور هادريان في القرن الثاني الميلادي.
ودمر الفرس الكنيسة بعد استيلائهم على القدس عام 614 م، وأعاد بنائها مودستس وكان رئيس دير القديس ثيودوسيس عام 629 م، وبعدها استرجع هرقل خشبة الصليب من الفرس، وفي عام 637 م وبعد الفتح الإسلامي للقدس، زار الخليفة عمر بن الخطاب كنيسة القيامة بصحبة البطريرك، وعند حلول موعد الصلاة لم يصلِ داخل الكنيسة لكي يحافظ على خصوصية المكان وقدسيته لأهل الدين المسيحي، فصلى خارج الكنيسة في الموقع الذي عرف فيما بعد بجامع عمر، وقد أحسن الخليفة معاملة المسيحيين وأطلق لهم حرية العبادة، وهو ما تظهره وثيقة العهدة العمرية، فيما هدمها الخليفة الفاطمي الحاكم، ثم أعيد بناؤها من قبل الملك قسطنطين الملقب عام 1048م.
وغزا الأوروبيون مدينة القدس وأعادوا بناء الكنائس القديمة المتهدمة، وفي سنة 1187م استرد صلاح الدين الأيوبي القدس من الفرنجة واتبع خطى الخليفة عمر بن الخطاب في الحفاظ على الكنيسة.
وفي سنة 1229م، استولى الفرنجة على القدس ثانية تحت قيادة فردريك الثاني ملك ألمانيا؛ لترزح تحت حكمهم لمدة 10 سنوات فقط من 1229-1239م، ثم انتزعت منهم وانقضى حكمهم نهائيا من القدس.
وفي سنة 1244م، هدم التتار المغول كنيسة القيامة وسرقوا كنوزها، إلا أنها بنيت ثانية في أواخر القرن الثالث عشر.
وفي سنة 1869م، اتفقت روسيا وفرنسا وتركيا على تجديد بناء القبة التي فوق كنيسة القبر.
- حي الشيخ جراح
يقع في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في المدينة، ويعد أحد أبرز أحياء مدينة القدس وأكثرها أهمية؛ لضمه مقرات العناوين الرسمية الفلسطينية في القدس، مثل بيت الشرق، الذي كان مقرا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأغلقته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 2003، إضافة إلى المسرح الوطني الفلسطيني، والعديد من مقار البعثات الدبلوماسية.
وسُمي حي الشيخ جراح بهذا الاسم نسبة إلى الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي، وعرف في ذلك الوقت بــ"الجراح" ولما كان صلاح الدين محرر القدس وطبيبه الخاص الذي عمل على مداواته من جراحه سمى الحي تيمنًا باسمه في القرن الـ13 الميلادي مضى.
وتعود قصة الحي إلى ما بعد حرب 1948، إذ فقدت 28 أسرة فلسطينية لمنازلها خلال الحرب، بالإضافة إلى تقسيم مدينة القدس، لجزء شرقي وغربي؛ لتخضع القدس الشرقية سنة 1956 للحكم الأردني، وبموجب اتفاق بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، نقلت العائلات الـ28 إلى حي الشيخ جراح ومنحت أراضي ومنازل، بلغت مساحة البيت الواحد نحو 800 متر مربع.
وسنت إسرائيل في 1970 قانون الشئون القانونية والإدارية، والذي ينص على أن اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم في القدس الشرقية عام 1948 يمكنهم استردادها.
ومنذ مطلع عام 2020، سمحت المحاكم الإسرائيلية بإجلاء 36 عائلة فلسطينية من منازلهم في بطن الهوى وسلوان والشيخ جراح؛ لصالح المستوطنين، ما أدى إلى إدعاء لجان مستوطنين مثل اليهود السوفارديم ولجنة كنيست إسرائيل"لجنة اليهود الأشكناز"، بامتلاك الأراضي التي أقيمت عليها المنازل في حي الشيخ جراح سنة 1885.
وفي 1972، طلبت الجمعيتان من المحكمة إخلاء 4 عائلات من منازلها في الحي بداعي "الاعتداء على أملاك الغير دون وجه حق"؛ لتداهم القوات الإسرائيلية بالعنف منازل عائلات اللاجئين، وتجبر السكان على الخروج منها بالقوة، لصالح بناء مستوطنات إسرائيلية بدلًا منها.
جدير بالذكر أن الأمم المتحدة بموجب القرار 181 المتحدة رقم 181 في نوفمبر1948، قسمت فلسطين إلى دولتين عربية تمتلك 44% من الدولة التاريخية، وعاصمتها القدس الشرقية، وإسرائيلية تستولي على 56% من مساحة الدولة الفلسطينية المقسمة وعاصمتها القدس الغربية.
وفي حرب 1967 التي خاضتها إسرائيل ضد الدول العربية، احتلت مدينة القدس الشرقية، بما في ذلك المعالم الدينية مثل المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وكنيسة القيامة وغيرها من المعالم الدينية والتاريخية للمدينة.