أقام الرئيس عبدالفتاح السيسي مأدبة غداء رسمية، اليوم الأربعاء، على شرف العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس، وقرينته الملكة ليتيثيا، اللذان يجريان أول زيارة رسمية لهما إلى مصر خلال الفترة من 16 وحتى 19 سبتمبر الجاري؛ وذلك بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وهذه الزيارة الرسمية "تاريخية"، إذ تعتبر المرة الأولى التي يزور فيها الملك فيليبي السادس والملكة ليتيثيا مصر منذ تتويج الملك عام 2014.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي وقرينته السيدة انتصار، قد استقبلا العاهل الإسباني فيليبي السادس وقرينته الملكة ليتيثيا، صباح اليوم بقصر الاتحادية.
وألقى العاهل الإسباني كلمة مؤثرة خلال مأدبة الغداء الرسمية التي أقامها الرئيس عبدالفتاح السيسي على شرفه بالقاهرة، حيث عبّر عن شكره العميق لحفاوة الاستقبال التي لقيها هو وقرينته الملكة ليتيثيا، مشيداً بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع بين إسبانيا ومصر، ومؤكدا أن عام 2025 يُشكل "عاماً مفصلياً" في مسيرة التعاون بين البلدين بعد رفع العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
وجاء نص الكلمة الكاملة التي ألقاها العاهل الإسباني فيما يلي:
"فخامة الرئيس السيسي"
إن الملكة وأنا نود أن نتوجه إلى فخامتكم بجزيل الشكر على ما لقيناه من حفاوة الاستقبال في بلدكم العزيز. ويؤكد لنا كل ما نراه ونسمعه هنا، ما قاله إدوارد تودا، الدبلوماسي والمؤرخ الإسباني العاشق لمصر في أواخر القرن التاسع عشر: "إنها الأرض -كما قال- التي كانت مهدا لكل الأعراق البشرية، حيث نشأت أسس كل العلوم والفنون، آثارها شهود قائمة على الجهد البشري طيلة سبعين قرنا".
تجمع تلك البوتقة من الحضارات بيننا. نحن، إسبانيا ومصر، ثقافتان متجذرتان في البحر الأبيض المتوسط. ثقافتان تتشابهان في جوانب كثيرة من فهم الحياة. صداقتنا الطويلة تميزت بانسجام عفوي يتجلى في العديد من التفاصيل اليومية، وبشعور من التقدير المتبادل بين شعبينا.
أعتقد، فخامة الرئيس، أن العلاقات المتينة يجب أن تُغذّى بالحقائق والأفعال. لذلك أنا سعيد للغاية باستقبالكم في مدريد مطلع هذا العام (فبراير الماضي)، وبأن زيارتكم تلك أفضت إلى توقيع "التحالف الاستراتيجي" الذي يدفع علاقاتنا نحو المستقبل، وأن نكون هنا اليوم ـ بعد نحو نصف عام فحسب ـ في هذه الزيارة الرسمية التي نعرب عن تشرفنا العميق بها. وعلى المستوى الشخصي، أعترف أننا نتطلع بشغف لرؤية غروب الشمس عند أهرامات الجيزة".
هذه المحطات الثلاث ـ زيارتان رسميتان واتفاق شراكة استراتيجية ـ خلال عام واحد، تجعل من سنة 2025 عاماً مفصلياً في تاريخ علاقاتنا الثنائية. إنها ثمرة علاقة بُنيت بإتقان، وحوار سياسي متواصل على جميع المستويات.
تكتسب آليات الحوار الصادق والتعاون المخلص، في عصر كالذي يشهد فيه العالم حاليا صراعات خطيرة وتحديات جسيمة، وجبهات مفتوحة، معنى خاصا للغاية. ويتعين على المجتمع الدولي أن يسعى حثيثا في طلب مثل هذه الآليات والعمل على ترسيخها، لأنها منارات تهدي في الأوقات الحالكة.
ولهذا السبب، وفي هذا اللقاء الودي الذي يجسّد صداقتنا، لا يسعنا كما نود تجاهل الواقع المحيط بنا. لذا اسمحوا لي، فخامة الرئيس، أن أُشير في المقام الأول إلى الوضع في فلسطين، وبالأخص في قطاع غزة القريب من هذه الأرض، حيث لا يكل ولا يملّ بلدانا من إدانة المعاناة الوحشية وغير المقبولة لمئات الآلاف من البشر.
ونحن نُقدّر ونمتن لدور الوساطة الذي تقوم به مصر من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، واستئناف المساعدات الإنسانية بشكل كامل. كما تدعم إسبانيا مبادرات مثل الخطة التي تطرحونها لإعادة إعمار غزة، وهي ضرورية حتى يستعيد سكانها حياتهم وكرامتهم في ذلك الإقليم الذي، مع الضفة الغربية والقدس الشرقية، يجب أن يُشكّل جزءاً من دولة فلسطينية قابلة للحياة، تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل. ومهما بدا هذا الهدف بعيداً اليوم -في ظل ما حدث وما نتابعه يوميا من أخبار وصور- فإننا لا نستطيع أن نكف عن السعي من أجل الوصول إليه.
فخامة الرئيس،
أعود الآن إلى علاقاتنا الثنائية. إن النقلة النوعية في علاقتنا السياسية وترفيعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، تأتي على خلفية تبادل اقتصادي متنامٍ، بفضل حضور الشركات الإسبانية في قطاعات مهمة مثل النقل والطاقة والمياه. كما لا يسعنا إغفال أيضاً تزايد التدفقات السياحية، إذ تشكل السياحة قطاعاً محورياً لبلدينا معاً. وفي هذا السياق، أود أن أنوه وأحتفي بأننا صرنا على أعتاب افتتاح المتحف المصري الكبير، تلك الهدية العظمى من مصر إلى العالم، والذي سيكون خلاصة لتاريخكم المشرق ورمزاً لمستقبلكم الواعد.
وفي مجال التعاون الإنمائي، تُعتبر مصر شريكاً أساسياً ذا أولوية بالنسبة لإسبانيا. فقد ضاعفت "الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية" بين عامي 2022 و2024 تقريباً الموارد المالية المخصصة لمصر. وهي وتيرة ستستمر في السنوات المقبلة، مدعومةً بتوقيع "التحالف من أجل التنمية المستدامة" الذي نأمل إبرامه قريباً.
أما في مجال اللغة والثقافة، فيسعدني أن أرى اهتماماً متزايداً من جانب المصريين بإسبانيا. وأود أن أُبرز الإسهام الكبير لحركة دراسي ومتخصصي اللغة الإسبانية في مصر، بما في ذلك أقسام اللغة الإسبانية القوية في جامعات القاهرة وقناة السويس والأقصر وغيرها، التي سنلتقي برؤسائها غداً. ولا يفوتني أن أشيد بعمل معهد ثربانتس (المركز الثقافي الإسباني)، الذي يعد فرعاه في القاهرة والإسكندرية من الأكبر عالمياً من حيث عدد الطلاب.
كما تعلمون، فخامة الرئيس، لدى الإسبان شغف عميق بمصر الفرعونية مهد الحضارة، ويتجلى ذلك من خلال بعثاتنا الأثرية المشتركة المتواصلة منذ ستة عقود. وسوف نتشرف بعد غدٍ بزيارة موقعين منها في الأقصر، حيث يلتقي العلم والمعرفة. لكن الأمر لا يقتصر على الماضي؛ فالإسبان مفتونون أيضاً بإبداعات الأدب والسينما والموسيقى المصرية المعاصرة. ولا ننسى الرياضة، وآمل مخلصاً أن يتمكن المنتخب المصري قريباً من ضمان التأهل لكأس العالم لكرة القدم، وأن يتقابل هناك، بالمنتخب الإسباني، ونأمل أن يكون ذلك بالفعل في مرحلة متأخرة قدر الإمكان.
فخامة الرئيس،
لا يسعني أن أنهي كلمتي دون التطرق إلى بعض النقاط المحورية على المستويات الإقليمي والأوروبي والمتوسطي. فمصر عضو مؤسس في الشراكة الأورومتوسطية، التي توليها إسبانيا أهمية بالغة. وفي نوفمبر المقبل سنستضيف المنتدى الإقليمي العاشر للاتحاد من أجل المتوسط، حيث سنتمكن معاً من تقييم الوضع الراهن وإعطاء دفعة جديدة للشراكة بمناسبة الذكرى الثلاثين لعملية برشلونة.
أما فيما يخص العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، فأود التأكيد على أهمية "اتفاق الشراكة الاستراتيجية والشاملة" الذي دعمه بلدنا بقوة، ويتضمن حزمة مالية طموحة. ونأمل أن تتعزز هذه الشراكة خلال القمة الأوروبية ـ المصرية المقررة في 22 أكتوبر القادم.
كما نقر أيضا بثقل ودور مصر القيادي في إفريقيا، القارة التي تواجه تحديات جسيمة ومآسٍ قلّما تجد صدىً في العالم، لكنها تملك أيضاً، وهذا لا يمكن إغفاله، إمكانات هائلة بفضل شبابها الديناميكي والمبدع. ويتطلع الإسبان إلى حضور متزايد في إفريقيا، كما تشهد على ذلك "استراتيجية إسبانيا ـ إفريقيا 2025-2028". وفي هذا المسعى ستظل مصر بالنسبة إلينا مرجعاً من الطراز الأول.
فخامة الرئيس، كنتُ قد استشهدتُ في البداية بمواطن إسباني أحب مصر، وأود أن أختتم بكلمات مواطنكم أحمد زكي، عالم اللغة والمحامي والكاتب، الذي جال في إسبانيا أواخر القرن التاسع عشر وتأثر أيما تأثر عند دخوله حدائق قصر الحمراء بغرناطة، وكتب قائلاً: "لقد وجدتُ في الإسبان أخلاق العرب وكرامتهم وكرمهم، وأُعلن صراحة أن طبعهم أكثر وداً ونبلاً من طباع كل الشعوب التي التقيتها في رحلتي الطويلة".
تتلخص علاقة تلاقينا وكأنها صورة تنعكس بين مرآتين بين إسباني هام بمصر ومصري هام بإسبانيا. فلنواصل تعميق هذه الصلة التاريخية بين بلدينا وشعبينا، التي تتجدد وليتعزز بهذه الزيارة: فصل جديد في صداقة راسخة لا تتزعزع بين مصر وإسبانيا".
كانت مصادر في القصر الملكي قالت لصحيفة "el Diario": "ستكون للزيارة طابع سياسي، بالإضافة إلى طابع اقتصادي وثقافي، مع حضور بارز لمجتمع الأعمال والشركات".
وبدأ الزوجان الملكيان زيارتهما الأولى في مصر بلقاء مع الجالية الإسبانية أمس، كما أشار موقع "hola" الإسباني، إلى أنه من المقرر أن يلتقي العاهل الإسباني مع حنفي الجبالي رئيس مجلس النواب المصري، وعبدالوهاب عبدالرازق رئيس مجلس الشيوخ. كما سيحضر افتتاح منتدى الأعمال الإسباني المصري، والذي يهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين. كما سيلتقي بالأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بالإضافة إلى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في الأقصر.
وسيزور الزوجان الملكيان معبد حتشبسوت في وادي الملوك، وسيشهدان فيه أيضا إطلاق الإضاءة الجديدة المُركّبة في هذه التحفة المعمارية.
وفي محطتهما الأخيرة، سيتوجه الزوجان الملكيان إلى متحف الأقصر، حيث سيتمكنان من التعرّف عن كثب على البعثات الأثرية الإسبانية والقطع الأثرية المرتبطة بعملها. ومن هناك، سيزوران مقابر وادي الملوك، والتي تُوفّر إضاءتها مجموعة من الشركات الإسبانية. وأخيرا، سيقومان بجولة في العديد من مشاريع التنقيب التي يقودها باحثون إسبان.
اقرأ أيضا
خلال مأدبة غداء مع السيسي.. ملك إسبانيا: ندعم جهود مصر لحل أزمة غزة ونؤيد خطتها لإعادة الإعمار
مُلمحا لأزمة غزة.. العاهل الإسباني في أول زيارة رسمية للقاهرة: نتشاطر مع مصر رغبة التعايش السلمي بالشرق الأوسط