• عمر طاهر: هل تستجيب قامات الثقافة لتقديم وثيقة تتضمن استقالتهم وتوصياتهم؟
• نجاد البرعى: حملة سخيفة تستهدف قامات مصر الثقافية
• أحمد الدرينى يسأل: «التكريم أم مواكبة الواقع؟»
أصبح تشكيل المجلس الأعلى للثقافة، فى الآونة الأخيرة، حديث الساعة فى جميع الأوساط، وتحول إلى «تريند» يثير النقاشات والجدل عبر منصات التواصل الاجتماعى وفى التجمعات الثقافية والسياسية على حد سواء. وأثار موجة واسعة من الجدل والنقاشات، وشكل محورًا لعديد من التساؤلات حول المعايير المتبعة، وأهداف التشكيل، ومدى قدرة المجلس الجديد على مواجهة التحديات الثقافية الراهنة، إذ يعتبره البعض ركيزة أساسية للحراك الفكرى والإبداعى، ومسئول عن رسم السياسات وتوجيه المسار الثقافى للبلاد. ولذلك، فإن أى قرار يتعلق بتشكيل هذه الكيانات يحظى باهتمام بالغ، ليس فقط فى الأوساط الثقافية والنخبوية، بل ويمتد ليشمل الرأى العام والمتابعين عبر مختلف المنصات.
ردود الفعل المتنوعة على هذا التشكيل تمثل مؤشرًا واضحًا على أهمية الدور الذى يُنتظر من المجلس الأعلى للثقافة أن يقوم به. ففى حين قد يرى البعض أن التشكيل الجديد يُمثل تكريمًا مستحقًا لرموز ثقافية قدمت الكثير خلال مسيرتها، يذهب آخرون إلى أن هذا التكريم، وإن كان مستحقًا، قد لا يخدم الهدف الأسمى للمجلس فى تحريك المياه الراكدة ومواجهة القضايا الملحة التى تُعانى منها الساحة الثقافية.
وتتراوح هذه التساؤلات بين الجوانب الفنية والإدارية والقانونية، لتُشكل بانوراما متكاملة للرؤى المختلفة حول مستقبل الثقافة فى مصر، ومن أبرز نقاط الجدل التى أثيرت؛ مسألة الفئات العمرية والخلفيات الفكرية للأعضاء المختارين. فلقد أشارت بعض الآراء إلى أن التشكيل يغلب عليه أسماء تجاوزت أعمارها الثمانين عامًا، وبعضها ابتعد عن الحراك الثقافى الفعلى فى السنوات الأخيرة. هذا الطرح يفتح الباب أمام نقاش حول تمثيل الشباب والكفاءات الجديدة التى برزت فى السنوات الأخيرة ولها إنتاج فكرى وثقافى كبير، وهى وثيقة الصلة بالتطورات المجتمعية وتتفاعل مع قضاياها المعاصرة. غياب هذه العناصر الشابة، أو عدم إعطائها الفرصة الكافية، يُنظر إليه على أنه قد يُعيق قدرة المجلس على الابتكار والتجديد، ويُفوت فرصة الاستفادة من طاقات جديدة قادرة على فهم واستيعاب المتغيرات الثقافية والتكنولوجية المتسارعة.
وقد دافع الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، عن التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة، الذى صدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء، رافضا الانتقادات الموجهة لأعمار الأعضاء.
وأعرب خلال تصريحات تلفزيونية لبرنامج «بالورقة والقلم» مع الإعلامى نشأت الديهى، المذاع عبر فضائية «TEN» عن استيائه من الهجوم الذى تعرضت له شخصيات فى التشكيل الجديد.
وقال: «هذه النخبة التى انتُقدت بسبب كبر السن، تحتوى على ثلة رائعة، ونخب كبيرة من المفكرين وصناع الثقافة فى مصر، تحتفى وتفتخر بهم مصر على المستوى الإقليمى بالكامل ليس مصر فقط، ولا أريد أن آخذ المناقشة إلى هذا الإطار؛ لأنه لا يصح أن نقيّم هذه القامات على حسب سنهم، ميصحش إن ده يتقال».
واعتبر أن الحكم على هذه القامات بناءً على أعمارهم هو «تجنٍّ كبير» مضيفا: «أنا فخور بهم جميعا، ولا أعرف ما هى الدوافع وكم هذا الهجوم الكبير على قامات كبيرة جدًا أثرت وما زالت تدلى بفكرها وعطائها للحياة الثقافية المصرية».
وكشف أن عملية الاختيار استندت إلى معايير التأثير الإيجابى فى الرافد المعرفى والثقافى، وكذلك الإنتاج العلمى والمعرفى والمدارس الفنية، بالإضافة إلى الكم الكبير من الخبرات المعرفية التراكمية.
• «عمر طاهر».. هل تستجيب قامات الثقافة لتقديم وثيقة تتضمن استقالتهم وتوصياتهم؟
دعا الكاتب عمر طاهر، أعضاء التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة لتقديم وثيقة تتضمن استقالتهم وتوصياتهم بطريقة العمل التى تحتاجها الثقافة المصرية لمواكبة التطورات وتجديد حضورها.
ويرى طاهر، أن الثقافة والمعرفة قد اكتسبت أشكالاً أحدث من اللجان والمجالس والهيئات، وأن على الدولة المصرية التوقف عن التعامل مع الثقافة كعهدة ثقيلة. وتساءل عن مدى مواكبة أعضاء المجلس للتطورات الرقمية فى القراءة والمحاضرات والتطبيقات الثقافية، مؤكدًا أن دعمهم لتجديد العمل الثقافى هو ما يتمناه من قاماتهم.
وكتب عمر طاهر، عبر صفحته الشخصية بموقع فيسبوك: «أساتذتنا الكبار أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، والله هيبقى حدث ثقافى يتسجل بشرف فى التاريخ لو أن حضراتكم تقدمتم بوثيقة ثقافية اجتماعية تنويرية فيها استقالتكم وتوصياتكم بطريقة العمل اللى محتجاها الثقافة المصرية علشان تواكب اللى بيحصل وتجدد حضورها وسطوتها. وثيقة تقولوا فيها إن الثقافة والمعرفة بقت لها أشكال أحدث من اللجان والمجالس والهيئات».
وأضاف أن «الدولة المصرية يجب عليها أن تتوقف عن معاملة الثقافة كأنها عهدة دمها تقيل بتشوف لها كل شوية أمناء مخازن سرهم هادى. حضراتكم كم واحدا منكم على السوشيال ميديا، كم واحدا قرأ كتابا على أمازون كيندل جوجل، كم واحدا طلع لايف يحاضر أو يناقش، كم واحدا يشترك فى تطبيقات أبجد أو أخضر أو هنداوى؟ إحنا مش ملاحقين على التطور ودعم حضراتكم لتجديد دم العمل الثقافى هو أكثر حاجة نتوقعها ونتمناها من قامات كبيرة زى حضراتكم.
• نجاد البرعى: حملة سخيفة تستهدف قامات مصر الثقافية
بخلاف التناول السائد الذى ركز على الانتقادات اللاذعة للأعضاء المعينين فى المجلس الأعلى للثقافة، قدم نجاد البرعى، المحامى والكاتب منظورًا مختلفًا. فقد أعرب عن أسفه للطريقة التى تناول بها البعض، بمن فيهم أصدقاء له، هذا التشكيل، مشيرًا إلى أن الأحاديث السخيفة وغير الحقيقية عن أعضاء المجلس، من أنهم مرضى أو مصابون بألزهايمر ولا يصلحون، تنبئ عن خلل مجتمعى وعن تعامل شخصى مع الأمور، واستخدام الكلمات كالرصاص دون وعى بتأثيرها الخطير.
تساءل نجاد كيف يمكن تجاهل قامات ثقافية مهمة مثل الدكتور أحمد زايد، الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، الكاتب والشاعر والصحفى محمد سلماوى، الكاتب والدكتور أستاذ القانون المعروف مفيد شهاب، الكاتب والدكتور أستاذ أساتذة العلوم السياسية على الدين هلال، الكاتب والدكتور وزير الثقافة الأسبق صابر عرب، الموسيقى الفنان المعروف راجح داوود، أو المخرج الكبير على بدرخان، فى تشكيل مثل هذا المجلس. واعتبر أن الحملة ضدهم لا تفتقر إلى اللياقة فحسب، بل تحاول سلب الروح الثقافية لمصر.
وأكد نجاد أن هؤلاء ليسوا فقط مبدعين ولهم إنتاج أدبى وفنى وسياسى وقانونى وثقافى حتى اللحظة، بل هم شخصيات تتباهى بهم مصر أمام الأمم. كما شدد على أن الثقافة تتطلب تاريخًا طويلًا وخبرة ضخمة وتراكمات لدى تلك القامات الشامخة وغيرها الكثير فى مصر، وأنها لا تقتصر على من كتب مقالًا أو كتابين. واختتم نجاد بتوجيه الشكر لكل قامة ثقافية قبلت هذا التكليف رغم عدم حاجتها إليه، فهم نجوم بازغة فى سماء الثقافة المصرية، والشكر موصول لرئيس الوزراء على حسن الاختيار، مع التأكيد على أهمية أن تنفذ الحكومة توصياتهم وتستمع الجهات التنفيذية لآرائهم بانتباه.
محمد بصل: « تساؤلات حول الدور والأثر»
سلّط الكاتب الصحفى محمد بصل، الضوء على أداء المجلس الأعلى للثقافة من منظور قانونى، متسائلًا عن مدى فاعلية هذا الكيان فى تحقيق أهدافه، رغم اختصاصاته القانونية المتعددة والمهمة مثل اقتراح أوجه التطوير فى برامج التعليم وأساليب نشر الوعى الثقافى، لم يقدم أى توصيات تنفيذية أو دراسات ملموسة منذ إعادة تنظيمه عام 2017، على الرغم من وجود وزيرى التعليم والتعليم العالى كأعضاء به.
واعتبر بصل أن هذا الغياب التام لدور المجلس فى هذه الجوانب لا يمكن تبريره بالاقتصار على تقديم التوصيات، خاصة مع افتقاره حتى لإقامة فعاليات بسيطة مثل الندوات والمؤتمرات التى أصبحت مكلملة أكثر منها لقاءات لجمع الأفكار.
يذهب محمد بصل إلى أن السنوات الأخيرة، بعد إصدار قانون إعادة تنظيم المجلس الأعلى للثقافة، هى الأسوأ ربما طوال تاريخ مصر الحديث فى الاهتمام بنشر المعارف والفنون والتذوق فى المدارس والجامعات. وأن الأمر ملموس لدى الجميع فى أبنائهم وإخوتهم وأقاربهم المتوزعين على كل مراحل المدارس والجامعات، الحكومية والخاصة والقومية والأهلية.
انطلاقًا من هذا الاختصاص الواحد المهمل، والهدف الواحد المهم جدًا، يتساءل بصل: «الأعضاء الموجودين بصفاتهم الوزارية والنقابية والوظيفية عملوا إيه؟، والشخصيات العامة السابقة فى المجلس الأعلى والمستمرة قدمت إيه؟، والأعضاء الجدد إيه اللى ممكن يضيفوه ومعظمهم اختير سابقا فى كل المجالس واللجان العليا لكل المؤسسات الثقافية والأكاديمية؟».
ويختتم بصل حديثه بـ «فالحقيقة وبغض النظر عن مسألة السن، طول ما الاختيارات مش معبرة عن رغبة حقيقية فى تحقيق أهداف معينة وتطوير الحلول وتحريك المياه الراكدة؛ هتفضل زى ماحنا شايفين كده: مثيرة لكثير من الجدل والتساؤلات، ومصحوبة بشعور عام متنامى بتجاهل الكفاءات».
• أحمد الدرينى.. «التكريم أم مواكبة الواقع؟»
الكاتب والروائى أحمد الدرينى يرى أن تشكيل المجلس الأعلى للثقافة يعكس رؤى متباينة حول الهدف من هذه الاختيارات، فبينما يراها البعض تكريمًا مستحقًا للمسيرة والعطاء، يرى آخرون أنها قد تحمل دلالات أعمق تتعلق بالتوجهات الثقافية والرغبة فى مواكبة الواقع.
ويوضح الدرينى الكاتب والروائى أحمد الدرينى أن اختيارات المجلس الأعلى للثقافة تنطوى على فكرة «التكريم» أكثر من كونها رغبة فى العمل والانشغال بالواقع وأسئلته، أو بالمستقبل وفخاخه. ويشير إلى أن هذه الاختيارات تكاد تحمل رسالة ضمنية نفسية مفادها: «كرّموا الكبار فى أواخرهم!». يعتبر الدرينى هذا المعنى خطيرًا لو أنه يعتمل فى نفسية من اختاروا هذه الأسماء، لأنها لحظة تُذكر قسرًا بالجملة الشهيرة عن مبارك أثناء ثورة يناير: «اعتبره أبوك يا أخى!».
يؤكد الدرينى أن الاختيار، ما لم يكن وفقًا للمعايير، فهو تجسيد لهاجس أو رغبة. وأى اختيار جانح، سواء جنح للشباب أو الشيوخ، فنانين أو أكاديميين، موالين أو معارضين، هو مشكل فى حد ذاته. ويضيف أنه فى الحقيقة، لا ينجو أحد من انتقادات الرأى العام، لأن الشخص المُكرم قد يكون فى عمر الأب أو مقام الخال أو فى منزلة كالعم، وإلا لطالب الناس - عن بكرة أبيهم - بالإفراج عن الجد الطيب الطيوب محمد بديع!
وعن تكريم شخصيات تم تكريمها بالفعل فى مرات سابقة عديدة وحقب مختلفة، على سبيل نقل العدوى والإلهام بالمسلك، يرى الدرينى أن هذا «عرض من أعراض الارتباك وافتقاد معيار الاختيار الذى يمكن أن يمتد من هذا المجلس لهذه الهيئة لتلك الحقيبة الوزارية لهذا المنصب السياسى».
ويختتم الدرينى حديثه بـ«كامل الاحترام لأسماء كثيرة وردت فى تشكيل هذا المجلس ولعطائها العام أو لما قامت به من أدوار معرفية ووطنية».
• سيد محمود: الإشكالية فى التجارب السابقة لا الأعمار
قدم الكاتب سيد محمود رؤية مختلفة حول إشكالية تشكيل المجلس الأعلى للثقافة؛ حيث يرى أن المشكلة لا تكمن فى ارتفاع أعمار المختارين بقدر ارتباطها بتجاربهم السابقة فى العمل العام والمناصب التى تولوها ولم تحقق فيها أى نجاح. ويعتقد سيد محمود أن هذه المشكلة تعكس رؤية عامة للسياسة الثقافية والمهمة المتوقعة من هؤلاء الأعضاء.
• تشكيل «مجلس الثقافة» يثير جدلًا برلمانيًا واتهامات بغياب الشباب وتكرار الأسماء
فى تطور يعكس الجدل المتصاعد حول تشكيل المجلس الأعلى للثقافة، تقدمت النائبة مى أسامة رشدى بسؤال برلمانى لرئيس مجلس النواب، موجهًا لرئيس الوزراء ووزير الثقافة، مسلطة الضوء على معايير اختيار أعضاء المجلس. أشارت رشدى إلى غياب الشباب وتكرار أسماء غير فاعلة.
أوضحت النائبة أن قرار رئيس الوزراء بتشكيل المجلس لعام 2025 أثار جدلًا واسعًا فى الأوساط الثقافية والسياسية، وانتقل هذا الجدل إلى مواقع التواصل الاجتماعى. ذكرت أن المجلس يضم 29 عضوًا، وكشفت نظرة بسيطة لأعمارهم وخلفياتهم الفكرية أن بعضهم تجاوز 80 عامًا، وأن مساهماتهم الفكرية قديمة ولا تتناسب مع تحديات العصر الحالى، مثل العولمة والتطور التكنولوجى وظهور أنماط ثقافية مغايرة.
كما لفتت رشدى إلى أن بعض الأعضاء ابتعدوا تمامًا عن الحياة الثقافية النشطة فى العقد الأخير، مكتفين بمقالات عرضية. ورغم تقديرها لقيمة هذه الأسماء، أكدت أنها لا تتناسب مع التحديات الراهنة، حيث يوجد العديد من العقول الثقافية اللامعة الشابة التى برزت مؤخرًا ولها إنتاج فكرى وثقافى كبير، وتتفاعل مع قضايا المجتمع.
وشددت النائبة على أن التشكيل الجديد خلا من العناصر الشبابية، ومنح الفرصة لأسماء سبق لها تولى مناصب قيادية دون تحقيق إنجازات ملموسة انعكست على الحالة الثقافية فى مصر. وكشفت أن الثقافة المصرية تواجه حاليًا مشكلات وأزمات متفاقمة فى جودة الإنتاج الفلسفى، والفكرى، والفنى، مما أثر سلبًا على الدور الثقافى الإقليمى المصرى.
واختتمت مى رشدى تصريحها بأنها كانت تنتظر أن يضم التشكيل الجديد أطيافًا متنوعة من المثقفين من مختلف الأعمار، وأن يجمع بين الخبرة والشباب، بدلًا من أن يكون مجرد تكريم لبعض الأسماء.