قال الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية والمدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، إن برامج الصندوق، باستثناءات محدودة، تميل إلى السياسات التقييدية التي تركز على الانضباط المالي ومعالجة الاختلالات الكلية أكثر من دفع عجلة الاستثمار والتصدير والتنمية، مشيرًا إلى أن مصر ليست ضمن هذه الاستثناءات وفقًا للأرقام والمؤشرات التي تعكس محدودية التركيز على مسارات النمو والإنتاج.
وأوضح محيي الدين أن دور الصندوق بالأساس يشبه دور الطبيب المتخصص في علاج الأزمات النقدية والمالية قصيرة الأجل، مضيفًا أن هذه السياسات مطلوبة لحماية الاستقرار الاقتصادي لكنها لا تكفي بمفردها لتحقيق نهضة تنموية شاملة.
وأكد أن الاقتصار على هذه المعالجات أشبه بالاكتفاء بالمسكنات دون وضع خطة طويلة الأجل للشفاء الكامل، قائلا: "التنمية لا تتحقق عبر الإجراءات الانضباطية وحدها، بل من خلال رؤية شاملة تستثمر في المستقبل".
وأشار إلى أن مصر تحتاج مع استكمال برنامجها الحالي إلى وضع خطة متكاملة تركز على الاستثمار في رأس المال البشري، مستكملا أن التعليم، والصحة، والمهارات التكنولوجية، هي مفاتيح أساسية لأي عملية تنموية جادة.
وأضاف أن تطوير البنية التحتية التقليدية مثل الطرق والطاقة يجب أن يتزامن مع البنية الرقمية التي أصبحت شرطًا أساسيًا للمنافسة في الاقتصاد العالمي.
وأكد أن التجارب الدولية الناجحة، خاصة في آسيا، اعتمدت على الجمع بين الانضباط المالي من ناحية، والتحفيز الاستثماري والتنموي من ناحية أخرى، مشيرًا إلى أن بلدانًا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة لم تنهض فقط من خلال سياسات ضبطية، وإنما عبر ضخ استثمارات في الابتكار والتكنولوجيا والصادرات.
واختتم محيي الدين حديثه بالتأكيد على أن مصر قادرة على تحويل التحديات إلى فرص إذا تبنّت رؤية تنموية تتجاوز فكرة الإدارة بالأزمات، قائلا: "النمو ليس مجرد قرار مالي، بل مشروع وطني شامل يقوم على استقرار السياسات، وتنويع مصادر التمويل، وتعبئة الطاقات الشابة في الاقتصاد والإنتاج".