يوافق 20 مايو، اليوم العالمي لوحدات القياس، ليكون هذا اليوم أحد الشواهد على عراقة الحضارة المصرية وتأثيرها في التاريخ والعلوم، إذ أن أقدم وحدة قياس مكتشفة في تاريخ البشرية هي مصرية، تُعرف بالذراع الملكي، والذي لازم المصريين منذ الأسرة الأولى، واستمر مع البشرية لآلاف السنين باسم "الذراع"، رغم اختلاف أطواله بين الحضارات، إلا أن الذراع المصري ظل محتفظًا بلقبه الأصلي: "الذراع الملكي".
-الحاجة أم الاختراع
اعتمدت حياة المصري القديم على القياس، حيث عاش القدماء بجانب شريان حياتهم وهو نهر النيل، المعروف بتقلبه بين الجفاف والفيضان. وفي مثل هذا السياق، فإن خطأ حسابي بسيط قد يكلف المزارع المصري محصولًا استغرق شهورًا لإنتاجه. لذا، ظهر الذراع الملكي منذ عهد الفرعون "جر" ثاني ملوك الأسرة الأولى، حيث تم تسجيل قياس الذراع الملكي في عهده على "حجر باليرمو" سنة 3000 قبل الميلاد، لقياس مستوى فيضان النيل الذي بلغ 6 أذرع وقبضة، أي ما يزيد قليلًا عن 3 أمتار.
-من أسرار التفوق الهندسي لقدماء المصريين
اشتهر المصريون القدماء بأهراماتهم ومقابرهم ذات التصميم الهندسي المذهل، رغم بساطة الأدوات وضعف الخبرة البشرية آنذاك. لكن هذا التفوق لم يأتِ من فراغ، إذ امتلك المصري القديم وحدة قياس ثابتة تساعده في تنسيق شكل المباني وتعزيز قوتها لتصمد آلاف السنين، فقد كان الذراع الملكي حاضرًا من البداية، وتُظهر إحدى الحجارة الهيروغليفية وصفة لاستخدام الذراع في بناء إحدى القناطر في هرم سقارة أو زوسر المدرج بعهد الأسرة الثالثة، واستُخدم الذراع أيضًا في مقابر وادي الملوك لقياس أراضي الدفن، مثل مقبرة مايا، ناظر خزانة توت عنخ آمون، ومقبرة خاع، ناظر عمال وادي الملوك.
-شكل الذراع المصري
يُعتبر الذراع المصري أو "ميه نيسوت" تجسيدًا لطول الذراع من الكوع حتى طرف الإصبع الأوسط، ويعادل في القياسات الحديثة 52 سنتيمترًا.
يتكوّن الذراع الواحد من 6 قبضات، وكل قبضة من 4 أصابع، وكل إصبع مقسم إلى وحدات أدق، ما يعكس دقة المصريين في القياس، لم يكن الذراع يُحسب عشوائيًا، بل استخدم المصريون قصبات مصنعة خصيصًا لمحاكاة طوله، وما زالت 14 قصبة من هذا النوع محفوظة في متاحف عدة، كانت تُستخدم في تشييد المقابر الملكية، وأشهرها مقبرة مايا.
-الأقدم اكتشافًا
امتلكت مختلف الحضارات البشرية أذرعًا قياسية خاصة بها، لكن يغيب الدليل على سبب اختيار "الذراع" تحديدًا كأداة للقياس، ومع ذلك، فإن الحضارة المصرية القديمة تُعد الأقدم في وجود ذراع موثق يعود إلى عام 3000 قبل الميلاد، بينما ظهرت أولى الأدلة على استخدام الذراع في الحضارة السومرية بالعراق حوالي 2600 قبل الميلاد، أي بعد 400 سنة من الذراع الملكي في مصر، وبينما استمر المصريون في اعتماد ذراع ملكي شبه موحّد، اندثر الذراع السومري مع تغيّر الحكّام والحضارات.