صُدم العالم الإسلامي بخبر اندلاع حريق كبير في المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969؛" ما أشعل موجة من الغضب والاحتجاجات في مختلف الدول الإسلامية.
وسرعان ما وُجِّهت أصابع الاتهام إلى الاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أن الحريق جاء في إطار محاولة متعمدة لتدمير المسجد، تمهيدًا لإقامة "الهيكل اليهودي الثالث".
وتأججت في تلك الأجواء مشاعر السخط، وتعالت الدعوات إلى الجهاد من أجل تحرير الأقصى والقدس وفلسطين.
* الأضرار التي لحقت بالمسجد
التهَم الحريق الجناح الشرقي والجنوبي الشرقي من المسجد، وكان أثره مدمّرًا خصوصًا على منبر صلاح الدين، الذي يُعد تحفة معمارية لا تُقدَّر بثمن، بناه نور الدين محمود في القرن الثاني عشر استعدادًا لتحرير القدس من الصليبيين، وثبّته لاحقًا صلاح الدين الأيوبي بعد الفتح.
* رسالة عبد الناصر إلى الجنود
عقب الحريق مباشرة، بعث الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، برسالة إلى جنود القوات المسلحة على جبهة القتال، يستحثهم فيها على مضاعفة الجهد والتدريب الشاق استعدادًا لمعركة استعادة الأرض المحتلة، إذ تسلَّم الفريق محمد فوزي، وزير الحربية آنذاك، الرسالة لتوصيلها إلى الضباط والجنود.
وقال عبد الناصر في رسالته، وفقًا لما وثقته مؤسسة الدراسات الفلسطينية: "إن العدو لن يتأثر باللوم أو الاستنكار، ولن يتزحزح قيد أنملة عن المواقع التي هو فيها لمجرد قولنا إنه أعجز من مسئولياتها".
وأضاف: "إننا أمام عدو لم يكتفِ بتحدي الإنسان، ولكنه تجاوز ذلك غرورًا وجنونًا، ومدَّ تحديه إلى مقدسات أرادها الله بيوتًا له وبارك من حولها، سنعود إلى القدس وسوف تعود القدس إلينا، ولسوف نحارب من أجل ذلك، ولن نُلقي السلاح حتى ينصر الله جُنده".
* مرتكب الجريمة: دينيس مايكل روهان
تذكر دراسة بعنوان "إحراق المسجد الأقصى 1969 وتأثيره على العالم الإسلامي كما تناولته الوثائق البريطانية"، أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت في الثاني والعشرين من أغسطس 1969 الأسترالي دينيس مايكل روهان، وهو مزارع يبلغ من العمر 28 عامًا من مدينة سيدني.
واعترف بجريمته، وأقرّ بأنه هو من أضرم النار في المسجد الأقصى، زاعمًا أن ما فعله كان "تكليفًا دينيًا".
وتُضيف الدراسة أن روهان غادر أستراليا قبل عامين، وتنقّل بين بريطانيا وفلسطين المحتلة، حيث عمل في مستوطنة (كيبوتس)، وتعلم بعض العبرية، وأقام في القدس منذ مارس 1969.
وتشير التقارير الطبية، إلى أنه كان يعاني اضطرابات نفسية متكررة، وأُدخل المستشفى أكثر من مرة قبل أن يرتكب جريمته، حتى أن عائلته قاطعته بعد الحادث ورفضت زيارته.
* الرواية الإسرائيلية ومحاولة التنصل
رغم ذلك، شدّدت سلطات الاحتلال في روايتها الرسمية على أن روهان تصرف بمفرده، وقدمت النيابة ملفًا للمحكمة العليا في القدس، يضم تفاصيل عن تحركاته قبل الحريق، وكيف دخل المسجد الأقصى يوم 21 أغسطس من بوابته الجنوبية الشرقية، وأضرم النار في منبر صلاح الدين والجناح الجنوبي الشرقي.
وتوضح الدراسة، أن حكومة الاحتلال حاولت التنصُّل من المسؤولية، بوصف الجاني بأنه "مختل عقليًا"، بينما سارعت جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، إلى إعلان استعداد حكومتها للمساعدة في ترميم المسجد واحتواء الغضب الإسلامي.
غير أن القراءة العربية والإسلامية رأت أن الاحتلال يتحمّل المسؤولية السياسية والأمنية الكاملة، وأن تصوير الجريمة كفعل فردي لم يكن سوى محاولة لتخفيف الضغط الدولي.