تحل يوم الثلاثاء المقبل، الموافق 23 سبتمبر، ذكرى ميلاد الكاتب والصحفي الكبير الجورنالجي محمد حسنين هيكل، الذي ولد في 23 سبتمبر من عام 1923، ورحل عن عالمنا في 17 فبراير من عام 2016، عن عمر ناهز 92 عاما.
ويظل هيكل أحد أبرز رموز الصحافة المصرية والعربية، وصوتا مؤثرا في الحياة السياسية والفكرية لعقود طويلة.
ورغم مسيرة هيكل الممتدة مع الصحافة والسياسة، وتشعب علاقاته؛ فإن علاقته الأوثق والأكثر حضورا في ذاكرة الناس تبقى مرتبطة بعلاقته الفريدة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
حيث دائما ما تحضر تلك العلاقة في الأذهان بين محب وكاره لها، ورغم أنه لا يمكننا بأي حال أن نقول أن تلك العلاقة كانت السبب الوحيد في أسطورية هيكل؛ فهذا إجحاف كبير لحقه، ولكن أيضا لا يمكن إغفال أهمية تلك العلاقة في مسيرة الجورنالجي.
كان هيكل صديقا مقربا وموضع ثقة لعبد الناصر، حتى أنه أصبح بمثابة المستشار الشخصي له، وذراعه الإعلامية الأقوى في الدولة الناصرية منذ منتصف الخمسينيات، وحتى رحيل عبد الناصر عام 1970.
بعد وفاة عبد الناصر، واجه مشروعه القومي والسياسي هجمات شرسة للنيل منه ومن إرثه، خاصة في السنوات التي تلت انتصار السادس من أكتوبر عام 1973، حيث شنت حملة كبيرة على شخص ناصر، وعلى مشروعه ودولته.
في تلك الفترة، رفض هيكل تولي أي منصب رسمي في النظام الجديد، مفضلا البقاء مستقلا، حيث عرض عليه السادات منصب مستشار للأمن القومى معه، ولكنه رفض، كما عرض عليه ممدوح سالم أثناء تشكيله للوزارة التى رأسها منصب نائب رئيس الوزراء والمختص بالثقافة والإعلام، ولكنه رفض أيضا وقال لسالم:
«إننى أرى الآن بداية حملة على جمال عبدالناصر، وهى حملة جائرة وظالمة، وأنا لا أستطيع أن أوافق عليها، فضلا عن أن أشارك فيها ولو حتى بطريق غير مباشر، ولسوف أجد نفسى شريكا فى هذه الحملة، سواء شئت أم لم أشأ، إذا أنا قبلت منصب نائب رئيس الوزراء للإعلام والثقافة».
وأوضح:
«إنني وقد اعتذرت عن عدم تولي المنصب، أريد ولوجه الله والوطن أن أنبه إلى مخاطرها، فهذه الحملة ستؤدي ضمن ما تؤدي إليه إلى تقويض شرعية النظام، لأنها تضرب فيه عند الأساس.»
ومع استمرار تلك الحملات، لم يجد هيكل بدا من أن يرد، لكن من خارج مصر، فبدأ في نشر سلسلة مقالات حملت عنوان «لمصر لا لعبد الناصر».
كانت تلك المقالات محاولة للدفاع عن عبد الناصر ومشروعه، دون أن يسقط هيكل في فخ تأليهه أو تحويله إلى أسطورة.
وقد جمعت هذه المقالات لاحقا في كتاب حمل نفس الاسم، يضم 12 مقالا أطلق على كل منها لقب "حديث"، وتناول فيها قضايا متعددة، وجاءت عناوين المقالات بالترتيب كالآتي:
«الحملة على جمال عبدالناصر.. ماذا وراءها؟ ومن وراءها؟»، «مجموعة القيم الاجتماعية لدى جمال عبدالناصر»، «الحكم القائم فى مصر الآن وقضية عبدالناصر»، «حكايات المذابح: اليمن.. القضاء.. وحرية الصحافة»، «قصة التجاوزات: الاعتقالات والحراسات والفصل التعسفى»، «نيران الصراع الطبقى.. من أشعلها فى مصر»، «هل وزع الفقر وخلف وراءه تركة مثقلة»، «عبدالناصر والحركة العربية العامة»، «النكسة.. 1967»، «الصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية»، «عبدالناصر وفتح الأبواب للاتحاد السوفيتى»، و«نهاية المطاف».
في مقدمة الكتاب، أوضح هيكل دوافعه للكتابة عن عبد الناصر، قائلا:
«حاولت قدر ما أستطيع أن أتجنب الكتابة عن جمال عبد الناصر وحياته وتجربته الكبيرة، ولم أقترب من الحديث عنه إلا عند الضرورة القصوى. فعلت ذلك مرة بعد رحيله مباشرة في مقال بعنوان (عبد الناصر ليس أسطورة)، عبرت فيه عن خوفي من استغلال صورته وتحويل تراثه إلى كهنوت غيبي. ثم فعلت ذلك مؤخرا حين تصاعدت الحملات ضده في مصر، فأردت أن أنبه إلى مقاصد هذه الحملات ومصادرها.»
لم يكتف هيكل بالدفاع عن عبد الناصر بالكلمات، بل استند إلى وثائق وأسرار من أرشيفه الخاص، أبرزها محاولات المخابرات الأمريكية اغتيال عبد الناصر ثلاث مرات في فترات مختلفة.
كما تناول بالنقد والتحليل أهم القضايا التي ارتبطت بالنظام الناصري، محاولًا تفكيك الهجمات التي استهدفت مشروع عبد الناصر.
صدر الكتاب في عدة طبعات عبر السنوات، كان آخرها عن دار الشروق، ليبقى شهادة تاريخية مهمة، وواحدا من أبرز الكتب التي أرخت لتلك المرحلة، ودافعت عن الحلم الناصري دون أن تمجده أو تختزله في شخص الزعيم وحده.