قضى الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، الذي تحل هذا الشهر ذكرى ميلاده، 75 عامًا في قطار صاحبة الجلالة، بدأها في 8 فبراير 1942، متتلمذًا على أيدي أساتذة كبار مثل هارولد إيرل، أول رئيس تحرير عمل معه في صحيفة «إيجيبشيان جازيت»، ومحمد التابعي، الذي قال "هيكل" إنه راح يقلد أسلوبه في بداية حياته الصحفية، والأخوان مصطفى وعلي أمين، ومحمود عزمي الذي اعتبره «المعلم والمرشد»، وغيرهم من الأساتذة التي تتلمذ على يدهم منذ بدء مشواره في 8 فبراير 1942.
وتعلم الجورنالجي الكبير من أساتذته، وحرص على نقل خبراته للأجيال الجديدة، وهو الأمر الذي أفرد له صفحات في كتابه «بين الصحافة والسياسة» الصادر عن دار الشروق.
واختار "هيكل" هذه الكلمات لتكون مدخلًا للكتاب إذ يقول:
«لا أعرف أهو تحيز رجل لما ألف وعرف، أو أنه حكم في الموضوع بصرف النظر عن متغيرات العصور، لكني على شبه اقتناع بأن الكتاب المطبوع على الورق له العمر الطويل، وأنه الحاضر على الدوام مهما اشتد من حوله الزحام».
وأضاف: «الكلمة المكتوبة على الورق باقية، بينما الكلمة المسموعة في الإذاعة والتلفزيون عابرة، والكلمة المكهربة على الكمبيوتر فوارة، وهي مثل كل فوران متلاشية؛ أي أن الكلمة المكتوبة على الورق بناءٌ صلب من حجر أو معدن، وأما غيرها فهو صيحة متغيرة، خاطفة، لامعة، وبارقة.. وبالنسبة لكاتب على الورق وبالحبر، فإن كتابته هي بناء عمره، وهكذا فإن هذه المجموعة في نهاية المطاف عمرٌ من الكتب».
وفيما يلي أبرز ما قاله الأستاذ عن العلاقة بين «الصحافة والسياسة»:
• كانت النصيحة الأولى التي تلقاها من أول رئيس تحرير عملت معه بجريدة «إيجيبشيان جازيت»، هارولد إيرل، هي أن أسجل على الورق كل ما أشاهده وأعيشه؛ لأن الاعتماد على الذاكرة خطر.
• لا يوجد إعلام محايد، ولا إعلام لوجه الله.
• العلاقة بين السياسة والصحافة والإعلام بصفة عامة معقدة في كل الدنيا، وفي العالم الثالث أكثر تعقيدًا.
• إذا لم تتحدد قواعد أي حوار ومقاصده، ارتبك سياقه وضاعت نتائجه.
• عندما يضيع الحلم فإن الأنظمة لا يعود أمامها غير طريق واحد: بدايته قناة تلفزيونية أو محطة إذاعية أو جريدة، ونهايته دبابة أو مدفع أو طائرة.
• الكلمة المكتوبة على الورق «باقية»، والكلمة المسموعة في الإذاعة والتلفزيون «عابرة»، والكلمة المكهربة على الكمبيوتر «فوّارة»، وهي مثل كل فوران متلاشية.
• ستتعلم الكثير من دروس الحياة إذا لاحظت أن رجال الإطفاء لا يكافحون النار بالنار.
• وقائع التاريخ الكبرى عائمات جليد، طرفها ظاهر فوق الماء، وكتلتها الرئيسية تحت سطحه، ومن يريد استكشافها عليه أن يغوص.
• الحقيقة غالية، ذلك لأنه لا شيء في معترك الحياة يتحول إلى حقيقة ثابتة إلا بعد التجربة، وعندما تقع التجربة فإن ثمنها يكون قد دفع بالكامل.
• التحليل السليم لأي حدث من الأحداث لا يتوفر بمجرد فهم ما كان، وإنما قبله بمحاولة فهم ما يمكن أن يكون.
• الاهتمام بالسياسة فكرا وعملا يقتضي قراءة التاريخ أولاً؛ لأن الذين لا يعلمون ما حدث قبل أن يولدوا، محكوم عليهم أن يظلوا أطفالا طوال عمرهم.
• المثقف بطبيعته لا يملك جوابًا نهائيًا لسؤال، ولا يتصور مثل هذا الجواب النهائي.
• كن صادقًا، وتذكر دائمًا أن أول الصدق أن تكون صادقًا مع الله سبحانه وتعالى.
• الغاية النبيلة لا تحققها وسيلة رذيلة.
• الإرادة تستطيع أن تعيش حلمها وتجدد وسائله، أما العجز فليس لديه غير أن يعيش حلم الآخرين ويذوب فيه.
وقدم الأستاذ هيكل، عبر دفتي كتاب «بين الصحافة والسياسة» نصوصًا أقرب إلى رواية منها إلى سيرة ذاتية، إذ يسرد مراحل عمله في الصحافة مدعمًا بالوثائق المهمة بدءًا من «الإجيبشيان جازيت»، وصولًا إلى النهضة التي أحدثها في جريدة الأهرام، وما تخلل تلك الفترة من أحداث مفصلية في تاريخ الصحافة المصرية.
ويكشف بعفوية عن طبيعة العلاقة الراسخة بين الصحافة والسلطة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ثم ملامح علاقته بالسلطة بعده.