شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في التحركات الاقتصادية المصرية نحو القارة الأفريقية، حيث كثفت القاهرة من إرسال البعثات التجارية المتخصصة إلى أسواق أفريقية واعدة، في خطوة تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الصادرات المصرية، وتنويع الشراكات الاقتصادية، وتأكيد الدور الإقليمي لمصر في دعم التنمية داخل القارة.
فما ملامح هذه التحركات؟ وما فرص وتحديات التوسع المصري في إفريقيا؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في السطور التالية.
بعثات تجارية تستهدف قطاعات حيوية
في 19 مايو الجاري، انطلقت بعثة صناعات هندسية مصرية ضمت 9 شركات إلى داكار، السنغال. ركزت هذه البعثة على قطاعات مثل الأجهزة المنزلية، الصناعات الكهربائية، مكونات السيارات، تشكيل المعادن، والآلات الزراعية، بهدف تعزيز التعاون في مجالات حيوية كالزراعة والتعليم والكهرباء والموانئ. وفي 16 مايو الجاري، استضافت كوت ديفوار البعثة الخامسة لاتحاد الصناعات المصرية. وشملت هذه البعثة شركات بارزة في الصناعات الغذائية، المقاولات، الرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات، بهدف تعميق الشراكات في الطاقة المتجددة والتعليم، مع تنظيم ورش عمل لتبادل الخبرات وتعزيز فرص الاستثمار المشترك.
حضور مصري قوي في قطاعات الغذاء والبناء والدواء
وبين 7 و9 مايو الجاري، عزز المجلس التصديري للصناعات الغذائية المصرية حضوره في جنوب إفريقيا بمشاركة 29 شركة، بالإضافة إلى قيادات قطاع سلامة الغذاء، مما يؤكد اهتمام مصر بالقطاعات الحيوية في القارة السمراء. وعلى صعيد الرعاية الصحية، شاركت مصر بقوة في معرض أوغندا فارما الدولي في الفترة من 13 إلى 15 فبراير الماضي، بوجود 11 شركة متخصصة في الأدوية والمستلزمات الطبية، وهي خطوة هامة لتعزيز حضور مصر في سوق الأدوية الإفريقي. ولم يقتصر الأمر على ذلك، ففي الفترة من 6 إلى 8 نوفمبر 2024، شهد معرض Big 5 Kenya في نيروبي مشاركة مصرية فعالة عبر جناح ضم 14 شركة متخصصة في مواد البناء، الحراريات، الصناعات المعدنية، الرخام، الجرانيت، والأبواب، مما يعكس التنوع والتطور في القطاع الصناعي المصري.
أحمد زكي: تسهيلات حكومية لتعزيز التواجد المصري في غرب إفريقيا
أكد أحمد زكي، أمين شعبة المصدرين بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن الحكومة المصرية توفر تسهيلات كبيرة لدعم دخول الشركات المصرية إلى الأسواق الإفريقية، خاصة في منطقة غرب إفريقيا، من خلال دعم المشاركة في المعارض وتيسير إجراءات السفر. كما يجري العمل على إنشاء معارض دائمة للمنتجات المصرية، إلى جانب الاستفادة من جهود شركات مثل "جسور – النصر".
وأشار زكي إلى أن أبرز المنتجات المصرية المطلوبة في إفريقيا تشمل الأجهزة الكهربائية، ومواد البناء، والمواد الغذائية، والمستلزمات الطبية، والكيماويات. وشدد على أهمية الدور الذي تلعبه مكاتب التمثيل التجاري والسفارات المصرية في تعزيز هذا التوجه.
كما أوضح أن مصر تنفذ مشروعات تنموية كبرى في القارة، من بينها مشروعات للسكك الحديدية، مثل خط السكة الحديد الذي يربط تنزانيا بدول الجوار، بالإضافة إلى مشروعات إقامة السدود وتوليد الطاقة، وهو ما يعكس صورة مصر كدولة صديقة تسعى لدعم شركائها في إفريقيا لا معاداتهم، كما لفت إلى أن مصر كانت تمتلك خطة لتوليد الطاقة في إثيوبيا بطريقة أكثر كفاءة مما تم تنفيذه هناك.
وأكد زكي أن الوجود المصري في غرب إفريقيا لا يزال دون المستوى الذي يليق بثقل مصر ومكانتها، مشيرًا إلى أن الدولة تسعى إلى تعزيز تواجدها في مختلف أنحاء القارة، خاصة في ظل توجه القيادة السياسية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
د. سمر الباجوري: القطاع الخاص مفتاح التوسع في إفريقيا.. لكن العقبات ما زالت تحد من الحضور المصري
من جانبها، أكدت د. سمر الباجوري، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الدراسات الإفريقية، أن القطاع الخاص يعد المحرك الرئيسي لاقتصادات الدول، كما يتضح من تجارب ناجحة لدول مثل دول الخليج، الصين، والدول الغربية. ورغم وجود شركات مصرية تعمل في إفريقيا، مثل "المقاولون العرب" و"السويدي"، إلا أن الحضور المصري لا يزال محدودًا مقارنة بدول منافسة، بسبب عدة عوائق، أبرزها: نقص المعلومات عن الأسواق، وصعوبات التحويلات المالية، ومشكلات التأمين، إلى جانب المعوقات اللوجستية.
وشددت على ضرورة تفعيل آليات المقاصة المالية التي تم الإعلان عنها ضمن أجندة 2063، لما لها من دور في تسهيل المعاملات المالية بين مصر والدول الإفريقية. كما دعت إلى استكمال مشروعات النقل الكبرى، مثل خط سكة حديد القاهرة–كيب تاون.
وأوضحت في تصريحات "للشروق"، أن التمويل لا يزال يمثل التحدي الأكبر أمام تنفيذ هذه المشروعات، كما أن تردد الشركات الصغيرة والمتوسطة في دخول السوق الإفريقية يقلل من فرص التوسع المصري في القارة، رغم ما تتيحه من فرص واعدة.
أرقام رسمية: نمو في التبادل التجاري بين مصر وأفريقيا
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أصدر بيانًا بمناسبة يوم الإحصاء الإفريقي في نوفمبر 2024، كشف فيه عن ارتفاع حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد الإفريقي إلى 9.2 مليار دولار عام 2023، مقابل 8.7 مليار دولار في 2022، بزيادة 5.7%.
وارتفعت الصادرات المصرية إلى دول الاتحاد بنسبة 15.6% لتصل إلى 7.4 مليار دولار، بينما انخفضت الواردات بنسبة 21.7% لتسجل 1.8 مليار دولار. وتصدرت ليبيا والسودان والجزائر والمغرب وكينيا قائمة الدول المستوردة من مصر، في حين جاءت الكونغو الديمقراطية، السودان، كينيا، زامبيا، وجنوب إفريقيا على رأس الدول الموردة لمصر.
كما أظهرت البيانات ارتفاع التبادل التجاري مع تكتلات مثل الكوميسا ودول الساحل والصحراء، ما يعكس تنامي العلاقات التجارية بين مصر والدول الأعضاء في تلك التجمعات الاقتصادية.
تعكس هذه البعثات والتحركات المتواصلة رغبة مصرية حقيقية في ترسيخ علاقاتها الاقتصادية مع القارة، انطلاقًا من إيمانها بدور إفريقيا كمحور استراتيجي للنمو والتكامل. ومع استمرار فتح قنوات تواصل جديدة وتجاوز التحديات اللوجستية، تبقى الأسواق الإفريقية فرصة واعدة للصادرات المصرية وبناء شراكات تنموية تحقق مصالح متبادلة طويلة الأجل.