أقيمت ندوة خاصة للاحتفاء بمسيرة الفنان جلال العشري، أحد الرموز البارزة في مسرح الهُوية والمقاومة، وذلك بحضور عدد كبير من المسرحيين والنقاد، وبمشاركة الناقدة الدكتورة لمياء أنور، وأدار اللقاء الناقد محمد علام، حيث حملت الندوة طابعًا إنسانيًا وشاعريًا احتفى بجمال السيرة وقوة التجربة، وذلك ضمن فعاليات الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري.
بداية من السينما.. إلى صندوق الحكايات
قدّم محمد علام الفنان جلال العشري، في مستهل الندوة، بوصفه أحد المبدعين أصحاب المسيرة المتفردة، مشيرًا إلى أن الظروف السياسية التي مرّت بها مصر، وعلى رأسها نكسة 67 والتهجير القسري، لعبت دورًا في تشكيل ملامح تجربته الفنية والوجدانية، لا سيما من خلال الهجرة التي طبعت وعيه بالحنين، والبحث عن مكان دائم للحكاية والمسرح.
من جانبها، استعرضت الناقدة لمياء أنور أبرز محطات حياة "العشري"، كما جاءت في الكتاب التذكاري الذي ألّفه الدكتور أحمد يوسف عزت تحت عنوان "جلال العشري.. نورس المسرح المهاجر".
وأشارت إلى أن العمل كُتب بلغة شعرية عالية، ووصف بدقة التحولات التي مر بها الفنان منذ طفولته في بورسعيد، حين كانت السينما نافذته الأولى على العالم، وكان يعيد ما يراه على الشاشة إلى أصدقائه عبر صندوقه الصغير المصنوع من الصابون، في تمارين مبكرة على الحكي والبناء الدرامي.
صندوق الصابون.. حكاية الخيال الأول
واستعاد جلال العشري، في كلمته، بداياته مع المسرح: "كنت أعيد تجسيد ما أشاهده في السينما منذ سن الخامسة، صنعت من صندوق الصابون أداة لحكي القصص، وكأنه صندوق الدنيا، وكنت أقصّ الصور من مجلات الأطفال وأحوّلها إلى شريط سينمائي صغير أقدمه للآخرين".
وأكد أن فترة التهجير من بورسعيد إلى محافظة الغربية شكّلت نقطة فاصلة في وعيه الفني، حيث ظل يحمل داخله شغف الحكاية، وكان دائمًا ما يستعيد تلك الحكايات مع زملائه في المدرسة بعد عودته من التهجير.
وأشار إلى أن أول كتاب قرأه في المسرح حصل عليه من مكتبة الدكتور حسن عطية، وهو ما فتح أمامه الباب للمعرفة المسرحية المنظمة: "بعد كل كتاب كنت أنهيه، كان الدكتور حسن عطية أو الدكتورة عايدة علام يعطونني الكتاب التالي، حتى تشكل لدي وعي مسرحي متكامل".
يارب أمثّل.. دعاء دائم ومحطات نضال
وأضاءت الدكتورة لمياء أنور، بعض الجوانب الروحية والوجدانية في رحلة جلال العشري، مشيرة إلى أن الدعاء "يارب أمثّل" كان لا يفارقه، إذ كان يهمس به في كل مقام روحاني من السيد البدوي إلى الحسين، ما يعكس عمق الحلم الذي ظل ملازمًا له طوال حياته.
وأضافت أن نضاله الفني الحقيقي تمثّل في دفاعه عن مسرح السامر، حيث وقف ضد محاولات طمس هذه المؤسسة، وظل يقاتل من أجل إعادة فتح المسرح وتزويده بالتقنيات الحديثة، حتى تحقق الحلم.
وقالت: "لولا جهد العشري وزملائه لما كنا نرى مسرح السامر اليوم بهذه الصورة، وكانت معركة من أجل المسرح، لا تقل أهمية عن أي عمل فني".
التكريم.. تتويج لمسيرة طويلة
وحول تكريمه بالدورة الحالية من المهرجان القومي للمسرح، عبّر جلال العشري عن سعادته: "لم أشعر بحجم ما قدّمته في حياتي إلا بعد هذا التكريم، أعتبره تتويجًا لمسيرتي المهنية، وأتمنى أن نرى فعاليات المهرجان في دوراته المقبلة بكل محافظات مصر".
كما وجه الشكر لمحافظة بورسعيد على تكريمه السابق، وللدكتور أحمد يوسف عزت على كتابه الذي اعتبره "أقرب إلى الرواية منه إلى السيرة الذاتية".
البحر.. رفيق الوعي والطفولة
واختتم العشري، حديثه بالتأكيد على أن البحر كان رفيق تكوينه الإنساني والفني، مشيرًا إلى أن النشأة في بورسعيد قرب الميناء والسفن والحرب، شكّلت وعيًا بصريًا ووجدانيًا مختلفًا.
وأضاف: "صوت المدافع كان حاضرًا في طفولتي، لكنه شكّل قلوبنا، وعندما تم تهجيرنا إلى منصورية الفرستق، استقبلنا الناس كما لو أننا أنبياء، وهناك عدت لأحكي من جديد بصندوقي..صندوق الصابون الذي صار صندوق الذاكرة والمسرح والحياة".