أطلقت نتائج انتخابات مجلس الشيوخ في اليابان يوم الأحد الماضي رياح تغيير قوية ستقود إلى تحولات كبيرة في المشهد السياسي الياباني.
فقد وجه الناخبون اليابانيون ضربة قوية جديدة إلى حكومة الحزب الليبرالي الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء الياباني إيشيبا شيجيرو في الانتخابات التي أجريت مؤخرا، ليتكبد الحزب ثاني خسارة له منذ وصول شيجيرو إلى رئاسة الحكومة في الخريف الماضي.
فمن بين 125 مقعدا جرى التنافس عليها في انتخابات مجلس الشيوخ الياباني يوم الأحد لم يحصل التحالف الحاكم للحزب الليبرالي الديمقراطي وشريكه الأصغر كوميتو إلا على 47 مقعدا، في حين حصلت أحزاب المعارضة على 78 مقعدا. وسيكون استمرار الحكومة الحالية بعد أن فقدت الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب في الحكم مستحيلا من الناحية النظرية.
وفي تحليل نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي قالت شيلا سميث الزميل الكبير في برنامج دراسات آسيا والمحيط الهادئ في المجلس إن اليابانيين يواجهون لحظة صعبة. فالضغوط الناجمة عن المشكلات الديموجرافية والتداعيات العالمية للسياسات الأمريكية المتعنتة في فرض الرسوم الجمركية، تفرض على طوكيو خيارات اقتصادية صعبة. ومع تناقص حجم القوى العاملة في اليابان يزيد الطلب على الدعم الاجتماعي للشباب وكبار السن اليابانيين على حد سواء. وبالطبع، يتعين على اليابان التعامل مع تحول هائل في توازنها العسكري الإقليمي، في ظل المخاطر التي تهدد النظام العالمي القائم على التعددية.
وقد أعرب الناخبون اليابانيون عن استيائهم من الحزب الليبرالي الديمقراطي مرتين خلال عام واحد. وتكشف خسائر الحزب في انتخابات مجلس النواب في أكتوبر الماضي ومجلس الشيوخ مؤخرا عن فقدان التيار المحافظ في اليابان لثقة الناخبين. ورغم أن الحزب الديمقراطي الدستوري الياباني "سي.دي.بي.جيه" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نودا يوشيهيكو، يُقدم بديلاً، لكنه لم يكن الخيار الذي يحظى بتأييد غالبية الناخبين اليابانيين. ففي حملته الانتخابية لمجلس الشيوخ، دعا نودا إلى تعليق ضريبة الاستهلاك لمدة عام لتخفيف العبء عن الأسر اليابانية التي تعاني من غلاء المعيشة. ومع ذلك، فشل حزبه في زيادة مقاعده والسيطرة على مجلس الشيوخ.
في المقابل تجذب الأحزاب الجديدة الناخبين. وقد حظي حزب "كوكومين مينشوتو" الجديد والحزب الديمقراطي من أجل الشعب "دي.بي.بي" ، بدعم كبير على الرغم من الفضائح الشخصية لزعيمه، تاماكي يوئيتشيرو. وحقق الحزب الديمقراطي من أجل الشعب انتصارًا واضحًا يوم الأحد، حيث فاز بسبعة عشر مقعدًا. وكان تاماكي من أشدّ المناصرين لإعفاء الأسر اليابانية من الضرائب، وزيادة اهتمام الحكومة بمسألة تفاوت الدخل.
لكن مفاجأة الانتخابات الأكبر كانت من نصيب أحدث قوة سياسية في اليابان وهي حزب سانسيتو، الذي تأسس عام ٢٠٢٠، ولم يحصل إلا على مقعد واحد في انتخابات مجلس الشيوخ عام ٢٠٢٢، لكنه حصل في انتخابات يوم الأحد على 14 مقعدا، وهو انتصار احتفل به زعيمه الشاب كاميا سوهي بهدوء.
وخلال الحملة الانتخابية، رفع حزب سانسيتو شعار "اليابان واليابانيون أولا"، مبررا ذلك في مقابلة إعلامية بأنه استلهم الفكرة من "الأسلوب السياسي الجريء" لدونالد ترامب.
وفي نهاية يوم انتخابي صعب أعلن رئيس الوزراء اعتزامه البقاء في منصبه ومواصلة العمل مع أحزاب المعارضة لتحقيق أهداف سياسية محددة. لكن في صباح اليوم التالي، بدا أن المسرح مهيأ لأسبوع من المناورات السياسية المكثفة. وفي حين يحاول الحزب الليبرالي الديمقراطي استيعاب هزيمته، يدرس قادة أحزاب المعارضة تكلفة وعائد عقد صفقات مع منافسيهم، لتصبح اليابان في مفترق طرق، لا يعرف المتابعون للمشهد السياسي الآن الطريق الذي ستمضي فيه السياسة اليابانية خلال الفترة المقبلة.
وبحسب شيلا سميث مؤلفة كتابي "اليابان المُسلَّحة: سياسات القوة العسكرية" و"المنافسون الحميمون: السياسة الداخلية اليابانية والصين الصاعدة"، هناك ثلاثة أمور يجب الانتباه إليها خلال الأسبوع الحالي.
أول هذه الأمور هو من سيتحمل مسؤولية الخسارة الانتخابية في الحزب الليبرالي الديمقراطي؟ وقد أعلن إيشيبا استمراره في منصبه لإدارة الاقتصاد واستكمال محادثات الرسوم الجمركية الشاقة مع واشنطن. لذا، إن لم يكن إيشيبا نفسه هو من سيدفع ثمن الهزيمة الانتخابية، فهل سيتنحى الأمين العام للحزب، مورياما هيروشي، أقرب المقربين من رئيس الوزراء؟ بالطبع، سيكون للآخرين في الحزب رأي. إذا تزايدت الضغوط الداخلية على إيشيبا، فمن سيتولى رئاسة الحزب؟ وقد خاض 7 مرشحين انتخابات رئاسة الحزب في سبتمبر الماضي، ولكن من الصعب تخيّل من منهم سيرغب في شغل المنصب الآن، باستثناء تاكايشي ساناي.
ثاني هذه الأمور هو قرارات قادة أحزاب المعارضة، وفي مقدمتهم نودا، زعيم الحزب الديمقراطي الياباني المشترك، وهل سيدعو إلى تصويت بسحب الثقة من إيشيبا؟ وهل أحزاب المعارضة الأخرى مستعدة للدفع باتجاه انتخابات جديدة لمجلس النواب؟
وبعد ظهور نتائج الانتخابات مساء الأحد الماضي قال نودا إن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ كانت تصويتًا "لا" واضحة ضد إيشيبا. و قال تاماكي زعيم الحزب الديمقراطي من أجل الشعب إنه سيراقب نودا قبل اتخاذ قراره بشأن خطوته التالية. ويكمن التحدي الذي يواجه نودا في قدرته على دفع الأحزاب الأخرى للتحرك بطرق من شأنها دعم الحزب الديمقراطي الليبرالي بدلًا من معارضتها. وقد يتحالف الحزب الديمقراطي من أجل الشعب مع الحزب الديمقراطي الياباني في بعض القضايا السياسية، لكن تاماكي لم يُبدِ استعدادًا لمساعدة نودا في بناء ائتلاف معارض.
أما ثالث الأمور وربما الأقل احتمالًا، فهو تشكيل ائتلاف كبير بين الحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الياباني المشترك. ولمن يعتقد أن هذا أمرٌ مستحيل، فليتذكروا أن الحزب الليبرالي الديمقراطي تحالف مع الحزب الاشتراكي الياباني، عدوه اللدود، لتشكيل حكومة بقيادة زعيم الحزب الاشتراكي الياباني، موراياما توميتشي. لذا، لا يمكن تجاهل هذا الخيار نظريًا. وعندما سُئل نودا عن إمكانية تشكيل ائتلاف كبير بين الحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الياباني المشترك، أشار إلى أنه لم يتم تسوية الفضائح المالية والسياسية بشكل مرض.
أخيرا فإن اليابان تقف حاليا في مفترق طرق في ضوء نتيجة الانتخابات الأخيرة، حيث ستشهد خلال الأسبوع الحالي وربما الأسبوع المقبل سلسلة من الاجتماعات السياسية السرية، واستعراض الشخصيات، وتحليل الاستراتيجيات الانتخابية، قبل أن ينكشف الغموض ويتحدد من سيحكم اليابان وأسلوبه في الحكم خلال الفترة المقبلة.