نحن مجتمع في خطر.. عمار علي حسن يفتح دفاتر الأوجاع المصرية في كتابه «أبواب الأذى» - بوابة الشروق
الأربعاء 27 أغسطس 2025 2:02 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

نحن مجتمع في خطر.. عمار علي حسن يفتح دفاتر الأوجاع المصرية في كتابه «أبواب الأذى»

شيماء شناوي
نشر في: الإثنين 25 أغسطس 2025 - 1:15 م | آخر تحديث: الإثنين 25 أغسطس 2025 - 1:15 م

يحمل كتاب «أبواب الأذى» للكاتب والباحث الدكتور عمار علي حسن، الصادر حديثًا عن دار الشروق، دفترًا مفتوحًا على أوجاع المصريين، فالكتاب لا يقف عند حدود السرد ولا يكتفي بتحليل سطحي للأزمات التي يتعرض لها المجتمع المصري،، بل يقدّم محاولة جريئة وصريحة لكسر حاجز الصمت والوهم، والغوص في "خنادق الواقع" المركّب، فهو كتاب يتجاوز الكتابة التقليدية ليقدّم مشروعًا فكريًا متكاملًا، يضع يده على مواضع الداء، ويسعى إلى فتح مسارات للتفكير في سبل الإصلاح.

منذ الصفحات الأولى للكتاب، يضعك الكاتب أمام حقيقة صادمة صاغها في جملة مكونة من 4 كلمات؛ «نحن مجتمع في خطر»، مؤكدًا أن هذه حقيقة لا مواربة فيها وأنها ليست محل شك أو ريبة أو تهوين، وأن لهذا الخطر ألف باب والآف النوافذ، ومؤكدًا أن الأمر تعدى عتبة الحديث عن ضعف البنية الاجتماعية وغيرها من الأمراض التى ألفها المصريين زمنًا طويلًا كالاستبداد والفساد والخوف من المواجهة وغيرها، بل أن الخطر أصبح تهديدًا بالبقاء خاصة أن العوامل التى ساعدت المجتمع على التماسك على مدار قرون طويلة باتت تتآكل وتتحلل على مدار السنوات دون أن نجد سٌبل للتصدى لها وعلاجها.

الكتاب الذي يسلط الضوء على حالة العجز في فهم الحقوق والواجبات، التي تجعل الفرد حريصًا على المشاركة العامة، عدد عوامل الخطر التي نتعرض لها، وأشار بوضوح إلى مكامن الخطر ومنها؛ تراجع دور مصر الثقافي، بعدما كانت تقود من خلاله العالم القديم كله، وتؤثر تأثيرًا قويًا في محيطها الإقليمي في الزمن الحديث والمعاصر.

وكذلك نحن في خطر لتراجع مستوى التعليم، وسيطرة الرؤية القاصرة عليه، التي تراه مجرد وسيلة لتحصيل الوظائف، أو الالتحاق بسوق العمل، وهو ما كان هدفًا مهينًا، دون شك.

وأيضًا نحن في خطر لعدم إتقان الأجيال الجديدة من أصحاب المهن التي عرفناها وأقمناها على مدار تاريخ طويل، فكثير من الحرف تتراجع، أو تُهمل، حتى صرنا نستورد من السلع ما كنا في يوم من الأيام ننتجه بإمعان وإفراط، ونصّدره أو نهبه للآخرين، مؤكدًا أن الأخطر من ذلك هو قيمة العمل نفسه التى لم تعد محل نظر، ولا محل احترام، عند كثيرين، مع رغبة أغلب الناس في تحصيل الكسب دون بذل جهد وتعب.

يشير الكتاب بوضوح إلى أننا لا نزال وسنظل في خطر طالما ظلت روح التسلف والتطرف في مجتمعنا قائمة لم تذهب بعد، بل إنها تجد من المبررات الكثير، في ظل غياب البديل، وإخفاقنا ومن في يدهم القرار في تحقيق ولو الحد الأدنى من تطلعات الناس.

ونحن في خطر لأننا لا ندرك أننا "أمة" وليس مجرد "دولة"، وأن كل من يديرون شؤوننا لا يعرفون في المجال العام، ولا مع الآخرة، اتكاءً على قيمة مصير ثبوتها.

ونحن في خطر لكل هذا، وهو خطر يحيط بنا من كل جانب، وأغلب الناس

لأن العوامل التي ساعدت مجتمعنا على التماسك على مدار قرون طويلة تتآكل، ولم نجد السبيل إلى التصدي لها أو علاجها، ووصلنا إلى حالة العجز في فهم الحقوق والواجبات، التي تجعل الفرد حريصًا على المشاركة العامة. ونحن في خطر لتراجع دورنا الثقافي، نحو بارج وجارح، وتخلي بلادنا عن دورها الذهني والوجداني، الذي كانت تقود به العالم القديم كله، وتؤثر تأثيرًا قويًا في محيطها الإقليمي في الزمن الحديث والمعاصر.

نحن في خطر لتراجع مستوى التعليم، وسيطرة الرؤية القاصرة عليه، التي تراه مجرد وسيلة لتحصيل الوظائف، أو الالتحاق بسوق العمل، وهو ما كان هدفًا مهينًا، دون شك. نحن في خطر لإتقان العمل والمهن التي عرفناها وأقمناها على مدار تاريخ طويل، فكثير من الحرف تتراجع، أو تُهمل، حتى صرنا نستورد من السلع ما كنا في يوم من الأيام ننتجه بإمعان وإفراط، ونصّدره أو نهبه للآخرين. والأخطر أن قيمة العمل نفسه لم تعد محل نظر، ولا محل احترام، عند كثيرين، مع رغبة أغلب الناس في تحصيل الكسب دون بذل جهد وتعب. نحن في خطر لتردي مستوى التعليم، وسيطرة الرؤية القاصرة عليه، التي ترى في الثقافة مجرد وسيلة لاكتساب وظيفة أو وسيلة ترفيه.

نحن في خطر لأن روح التسلف والتطرف في مجتمعنا لم تذهب بعد، بل إنها تجد من المبررات الكثير، في ظل غياب البديل، وإخفاقنا من آل إليهم القرار في تحقيق ولو الحد الأدنى من تطلعات الناس. ونحن في خطر لكل هذا، وهو خطر يحيط بنا من كل جانب، وأغلب الناس في بلادنا لا يتهاونون لهذا الخطر، أو يعرفون ويغفلون أو يبحثون فيه عن أي فائدة أو متعة ضيقة عابرة. نحن في خطر لتفشي الفقر والعوز والإملاق، مع محاولة بسيطة تقول بوضوح وجلاء إن الفقر يؤدي إلى سوء التغذية، فيقود إلى التقزم ومعه تقل كفاءة العنصر البشري في العمل والتجنيد، وبالتتابع قد تضعف السلالة. نحن في خطر لأننا لا ندرك أننا "أمة" وليس مجرد "دولة"، وأن كل من يديرون شؤوننا لا يعرفون في المجال العام، ولا مع الآخرة، اتكاءً على قيمة مصير ثبوتها.

يتوقف الكتاب أمام أزمة البحث العلمي والدراسات الاجتماعية في مصر، معتبرًا أنها محكومة في كثير من الأحيان بإطار ضيق مثل الدرسات التى يحركها رغبة باحثي العلوم في نيل الترقيات الجامعية، أو مسيّرة لخدمة مصالح محددة، ما يحرمها من الحرية المطلوبة، ويجعلها عاجزة عن التعمق في فهم الظواهر.

فالكاتب يرى أن البحث العلمي، إذا ظل مقيدًا بالمطالب الرسمية أو احتياجات عاجلة، لن يؤدي دوره الحقيقي في كشف جذور المشكلات أو اقتراح حلول جادة، مثلما يجري في الواقع المعاش.

ويمتد التشخيص ليشمل صورة المثقف المصري، الذي يعاني من أزمات متعددة. فهناك من احترف الثرثرة والظهور الإعلامي دون أن يقدم فكرًا حقيقيًا، ومنهم من يبيع أوهامًا وسحرًا للجمهور. وفي المقابل، يطرح المؤلف تعريفًا للمثقف الحقيقي: من يمتلك شجاعة مراجعة الماضي، ويعيد قراءة التاريخ بعقل واعٍ ومنفتح، ويفكك السرديات الضيقة التي تقدمها السلطات أو وسائل الإعلام. وهو يصر على أن المثقف لا يمكن أن يظل في موقع المراقب، بل يجب أن يكون فاعلًا في صناعة الوعي، وأن ينحاز إلى التنوير لا إلى تزييف الحقائق.

ويولي الكتاب اهتمامًا خاصًا بحال الثقافة والفنون في مصر. إذ يتساءل عن أسباب انجذاب الجمهور إلى أنماط ترفيهية سطحية، بينما تترنح الفنون الجادة وتتراجع مكانتها. يربط الكاتب ذلك بتدهور التعليم، وسيطرة رؤية قاصرة ترى الثقافة مجرد وسيلة للوظيفة أو الترفيه العابر، لا مجالًا لتوسيع الوعي وتنمية العقل. هذا التراجع، في نظر المؤلف، ليس مجرد أزمة ذوق عام، بل عرض لمشكلة أعمق تتعلق بغياب رؤية ثقافية واضحة تدعم الفن الحقيقي والإبداع الحر.

ولا يقتصر الكتاب على تشخيص الأزمة فحسب، بل يقدم دعوة مفتوحة إلى إعادة الاعتبار للفكر والمعرفة كقوة دافعة للتغيير. فالإصلاح عند عمار علي حسن لا يبدأ بقرارات فوقية أو حلول ترقيعية، بل بوعي نقدي جريء يعترف بالواقع كما هو، دون تجميل أو مواربة. إن مواجهة الحقائق المؤلمة، في نظره، هي الخطوة الأولى لإصلاحها، ومن هنا جاءت تسمية الكتاب «أبواب الأذى»؛ فالدخول إلى الأوجاع ومواجهتها شرط ضروري للتعافي.

الكتاب إذن ليس مجرد دفتر لتسجيل الأوجاع الماضية أو الحالية، بل بوصلة توجه الأنظار إلى المستقبل. فهو يطرح سؤالًا محوريًا: كيف يمكن لمجتمع مثقل بالأزمات أن ينهض؟ ويجيب بأن السبيل هو شجاعة المثقف والمؤسسات في مواجهة الواقع، والالتزام بدراسات جادة تعمق الفهم بدل الاكتفاء برصد الظواهر السطحية.

وفي النهاية، يقدم «أبواب الأذى» كتابة نابعة من الميدان لا من رفاهية المكاتب، كتابة مشبعة بتجارب الحياة اليومية، بالشارع والسوق والعمل، ومتصلة بالتاريخ في آن واحد. وبهذا، يتحول الكتاب إلى أداة عملية للنقاش والفهم، لا إلى مجرد مادة نظرية. إنه دعوة لإعادة تعريف الكتابة باعتبارها مسؤولية وموقفًا، ودعوة للقارئ نفسه كي يشارك في هذه المواجهة عبر وعي نقدي لا يخشى فتح «أبواب الأذى»، لأنها وحدها الطريق إلى مستقبل أفضل.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك