ضمن خطته لإعادة احتلال مدينة غزة، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام تعبئة نحو 130 ألف جندي احتياطي، للمشاركة في القتال الذي يُتوقع أن يستمر حتى العام المقبل. ومن المقرر أن تلتحق الدفعة الأولى من جنود الاحتياط، الذين يتراوح عددهم بين 40 و50 ألف جندي، بالخدمة يوم الثلاثاء المقبل.
وفي هذا الإطار، رأت شانون بوش، أستاذة القانون المشارك بجامعة إديث كوان الأسترالية، وجوشوا أستون، العميد المشارك لكلية الحقوق بالجامعة نفسها، في مقال مشترك نُشر بموقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي، أن خطط الاستدعاء تثير إشكاليات قانونية جوهرية للدول التي تسمح لمواطنيها مزدوجي الجنسية الإسرائيلية بالخدمة في الجيش الإسرائيلي، سواء عبر برامج التجنيد التطوعي مثل "ماحال" و"جارين تزابار"، أو من خلال خدمة الاحتياط الإلزامية.
** الخدمة الإلزامية والجنسية المزدوجة
أوضح الكاتبان أنه بموجب القانون الإسرائيلي، يجب على كل مواطن أو مقيم دائم أن يخدم في الجيش الإسرائيلي لمدة تتراوح بين 18 و36 شهرًا (بحسب عمره وحالته الاجتماعية وجنسه)، تليها عشر سنوات من خدمة الاحتياط.
كما أن الإسرائيليين مزدوجي الجنسية المقيمين في الخارج ليسوا معفيين من التجنيد، ويُتوقع منهم تسوية أوضاعهم التجنيدية عبر القنصليات والسفارات الإسرائيلية.
** قرارات محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة
في يوليو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بشأن العواقب القانونية لاحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية، أوصت فيه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالامتناع عن تقديم أي مساعدة لإسرائيل في استمرار احتلالها. كما أوصى 40 خبيرا مستقلا من الأمم المتحدة بضرورة أن تتخذ الدول خطوات لمنع مواطنيها مزدوجي الجنسية الإسرائيلية من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وذلك لتجنب التواطؤ في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وفي وقت سابق من هذا العام، حثت لجنة دولية مستقلة، أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الدول الأعضاء على التحقيق مع المتهمين بارتكاب جرائم في غزة ومحاكمتهم، إما وفق قوانينها المحلية أو باستخدام الولاية القضائية العالمية.
وبحسب الكاتبين، زادت هذه الآراء والتقارير من حدة الجدل بشأن الالتزامات القانونية للدول التي تسمح لمواطنيها الذين يحملون أيضل الجنسية الإسرائيلية بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي.
ونوه الكاتبان بأن الدول التي تضم جاليات يهودية كبيرة لم تبذل جهودا تُذكر لتقييد التجنيد في الجيش الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وألمانيا وبريطانيا لديها قوانين تُجرم القتال في صفوف جيوش أجنبية، فإنها تسمح بالتجنيد في الجيش الإسرائيلي من خلال استثناءات أو معاهدات أو تفسيرات متساهلة لهذه القوانين.
وفي أستراليا، يحظر القانون على المواطنين المشاركة في النزاعات الخارجية كمرتزقة، لكنه يسمح بالخدمة في جيوش أجنبية. لكن نص القانون الجنائي لعام 1995 يحظر دخول المواطنين الأستراليين إلى المناطق العسكرية الأجنبية التي تنشط فيها منظمات مصنفة إرهابية.
أما في جنوب إفريقيا، فيُجرم القانون مشاركة مواطنيها في الحروب الخارجية دون إذن، وهددت السلطات صراحة بمقاضاة من ينضمون إلى الجيش الإسرائيلي، إلا أن تطبيق هذا القانون ظل نادرا وانتقائيا.
** ملاحقة جنود الاحتلال في الخارج
أشار الكاتبان إلى الجهود التي يبذلها المجتمع المدني، ولا سيما المنظمات الحقوقية، لملاحقة الجنود الإسرائيليين مزدوجي الجنسية.
ففي كندا، أكدت الشرطة الملكية الكندية في يونيو الماضي أنها تحقق في جرائم حرب محتملة في غزة، ويعتقد كثيرون أن التحقيق يستهدف جنود احتياط مزدوجي الجنسية خدموا في الجيش الإسرائيلي.
كما قدمت مؤسسة "هند رجب"، وهي منظمة حقوقية فلسطينية مقرها بلجيكا، في مايو 2024 ملفا يتضمن أدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية حول ارتكاب نحو ألف جندي إسرائيلي جرائم حرب، من بينهم عدد من مزدوجي الجنسية.
وفي أبريل الماضي، قدمت منظمات حقوقية بريطانية ملفا إلى فريق جرائم الحرب التابع لشرطة العاصمة، يستهدف عشرة بريطانيين بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب على غزة.
وفي الوقت نفسه، يُراقب "المركز الأسترالي للعدالة الدولية" نحو 20 أستراليا مزدوج الجنسية خدموا في الجيش الإسرائيلي. ولهذا دعت الحكومة الأسترالية المواطنين الراغبين في الخدمة في جيوش أجنبية إلى "النظر بعناية في التزاماتهم القانونية والتأكد من أن سلوكهم لا يشكل جريمة جنائية".
** التزامات بموجب المعاهدات الدولية
بحسب الكاتبين، فإن كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وأستراليا والبرازيل والأرجنتين وروسيا وجنوب إفريقيا، جميعها أطراف في اتفاقيات جنيف، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وتفرض هذه المعاهدات التزامات على الدول الأعضاء لا تقتصر على معاقبة الانتهاكات فحسب، بل تشمل أيضا منعها.
ويرى الكاتبان أن حشد إسرائيل لـ 130 ألف جندي احتياطي يزيد بشكل كبير من احتمالية انخراط المزيد من حاملي الجنسية المزدوجة في عمليات أدانتها الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية باعتبارها غير قانونية.
وبالنسبة لحاملي الجنسية المزدوجة، فإن المخاطر جسيمة، فهم قد لا يشاركون في صراع طويل الأمد فحسب، بل قد يتعرضون أيضا للملاحقة القضائية مستقبلا بتهم ارتكاب جرائم خطيرة.
أما بالنسبة إلى الدول، فالمخاطر كبيرة بالقدر نفسه، فالصمت أو التقاعس قد يشكلان تواطؤا في ارتكاب إبادة جماعية.
واختتم الكاتبان مقالهما بطرح سؤال مفاده: هل ستفي الحكومات بالتزاماتها، وتحذر مواطنيها بفاعلية من القتال في غزة، وتحقق معهم وتحاكمهم عند الضرورة؟.