الباحث أحمد الشرعي: طهران لا توقف النار بل تستعد لجولة جديدة - بوابة الشروق
الخميس 28 أغسطس 2025 1:32 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

الباحث أحمد الشرعي: طهران لا توقف النار بل تستعد لجولة جديدة

واشنطن - د ب أ
نشر في: الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 10:21 ص | آخر تحديث: الأربعاء 27 أغسطس 2025 - 10:21 ص

تعد إيران لاعبا محوريا في معادلات الشرق الأوسط، إذ تنخرط في شبكة من التحالفات والارتباطات الإقليمية، وتعمل عبر قنوات سياسية وعسكرية وأمنية تمتد من الخليج إلى شرق المتوسط، ما يجعلها طرفا حاضرا في معظم قضايا الصراع والتوازن في المنطقة.

ويقول الباحث أحمد الشرعي ناشر مجلة "جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون" وعضو مجالس إدارة كل من المجلس الأطلسي ومجموعة الأزمات الدولية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وغيرها من المؤسسات في تجليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست إن إيران لا تفاوض من أجل السلام، بل تستعد للحرب. هذا ما يدركه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دائما، وما تعترف به طهران اليوم يثبت صواب رؤيته.

وفي مقابلة حديثة، وصف علي لاريجاني، الأمين العام الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الخسائر المدمرة التي تكبدتها طهران في صراعها مع إسرائيل بأنها لم تنته، بل مجرد "موقوفة مؤقتا". وأوضح أن إيران تعيد صياغة عقيدتها الدفاعية، وتعيد بناء منظوماتها للدفاع الجوي، وتعزز قواتها الصاروخية، وتوسّع شبكات راداراتها، وتسعى للحصول على أنظمة متطورة من دول كالصين.

ويقول الشرعي إن الأبرز في تصريحاته كان إعادة تأكيده على "محور المقاومة"، ذلك النسيج العابر للحدود من الميليشيات الممتدة من لبنان إلى العراق وسوريا وغزة واليمن. ولاريجاني لم يعتبر هذه الجماعات عبئا، بل شبهها بدعم واشنطن لإسرائيل، معترفا علنا بأن حزب الله وحماس والميليشيات الشيعية ليست سوى أذرع متقدمة لاستعراض القوة الإيرانية خارج حدودها.

ولأعوام طويلة، كانت طهران تزعم أن هذه الميليشيات حركات مستقلة. أما الآن، فقد أقر أحد أبرز مسؤوليها بما هو واضح أنها امتدادات استراتيجية للردع الإيراني. ويرى الشرعي أن ذلك لم يكن ذلك زلة لسان، بل إعلانا عن نوايا واضحة، وكشفا لوجه نظام لا يزدهر بالسلام بل بالتقويض المستمر للاستقرار.

ويقول الشرعي إن المقارنة مع نهج ترامب هنا صارخة. فمنذ البداية، رفض الأوهام التي تقول إن طهران يمكن أن تُستدرج نحو الاعتدال. لقد أدرك أن عقيدة النظام الكذب والمماطلة واستنزاف الخصوم إلى أن يحين وقت الضربة. ومع ذلك، لم يكن موقفه متهورا. فقد أوضح أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حروب لا تنتهي، وترك الباب مفتوحا أمام إيران لتغيير مسارها. لكنه لم يخلط أبدا بين الحوار والثقة. وكلمات لاريجاني تؤكد كم كان ذلك الحدس صحيحا. فإيران لا تتجه نحو الاعتدال، بل تعيد معايرة مقاربتها.

ويرى الشرعي أنه للوهلة الأولى، قد تبدو طهران أضعف مما كانت عليه منذ عقود. فحزب الله فقد قادة وقدرات، وحماس محطمة بعد ما يقرب من عامين من الحرب، والميليشيات الشيعية في العراق انصرفت إلى ثروات النفط بدلاً من مهاجمة القواعد الأمريكية. وحتى الحوثيون صمتوا بعد إطلاقهم الرمزي للصواريخ باتجاه إسرائيل. لكن المظاهر قد تخدع. فقد أكد لاريجاني أن هذه النكسات مؤقتة. إذ تم تكليف "المجلس الأعلى للدفاع" الجديد بإصلاح الإخفاقات الهيكلية في القدرات الدفاعية للجمهورية الإسلامية. وسيعمل المجلس على تسريع برامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، والبحث عن شراكات خارجية للحصول على مقاتلات وأنظمة رادار من الجيل الجديد.

وبالنسبة للمراقبين الخارجيين، قد يبدو ما يحدث بمثابة فترة هدوء. أما بالنسبة إلى طهران، فهو فرصة لإعادة التسلّح. فالصمت لا يعني الاستسلام، بل مجرد مناورة أخرى. ويثبت التاريخ ما يحدث عندما يخطئ الخصوم في تفسير الوقف المؤقت على أنه سلام.

ويعكس اعتماد النظام الإيراني على الوكلاء حجم الخطر القائم. فحين احتفى علي لاريجاني بالميليشيات واصفا إياها بـ"الإخوة" لا بالأعباء، كشف أن طهران نسجت نفوذها داخل صراعات المنطقة بدقة متعمدة. فحزب الله المتجذر في لبنان وحماس في غزة والميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيون في اليمن، كلها أدوات لتمديد نفوذ إيران إلى ما وراء حدودها مع إبقاء النظام نفسه بمنأى عن الاستهداف المباشر. ولهذا يشكل السلام في المنطقة تهديدا وجوديا لطهران.

ويقول الشرعي إنه لم يوضح ذلك شيئا بقدر ما أوضحته اتفاقيات أبراهام. إذ إن تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، الذي رعاه الرئيس دونالد ترامب، مثل التحدي الأقوى لمشروع إيران الثوري. فقد عرضت الاتفاقيات شرق أوسط جديدا قائما على التجارة والتعاون الأمني والتعايش، وهي أمور تخشاها إيران بشدة.
وليس من قبيل الصدفة أن وكلاء طهران هاجموا مبادرات السلام بهذا العنف. فهجوم حماس في 7 أكتوبر صمم لإفشال مسار التطبيع. وحزب الله يستغل الانقسامات الطائفية لتعطيل لبنان. أما الحوثيون فيطلقون الصواريخ نحو دول الخليج لعرقلة التعاون الإقليمي. إن السلام يفضح هشاشة إيران ويكشف عدم جدواها.

كما تبرز صراحة لاريجاني اعتماد النظام على الخداع. فلعقود، أنكرت طهران سيطرتها على هذه الميليشيات، مدعية أنها تتحرك بشكل مستقل. واليوم، يعترف قادتها بما كان واضحا دائما: "محور المقاومة" هو جزء من البنية العسكرية لإيران، ترسانة موزعة صُممت لضرب إسرائيل والولايات المتحدة وخصومها العرب بالوكالة. وهذا ما كان ترامب يحذر منه باستمرار. واليوم يؤكده النظام بنفسه.

ويقول الشرعي إن لبنان يوفر مثالا جليا على كيفية عمل إيران. فلأول مرة منذ سنوات، كلّفت الحكومة الجيش بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله. وبعد أن تلقى ضربات إسرائيلية أودت بحياة زعيمه حسن نصرالله ودمرت جزءا كبيرا من ترسانته، وجد الحزب نفسه في وضع ضعيف وضغط غير مسبوق.

ومع ذلك، يواصل المقاومة باستخدام الأسلوب نفسه القائم على التهديدات الطائفية والشلل السياسي. إذ يصور حزب الله نزع سلاحه كهجوم على الطائفة الشيعية في لبنان، فيما تشيد به إيران باعتباره رمزا لمقاومة التدخل الأجنبي. الهدف هنا ليس الانتصار، بل منع لبنان من النهوض، والإبقاء عليه دولة منهكة بما يكفي ليستمر قاعدة متقدمة لإيران.

والدرس واضح لا لبس فيه، إذ لا يمكن كسر هذه الحلقة إلا عبر ضغط متواصل. فالحوار بلا تبعات يشجع طهران. وما هو مطلوب اليوم هو تصميم على فرض كلفة حقيقية، عقوبات خانقة تقطع صادرات النفط الإيراني، وتحرك منسق لخنق شبكاتها المالية غير المشروعة، وإن اقتضى الأمر، ضربات حاسمة ضد أصولها العسكرية والوكلاء الذين تديرهم في الخارج.

ويختتم الشرعي تقريره تحليله إن دونالد ترامب رأى هذه الحقيقة بوضوح تام، أكثر من أي قائد قبله. فقد فهم أن السلام في الشرق الأوسط لا يُصان بالتمنيات، بل بالقوة واليقظة والاستعداد للفعل. ويتعين على الولايات المتحدة أن تستعيد هذا الوضوح الآن، لأن إيران لن تضع سلاحها طواعية. فهي ستواصل إعادة التسلح حتى يتم إيقافها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك