أعلن الدكتور شريف خاطر، رئيس جامعة المنصورة، عن نجاح فريق مركز الحفريات الفقارية بالجامعة (MUVP)، بقيادة الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات الفقارية ومؤسس المركز، في اكتشاف نوع جديد من التماسيح القديمة عاش في مصر قبل نحو 80 مليون عام.
ونُشرت تفاصيل هذا الاكتشاف المذهل في مجلة The Zoological Journal of the Linnean Society، وهي واحدة من أقدم وأعرق المجلات الدولية المتخصّصة في علم التطوّر.
وأكد رئيس جامعة المنصورة فخره بهذا الإنجاز الذي يُضاف إلى سجل الجامعة في مجالات البحث العلمي والاكتشافات العالمية، موضحًا أن هذا النجاح يأتي ترجمةً لرؤية الجامعة في دعم البحث العلمي التطبيقي الذي يخدم الإنسانية ويعزز مكانتها بين الجامعات الرائدة عالميًا.
وأضاف أن الاكتشاف يأتي ضمن سلسلة من الإنجازات البحثية التي تؤكد ريادة الجامعة في مجالات العلوم الطبيعية، مشيدًا بالجهود المخلصة التي يبذلها الباحثون الشباب بقيادة الدكتور هشام سلام.
وأشار خاطر إلى أن مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة أصبح نموذجًا مصريًا ملهمًا في البحث والاكتشاف العلمي، يجسّد طاقات الباحثين الشباب ودورهم في تحقيق إنجازات ذات طابع عالمي، مؤكدًا أن مثل هذه الاكتشافات تعزز القوة الناعمة لمصر عبر بوابة البحث العلمي.
وفي السياق ذاته، قال الدكتور طارق غلوش، إن هذا الاكتشاف يمثل خطوة جديدة في طريق تعزيز ريادة جامعة المنصورة في مجالات البحث العلمي المتقدّم، مشيرًا إلى أن الجامعة تولي اهتمامًا كبيرًا بالمراكز البحثية المتميزة وتعمل على توفير بيئة علمية محفزة للاكتشاف والابتكار.
وأعلنت الجامعة في بيانها أن التمساح المكتشف عاش قبل نحو 80 مليون سنة في منطقة تُعرف حاليًا بمحافظة الوادي الجديد، وأطلق عليه العلماء اسم «واديسوكس كسّابي» (Wadisuchus kassabi)، ليصبح أحد أهم الاكتشافات التي تسلط الضوء على الحياة في العصور السحيقة.
ويمثل واديسوكس أقدم أفراد عائلة الديروصوريدات (Dyrosauridae)، وهي مجموعة من التماسيح البحرية التي نجت من انقراض الديناصورات وازدهرت بعده، ما يجعله شاهدًا فريدًا على مرحلة محورية في تاريخ تطوّر الزواحف.
وعلى عكس التماسيح الحديثة التي تعيش في الأنهار والمستنقعات، عاشت هذه الفصيلة القديمة في السواحل والبحار الضحلة، وتميّزت بقدرتها الكبيرة على الصيد في المياه المفتوحة بفضل خطمها الطويل وأسنانها الحادة، ما جعلها من المفترسات الماهرة التي واصلت الازدهار بعد اختفاء الديناصورات.
ويحمل الاسم «واديسوكس كسّابي» دلالات مصرية خالصة؛ فـ«وادي» ترمز إلى موقع الاكتشاف في الوادي الجديد، و«سوكس» مأخوذة من اسم الإله المصري القديم «سبِك» (Sobek)، إله القوة والخصوبة ذو رأس التمساح، أما «كسّابي» فهي تخليد لاسم العالم المصري الراحل أحمد كسّاب، أحد رواد علم الجيولوجيا والحفريات في مصر.
وأوضح الدكتور هشام سلام أن الاكتشاف يُعد من أبرز الاكتشافات في تاريخ الحفريات المصرية، مشيرًا إلى أن الفريق عثر على بقايا التمساح في منطقتي الواحات الخارجة وباريس، وتشمل أجزاء من جماجم وخطوم لعدة أفراد في مراحل عمرية مختلفة، ما أتاح للعلماء فهمًا أدق لتطور هذا النوع من التماسيح.
وأضاف سلام أن الفريق استخدم تقنيات التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد (3D CT scanning)، التي كشفت عن تفاصيل تشريحية دقيقة لم تُرَ من قبل، مما مكّن الباحثين من تكوين تصور واضح للبنية الداخلية لهذه الكائنات البحرية القديمة.
وقالت الدكتورة سارة صابر، المدرس المساعد بجامعة أسيوط وعضو الفريق البحثي والمؤلف الأول للدراسة، إن هذا النوع تميز بسمات تشريحية فريدة جعلته حلقة انتقالية مهمة في تطور التماسيح، مؤكدة أن نتائج البحث تقدم رؤية جديدة حول تكيّف الزواحف مع البيئات البحرية بعد الانقراضات الكبرى.
وأضافت أن طول التمساح يتراوح بين 3.5 و4 أمتار، وله خطم طويل جدًا وأسنان حادة، وكان صيادًا متخصصًا في افتراس الأسماك، ويختلف عن أقاربه بامتلاكه أربع أسنان أمامية بدلًا من خمس، وفتحات أنف أعلى الخطم تساعده على التنفس من سطح الماء، إضافة إلى تجويفٍ عميقٍ عند التقاء الفكين.
كما أوضح بلال سالم، طالب الدكتوراه بجامعة أوهايو والمدرس المساعد بجامعة بنها وعضو الفريق البحثي، أن الدراسة كشفت عن الدور المحوري لأفريقيا، وخاصة الصحراء الغربية المصرية، في نشأة وتطور فصيلة التماسيح البحرية، وهو ما يعيد رسم خريطة تطور الزواحف على مستوى العالم.
وأكدت نتائج التحليل التطوري أن تنوع عائلة الديروصوريدات بدأ في أفريقيا في وقت أقدم مما كان يُعتقد سابقًا، مما يمنح الاكتشاف بعدًا عالميًا ويبرز أهمية التراث الجيولوجي المصري في فهم تاريخ الحياة على كوكب الأرض.
واختتم الدكتور هشام سلام قائلًا: «إن أهمية هذا الاكتشاف لا تكمن فقط في إضافته فصلًا جديدًا لتاريخ التماسيح القديمة، بل في تسليط الضوء على الكنوز العلمية التي تخفيها الصحراء الغربية المصرية، والتي تمثل إرثًا يجب حمايته للأجيال القادمة، لأنه جزء من الهوية العلمية والإنسانية لمصر».