تقرير: الذخائر غير المنفجرة في غزة.. موت صامت يطارد سكان القطاع بعد توقف القتال - بوابة الشروق
الإثنين 27 أكتوبر 2025 3:54 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

تقرير: الذخائر غير المنفجرة في غزة.. موت صامت يطارد سكان القطاع بعد توقف القتال

وكالة أنباء شينخوا
نشر في: الإثنين 27 أكتوبر 2025 - 12:13 ص | آخر تحديث: الإثنين 27 أكتوبر 2025 - 12:13 ص

رغم سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة منذ أكثر من أسبوعين، لا يزال السكان يواجهون خطرًا قاتلًا غير مرئي يتمثل في الذخائر غير المنفجرة المنتشرة بين أنقاض المنازل وفي الشوارع والأزقة، مخلفة وراءها خسائر بشرية جديدة بعد توقف العمليات العسكرية.

في أحد أحياء مدينة غزة، تحولت فرحة عائلة الشرباصي بالعودة إلى منزلها المدمر إلى مأساة جديدة، فقد انفجرت قنبلة لم تنفجر أثناء القصف، لتصيب التوأمين يحيى ونبيلة (6 أعوام) أثناء لعبهما بين الركام.

وقال جد الطفلين لوكالة أنباء ((شينخوا)) وهو يجلس بجوارهما في مستشفى الشفاء وسط المدينة: "كنا نزيل الركام عندما سمعنا صوت انفجار هائل، ركضنا لنجد يحيى ونبيلة على الأرض، والدماء تغطي وجهيهما، كانا يلعبان بجسم دائري انفجر بلمسة واحدة".

فقد يحيى يده اليمنى وتعرض لتشوهات في جسده، فيما أصيبت شقيقته نبيلة بكسور في قدمها. ويقول الجد بأسى: "تحول اللعب إلى مأساة، هذه حياتنا اليوم، نموت حتى بعد انتهاء الحرب".

قصة مشابهة عاشتها سلوى حسنات، والدة الطفل أحمد (10 أعوام)، الذي فقد ذراعه جراء انفجار جسم معدني كان يلهو به قرب خيمتهم في حي الشيخ رضوان شمال غزة.

وقالت الأم لـ ((شينخوا)): "ظن أحمد أن الجسم لعبة، خرجت أركض على صوت الانفجار، فوجدته فاقد الوعي ويده اليمنى مبتورة، لم نكن نعلم أن هذه البقايا قد تقتل أو تبتر أطراف الأطفال".

وفي حادث آخر، فقد الطفل سامر بهلول (13 عامًا) إحدى عينيه، إثر انفجار جسم معدني كان يحاول فتحه بالقرب من خيمتهم في منطقة تل الهوا جنوب مدينة غزة.

يروي سامر قصته بصوت خافت قائلاً: "وجدت علبة مغلقة وحاولت فتحها، لكنها انفجرت فجأة، استيقظت في المستشفى ووجدت عيني اليسرى مغطاة بضمادة، قال لي والدي إن ما وجدته كان من مخلفات الجيش الإسرائيلي".

ووفق بيانات دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS)، قتل ما لا يقل عن 52 فلسطينيًا وأصيب 267 آخرون، نتيجة انفجار ذخائر غير منفجرة في أنحاء قطاع غزة منذ اندلاع الحرب.

أما مركز غزة لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة أهلية مستقلة تعنى بتوثيق الانتهاكات والدفاع عن الضحايا، فقد ذكر في بيان صدر يوم الجمعة الماضي أن التقديرات الأولية تشير إلى وجود نحو 20 ألف جسم متفجر لم ينفجر بعد من قنابل وصواريخ ألقاها الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة.

وأضاف البيان أن حجم الركام الناتج عن تدمير آلاف المنازل والمنشآت الحيوية بلغ حتى منتصف أكتوبر الجاري ما بين 65 و70 مليون طن، تحتوي على ما يقارب 71 ألف طن من المتفجرات والمخلفات الحربية، ما يجعلها "قنابل موقوتة" تهدد حياة المدنيين.

ويحذر جهاز الدفاع المدني في غزة من أن مخلفات الجيش الإسرائيلي من ألغام وذخائر غير منفجرة مدفونة تحت الأنقاض تمثل "تهديدًا حقيقيًا وخطيرًا لحياة المدنيين، خاصة الأطفال الذين يلهون قرب منازلهم المدمرة".

وقال الجهاز في بيان صدر أول أمس السبت: "رغم توقف الحرب، إلا أن خطر الموت ما زال حاضراً في كل شارع وبيت وركن من هذه الأرض المنكوبة، نحذر من هذا الخطر القاتل الذي يلاحق الناس حتى بعد توقف العمليات العسكرية".

كما أكد جهاز الشرطة في غزة أن الأيام الماضية شهدت وقوع عدة انفجارات ناتجة عن عبث من المدنيين، بينهم أطفال، بأجسام مشبوهة خلفها الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى وقوع إصابات مختلفة.

في هذا السياق، قال خبير في هندسة المتفجرات، يعمل ضمن فريق محلي مختص بإزالة الذخائر غير المنفجرة وفضل عدم ذكر اسمه، إن يوميات فرق الكشف والإزالة تشكل "سلسلة من التحديات المتواصلة"، تشمل القيود المفروضة على دخول المعدات، وخطورة المناطق المستهدفة، وصعوبة الوصول المنهجي إلى المواقع الملوثة.

وأوضح أن الفرق تضطر للعمل في مساحات ضيقة ومزدحمة داخل أحياء مأهولة، مما يزيد من صعوبة تطبيق إجراءات الأمان ويستدعي إبطاء العمليات حفاظًا على أرواح المدنيين.

وأضاف أن فرق الهندسة تعاني نقصًا حادًا في الأدوات المتقدمة وأجزاء الصيانة، إضافة إلى محدودية إمدادات الوقود والبطاريات اللازمة لتشغيل الأجهزة الثقيلة وأدوات الكشف عن المواد المتفجرة.

وقال الخبير في هندسة المتفجرات: "هذا النقص يجبرنا على تحديد الأولويات في العمل، أي معالجة الأخطار الأكثر إلحاحًا فقط، وهو ما يترك مساحات واسعة دون فحص طويل الأمد".

وأشار إلى أن المعاناة لا تقتصر على الجوانب التقنية، بل تمتد إلى الأثر النفسي والبدني على العناصر الميدانية، "العمل المتكرر داخل مبانٍ مدمرة وحول مخلفات عسكرية مرهق بدنيًا ويزيد من احتمالات الإصابة والتوتر الحاد، في ظل غياب برامج دعم نفسي كافية ومستدامة"، حسب قوله.

ويمثل وجود الذخائر قرب المدارس والمساكن سببًا إضافيًا للضغط العملي والأخلاقي، إذ يحمل كل قرار بالتأجيل أو تقدير الخطر تبعات مباشرة على حياة السكان.

وأكد أن الاعتماد على أساليب إزالة يدوية وبطيئة في بعض المواقع يعود إلى الحرص على تقليل الخسائر بين المدنيين، رغم أن ذلك يطيل زمن التعافي ويزيد من المخاطر على المدى البعيد.

ويشدد أنه "دون تسهيل دخول المعدات المتخصصة وبرامج التدريب والدعم اللوجستي والنفسي، ستبقى مهمة الكشف عن المتفجرات وإزالتها متعثرة لسنوات، مع تبعات إنسانية وبيئية طويلة الأمد".

وأضاف أن الأمم المتحدة تعمل بالتنسيق مع الجهات المحلية على تنفيذ برامج توعية مجتمعية للأطفال والأهالي حول مخاطر التعامل مع الأجسام المشبوهة، مؤكداً أن "الخطر الأكبر يكمن في الجهل بطبيعة هذه المواد، ما يجعلها سببًا رئيسيًا في وقوع الإصابات".

من جانبه، قال المهندس البيئي سعيد العكلوك إن الذخائر غير المنفجرة والمخلفات العسكرية والألغام الأرضية تشكل تهديدات تلوث إضافية للبيئة والتربة في قطاع غزة.

وأوضح العكلوك في تصريح لـ ((شينخوا)) أن "الآلاف من الذخائر غير المنفجرة نتيجة الحملة العسكرية الإسرائيلية تهدد بحرمان المزارعين من زراعة مساحات شاسعة من الأراضي، كما تجعل هذه الأراضي غير صالحة للسكن للإنسان والحيوان والنبات على حد سواء".

وأضاف أن هذه الذخائر "تعيق عملية التعافي البيئي وتشكل مخاطر طويلة الأمد، إذ إن كمية المتفجرات والقنابل التي ألقيت على القطاع أدت إلى تلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية والبحر، نتيجة التسرب الناجم عن تدمير شبكات الصرف الصحي".

وأشار إلى أن هذه المتفجرات "تسببت كذلك بتلوث الأرض بالمعادن السامة والمواد الكيميائية، مما يهدد بضرر واسع النطاق للمناطق الزراعية، من مياه الصرف والنفايات الصلبة وملايين الأطنان من الذخائر والأسلحة"، مؤكداً أن هذه المشكلات "ستنعكس على المدى القريب والبعيد على صحة السكان والحياة البحرية والزراعية وجودة الهواء والمياه في القطاع".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك