المحللة السياسية جوليا كورنيور: ترامب يشعل سباق تسلح عالمي جديد بالقبة الذهبية - بوابة الشروق
الجمعة 30 مايو 2025 11:47 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المحللة السياسية جوليا كورنيور: ترامب يشعل سباق تسلح عالمي جديد بالقبة الذهبية

دونالد ترامب
دونالد ترامب
لندن - (د ب أ)
نشر في: الخميس 29 مايو 2025 - 9:46 ص | آخر تحديث: الخميس 29 مايو 2025 - 9:46 ص

يبدو أن العالم على موعد مع سباق تسلح جديد، بعد أن كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام عن خطة لإقامة منظومة دفاعية جديدة مضادة للصواريخ بتكلفة تبلغ 175 مليار دولار. وتستهدف المنظومة التي أطلق عليها اسم القبة الذهبية حماية الولايات المتحدة من الصواريخ الفرط صوتية والأسلحة التي تنطلق من الفضاء.

وتقول جوليا كورنيور الباحثة المشاركة في برنامج الأمن الدولي في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني في تحليل نشره موقع المعهد إنه بعيدا عن مساهمة القبة الذهبية في تعزيز الأمن القومي الأمريكي، فإنها تهدد بمفاقمة الاضطراب العالمي وتصاعد التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى.

تعتمد القبة الحديدية المستهدفة على إقامة بنية دفاعية متعددة الطبقات تشمل مئات أو حتى آلاف الأقمار الصناعية في الفضاء، مجهزة بأنظمة استشعار وأجهزة اعتراض متطورة، بما في ذلك أشعة الليزر الفضائية، بهدف اكتشاف وتتبع وتحييد الصواريخ القادمة والتهديدات الأخرى في مراحل مختلفة من طيرانها.

ورغم أنه يمكن القول إن فكرة القبة الذهبية مستوحاة من القبة الحديدية الإسرائيلية، فإن هذه المقاربة مضللة. فإسرائيل أصغر كثيرا من الولايات المتحدة وقبتها الحديدية تستهدف حمايتها من مخاطر الصواريخ قصيرة الأجل وغير الموجهة وهي محدودة سواء من حيث العدد أو السرعة أو الاتجاه. في المقابل فإن خطة ترامب تستهدف الدفاع عن كامل الأرض الأمريكية من تهديدات أكثر تقدما وأكبر عددا بما في ذلك الصواريخ الباليستية طويلة المدى والصواريخ الفرط صوتية وأنظمة الإطلاق المدارية. لذلك فإن الحجم ودرجة التعقيد والتطور التقني المطلوب لتنفيذ القبة الذهبية أمر مختلف تماما.

ورغم أن ترامب يقدر تكلفة المبادرة الدفاعية بحوالي 175 مليار دولار ومدة تنفيذها بثلاث سنوات فقط، فإن مكتب الميزانية التابع للكونجرس يحذر من أن تكلفة الشق الفضائي فقط من القبة ستصل إلى 542 مليار دولار، لنشر وتشغيل هذه المكونات على مدى 20 عاما. كما أن الأسئلة الأساسية مازالت معلقة دون إجابة، مثل شكل هذه المنظومة؟ ومن الذي سيتولى إقامتها؟ وهل ستعمل بالشكل المطلوب؟

ويحتاج توفير الاستثمارات المطلوبة لتطوير مثل هذا النظام المتقدم إلى التخلي عن أشياء عديدة وقد تكون على حساب أولويات دفاعية أخرى.

كما أن الولايات المتحدة لا تمتلك حاليا كل التقنيات المطلوبة لاعتراض الصواريخ الفرط صوتية أو الباليستية في الفضاء، التي تحتاج إلى صواريخ اعتراضية أو أنظمة ليزر قادرة على العمل لمسافات شاسعة بدقة شبه فورية. إن السعي وراء القبة الذهبية ينطوي على مخاطر إعطاء الأولوية لنظام باهظ الثمن ولم يتم إثبات قدراتها، على حساب قدرات أكثر إلحاحا وقابلية للتحقيق، مثل تحسين الدفاعات الصاروخية الإقليمية وتعزيز المرونة السيبرانية لمواجهة التهديدات الناشئة مثل الطائرات المسيرة.

كما أن هناك عواقب استراتيجية خطيرة محتملة لخطة القبة الذهبية. فخصوم الولايات المتحدة سينظرون إلى أي نظام يستهدف جعل الولايات المتحدة بمنأى عن الهجمات الصاروخية، على أنه محاولة لتقويض منطق الردع النووي. لذلك إذا اقتنعت هذه الدول بأن واشنطن بصدد تطوير درع يمكنه يومًا ما تحييد أي ضربة نووية انتقامية، فسيشتعل سباق تسلح عالمي خطير.

وقد سبق لبكين وموسكو أن انتقدتا مشروع القبة الذهبية، واصفتين إياه بأنه "مزعزع للاستقرار بشكل كبير"، وقد تردان عليه بمجموعة من الإجراءات المضادة، بما في ذلك توسيع ترساناتهما الهجومية أو تطوير أنظمة إطلاق جديدة. كما أن سباق التسلح هذا قد يدفع إلى نشر أسلحة فضائية في وقت لا يزال فيه العالم يفتقد إلى القواعد التي تنظم استغلال الفضاء. و وبالتالي، قد تُقوّض القبة الذهبية الأمن العالمي وجعل العالم بما فيه الولايات المتحدة مكانًا أكثر خطورة.

ونظراً لهذه المخاطر، ينبغي على الولايات المتحدة استغلال خطة القبة الذهبية كوسيلة ضغط لإطلاق عملية دبلوماسية جديدة للحد من التسلح، بدلا من جعلها سببا لإطلاق دورة جديدة من سباق التسلح. كما ينبغي لواشنطن استخدام هذا المشروع لإعادة إطلاق الحوار مع القوى الكبرى الأخرى، بما فيها روسيا والصين، بشأن ضبط النفس المتبادل والشفافية وحوكمة تقنيات الصواريخ والفضاء الناشئة.

وترى جوليا كورنيور أن هذا الأمر أصبح ملحا بشكلٍ خاصٍّ بالنظر إلى تدهور أطر ضبط الأسلحة الحالية. وقد علّق الرئيس فلاديمير بوتين آخر اتفاقية رئيسية لضبط الأسلحة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي معاهدة ستارت الجديدة، في عام 2023. ومن المقرر انتهاء صلاحيتها في عام 2026 دون وجود بديلٍ لها. وعلى الرغم من ترسانة الصين المتنامية، فقد تم تعليق محادثات ضبط الأسلحة بين واشنطن وبكين في يوليو بسبب مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان.

وقد أصبحت الحاجة إلى إحياء الحوار الاستراتيجي بين القوى الكبرى أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى بسبب تزايد مخاطر سوء التقدير والتصعيد غير المحسوب، في ظل تجاوز التطورات السريعة في تكنولوجيا الصواريخ وأنظمة الفضاء والذكاء الاصطناعي للقواعد والمعايير المصممة لإدارتها وتصاعد التوترات الجيوسياسية.

ويُعدّ أمن الفضاء أحد أكثر السبل الواعدة والضرورية لانخراط القوى الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا في حوار بناء. ومع تزايد اعتماد القوى النووية على الأنظمة الفضائية للأغراض العسكرية والمدنية، تتزايد مخاطر سوء التقدير أو التصعيد غير المقصود في الفضاء.

لذلك فإنه حتى التدابير المتواضعة، مثل الموافقة على تبادل إخطارات إطلاق الأقمار الصناعية أو مناقشة القدرات ذات الاستخدام المزدوج، يمكن أن تساعد في بناء الثقة وتقليل احتمالية نشوب صراع في المدار. ومن خلال التركيز على الفضاء، حيث تتداخل المصالح وتتضح نقاط الضعف المتبادلة، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في إعادة إرساء أسس حوار استراتيجي أوسع نطاقا في المستقبل.

وتحذر جوليا كورنيو من تكرار أخطاء الماضي عندما استنزفت مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي عرفت باسم "حرب النجوم" التي أطلقها الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان في ثمانينيات القرن الماضي موارد هائلة، وفاقمت التوترات الدولية وأشعلت سباق تسلح ترك العالم أشد انقساما لا أكثر أمنا، في الوقت الذي فشلت فيه في توفير نظام دفاعي فعال.

في وقتٍ تتهاوى فيه أطر ضبط التسلح وتتصاعد فيه التوترات العالمية، ينبغي العمل على جعل الإعلان عن مشروع "القبة الذهبية" كفرصة استراتيجية لبدء نقاشات متجددة حول أمن الفضاء، بدلا من أن تكون إشارة بدء جولة جديدة من سباق التسلح تجعل العالمٍ أكثر تنافسًا وعسكرةً وانعدامًا للأمن.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك