رأى خبراء لبنانيون أن استئناف الحرب بين إسرائيل وحزب الله احتمال وارد، ودعوا إلى تحرك دبلوماسي في أعقاب تصاعد الانتهاكات التي ترتكبها تل أبيب لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم قبل نحو عام.
ويتصاعد التوتر على الجبهة اللبنانية الجنوبية بين تل أبيب وحزب الله مع استمرار الغارات الإسرائيلية شبه اليومية وارتفاع وتيرة التحذيرات الدبلوماسية الغربية، وسط تساؤلات عما إذا كان لبنان مقبلًا على مواجهة عسكرية واسعة النطاق.
وبعد أحد عشر شهرا على اتفاق هش لوقف إطلاق النار بين تل أبيب وحزب الله، رعته الولايات المتحدة وفرنسا في 27 نوفمبر 2024، لم تتوقف الاستهدافات الإسرائيلية، لكنها تزايدت في الأسابيع الأخيرة.
ويترافق التصعيد الميداني مع آخر سياسي لا يقل حدّة، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام، إن تل أبيب "لا تحتاج إذنا من أحد لضرب أهداف في غزة أو لبنان، ولن تتسامح بشن هجمات ضدها".
ضغوط أمريكية
وتعقيبا على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي منير الربيع للأناضول، إن "احتمال نشوب حرب واسعة أمر وارد ولا يمكن إنكاره، لكنه غير قابل للقياس بنسبة مئوية محددة".
وأضاف الربيع أن "لبنان يتعرّض لضغوط أمريكية تُترجم على أنها حرب نفسية هدفها التهديد".
وبشأن احتمال تجدد الحرب، رأى أنه "من المستبعد أن تقدم إسرائيل على ضرب البنية التحتية مثل المطار (رفيق الحريري في بيروت)، لأن لبنان ليس غزة".
وعن الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، اعتبرها الربيع أنها "تحمل رسائل سياسية أكثر منها عسكرية، بعدما استنفدت تل أبيب بنك أهدافها الفعلية".
وتابع: "على لبنان التحرك دبلوماسيا بشكل أوسع لتفادي الخسائر المحتملة"، لافتا إلى أن بيروت "تُحمّل واشنطن مسئولية كبح التصعيد الإسرائيلي".
ومؤخرا، رفع المبعوث الأمريكي توماس باراك مستوى لهجته ضد لبنان، محذرا من أن "تردد بيروت في حصر السلاح بيد الدولة قد يدفع إسرائيل إلى التحرك منفردة لتنفيذ هذه المهمة".
في المقابل، قال أمين عام حزب الله نعيم قاسم، الأحد، إنه لا قرار لدى الحزب ببدء القتال ضد إسرائيل، ولكن إذا فرضت عليهم معركة فسيقاتلون "حتى الرمق الأخير".
وأضاف قاسم في مقابلة مع تلفزيون المنار التابع للحزب، أن الأخير "جاهز للدفاع، وليس للمبادرة بمعركة أو شن هجوم".
وأمام هذه التطورات، وصلت الموفدة الأمريكية إلى لبنان وإسرائيل مروغان أورتاغوس تل أبيب الأحد، في زيارة استغرقت يومين، وأجرت جولة على الحدود اللبنانية، بينما وصلت لبنان الثلاثاء، ومن المقرر أن تشارك الأربعاء في اجتماع اللجنة الموكلة بالإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
حرب نفسية
من جانبه، قال المحلل العسكري هشام جابر للأناضول، إن "إمكانية اندلاع حرب واسعة تبقى احتمالًا واقعيًا، لكن من دون مؤشرات حاسمة بعد".
وأضاف العميد المتقاعد أن "التهويل الجاري يدخل في إطار الحرب النفسية التي تسبق أي مواجهة".
ورأى أن "التصعيد الحالي لن يصل إلى مستوى استهداف المرافق الحيوية مثل المطار أو الكهرباء، لكنه قد يتطور إلى عمليات انتقائية لأهداف محددة بعد تحذير مسبق".
واعتبر أن "إسرائيل استنفدت معظم بنك أهدافها العسكرية، وباتت تلجأ إلى ضرب أي موقع تشتبه بوجود عناصر لحزب الله فيه لبعث رسائل سياسية".
ولمواجهة ذلك، دعا جابر إلى "تحرك لبناني دبلوماسي واسع يوازي التطورات الميدانية، لأن الاكتفاء بإرسال رسائل عبر الوسطاء الدوليين غير كافٍ في ظل حجم المخاطر الإقليمية".
أما المحلل السياسي طوني بولس، فقال للأناضول إن "المؤشرات الميدانية والدبلوماسية توحي بأن الحرب وشيكة".
وأشار إلى أن "الدوائر الرسمية اللبنانية تبلّغت من قنوات غربية (لم يسمها) أن إسرائيل أنهت استعداداتها العسكرية لتنفيذ عمليات ضد حزب الله".
كما رأى أن "تكثيف تحليق الطائرات المسيّرة الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية هدفه تحديث المعلومات ورصد مواقع جديدة لحزب الله".
فيما يشير التحليق الإسرائيلي فوق القصرين الجمهوري والحكومي، وفق بولس، إلى "رسائل موجهة مباشرة للدولة اللبنانية".
ومتحدثا عن احتمال تجدد الحرب، قال إن "إسرائيل تلوّح بتوسيع نطاق الحرب لتشمل البنى التحتية الرسمية، وليس فقط أهدافا تابعة لحزب الله كما حدث في المواجهة السابقة".
وحذر من أن "لبنان يواجه خطرا وجوديا في حال توسعت العمليات لتشمل مؤسسات الدولة".
موقف هش
وبحسب بولس، فإن "رئاسة الجمهورية طرحت فكرة مفاوضات قد تساهم في تجنب الحرب، لكن الانقسام الداخلي حول طبيعة هذه المفاوضات مباشرة أم غير مباشرة يعقّد الموقف".
وعن موقف الولايات المتحدة والدول الغربية، قال بولس، إنها "غير مقتنعة بقدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ أي اتفاق وقف إطلاق نار جديد، سواء فيما يتعلق بسحب سلاح حزب الله، أو بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، ما يجعل الموقف اللبناني أكثر هشاشة في مواجهة التهديدات المقبلة".
والأسبوع الماضي، قال الرئيس اللبناني جوزاف عون إنه "لا بد من التفاوض مع إسرائيل لحل المشاكل العالقة" بين الطرفين، بالتزامن مع بدء تطبيق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة.
ويقود باراك مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل، حيث زار البلد العربي عدة مرات قدم خلالها مبادرة لحكومة بيروت في 19 يونيو الماضي، تنص على أن تكون جميع الأسلحة تحت إشراف الدولة اللبنانية فقط كهدف أولي.
وفي 5 أغسطس الماضي، أقرت الحكومة اللبنانية حصر السلاح، بما في ذلك سلاح حزب الله، بيد الدولة، ورحبت في الشهر التالي بخطة وضعها الجيش لتنفيذ القرار، غير أنها لم تحدد مهلة زمنية لتطبيقه، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لإرضاء الحزب وقاعدته.
لكن نعيم قاسم أكد في أكثر من مناسبة رفضه تسليم سلاح الحزب، مطالبا بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وإيقاف عدوانها على البلاد، وبدء إعادة الإعمار.
وقتلت إسرائيل أكثر من 4 آلاف شخص وأصابت نحو 17 ألفا آخرين، خلال عدوانها على لبنان الذي بدأته في أكتوبر 2023، قبل أن تحوله في سبتمبر 2024 إلى حرب شاملة.
كما عمدت إلى خرق اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 4500 مرة، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، فضلا عن احتلالها 5 تلال لبنانية سيطرت عليها في الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق أخرى تحتلها منذ عقود.