أحلام سودانية من قلب القاهرة تترقب تنفيذ قانون اللجوء الجديد - بوابة الشروق
الجمعة 3 يناير 2025 4:37 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحلام سودانية من قلب القاهرة تترقب تنفيذ قانون اللجوء الجديد

أسامة زكريا
نشر في: الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 - 10:28 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 - 11:10 ص

- سهولة التسجيل والتعليم الأساسي والعمل المستقر.. أبرز هموم طالبي اللجوء السودانيين

- طالبو لجوء لـ الشروق: نأمل أن تنجح اللجنة العليا الجديدة في التغلب على البيروقراطية التي تعرقل عمل المفوضية السامية

- خبراء يبدون تفاؤلهم ويطالبون بلائحة تنفيذية تكفل حقوق اللاجئين كاملة وتحدد بعض معايير وألفاظ القانون

في حي شعبي وسط القاهرة، وقف السوداني عبد الرحمن أمام باب منزله المتهالك، يراقب أبناءه وهم يلعبون في الفناء بصخب الطفولة. كان يتابع بين الحين والآخر أنباء عن مناقشات مشروع قانون اللجوء الجديد لتنظيم أوضاع اللاجئين في مصر، ويتبادل آراءه حول تفاصيله مع أقاربه وأصدقائه. وفي منتصف ديسمبر المنصرم، علم عبر المواقع الإخبارية بتصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي عليه.

يهدف القانون رقم ١٦٤ لسنة ٢٠٢٤ إلى تقنين أوضاع اللاجئين، ويضمن منحهم حقوقًا أساسية مثل العمل والتعليم والرعاية الصحية ويضع منظومة جديدة لتلقي طلبات اللجوء والبت فيها بمعرفة لجنة عليا تابعة لرئيس الوزراء بدلا من المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة.

هذا التشريع أعاد الأمل في تحسين الأوضاع لعبد الرحمن وآلاف السودانيين الذين ما زالوا يسعون للحصول على حق اللجوء على أرض مصر. إذ يشمل الوافدين الجدد، وأيضًا من لم تكتمل إجراءات طلباتهم لدى المفوضية، حيث ستُحال ملفاتهم مباشرة إلى اللجنة العليا التي لم تُشكل بعد، في انتظار اللائحة التنفيذية والقرارات المتعلقة بتطبيق القانون. ومن ثم، ستتولى هذه اللجنة النظر في الطلبات والفصل فيها، إما قبولهم لاجئين أو ترحيلهم.

بالنسبة لعبد الرحمن، تبدو هذه المستجدات محورية في طريق طويل مليء بالتحديات. ومع ذلك، يقول: "القانون ده خطوة كبيرة، لكن المهم الآن كيف سيتم تطبيقه؟".

تعليم أطفال اللاجئين.. تكاليف وعقبات

لم يكن عبور الأسر السودانية الحدود هربًا من جحيم الحرب الأهلية، مجرد انتقال عبر الجغرافيا من جنوب وادي النيل إلى شماله، بل كانت بداية لصراع آخر من أجل تأمين تعليم وصحة وسلامة أبنائهم في بيئة جديدة تمامًا. مريم، طالبة لجوء سودانية تعيش في حي مصر القديمة، تعبر عن معاناتها قائلة: "منذ قدومنا إلى مصر العام الماضي، لم يتمكن أطفالي من العودة إلى المدارس. فالتعليم هنا مكلف جدًا بالنسبة لما كان الوضع عليه في بلدنا".

يروي محمد خلف، أحد المعلمين السودانيين وطالب لجوء في مصر، كيف دُمّرت المدارس في السودان وتحولت بعضها إلى ملاجئ: "كانت المدارس في بلادنا مجانية، لكنها الآن خراب. أما في مصر، نجد أنفسنا عاجزين أمام تكاليف تتراوح على الأقل بين 3 و10 آلاف جنيه سنويًا، ما يجعل التعليم عبئًا ثقيلًا".

يؤكد تقرير المفوضية السامية لشئون اللاجئين في أبريل 2024، أن 54% من الأطفال السودانيين اللاجئين في مصر ما زالوا خارج المدارس. لا يقتصر السبب على الوثائق الناقصة، بل يمتد إلى الضغوط الاقتصادية التي تضطر الأسر لاختيار طفل أو اثنين فقط لتعليمهم، بينما يبقى الآخرون في المنازل.

ويرسم القانون الجديد ملامح أمل لتخفيف هذه المعاناة، إذ نصت المادة 20 منه على أن "يكون للطفل اللاجئ الحق في التعليم الأساسي، ويكون للاجئين من حاملي الشهادات الدراسية الممنوحة في الخارج الحق في الاعتراف بها".

ورغم هذا النص الواعد، يظل التحدي قائمًا، فتطبيقه يتطلب بالتأكيد استثمارا كبيرا في البنية التحتية التعليمية مثل زيادة عدد المدارس والفصول وتحديدا في مناطق تركز اللاجئين.

ومع ذلك تظل مريم متمسكة بالأمل: "أتمنى أن يمنح القانون الجديد فرصة لأطفالي لاستكمال تعليمهم في بيئة مستقرة".

هل تتحقق أحلام اللاجئين في فرص عمل جيدة؟

في أحد أركان سوق شعبي بالقاهرة، كان مصطفى، طالب لجوء سوداني، يقف بجانب شاحنة محملة بصناديق الخضروات، ينقلها بجهد إلى متجر صغير يعمل فيه منذ أشهر. يروي معاناته مع العمل غير الرسمي: "أحيانًا أعمل يومين، ثم أقضي أسبوعًا دون عمل. كل ما أريده هو فرصة عمل مستقر تكفيني وأطفالي".

على الجانب الآخر من السوق، تواصل عائشة، طالبة لجوء أخرى، إدارة نصبتها لبيع الأطعمة السودانية، تُعتبر شريان حياتها الوحيد. تقول إنها تعاني من صعوبة تأمين مستلزماتها بشكل قانوني: "القانون الجديد قد يساعدنا، لكن أخشى أن تضيف الإجراءات البيروقراطية عبئًا جديدًا علينا".

هذه الظروف تمتد لنحو 60% من اللاجئين السودانيين، بحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية، الذي أكد أنهم يعتمدون على وظائف غير رسمية ويواجهون ظروفا صعبة تتراوح بين تدني الأجور وغياب التأمينات.

وتكفل المادة 18 من القانون الجديد حق اللاجئين في العمل، شأنهم شأن باقي الأجانب غير حاملي وثائق اللجوء، بما في ذلك الحصول على أجر مناسب وممارسة المهن الحرة. كما تُلزم أصحاب الأعمال الذين يوظّفون طالبي اللجوء بإبلاغ الشرطة بذلك.

وفي هذا السياق، يُبرز عبد الجليل نورين، مدير مبادرة تنمية اللاجئين بمصر، رؤيته المتفائلة تجاه القانون الجديد، مشيرًا إلى أنه قد يكون "مظلة أمان" للاجئين، وأنه سيدفع العديد من المخالفين لتقنين أوضاعهم، وسيمهد الطريق لتحسين أوضاعهم المعيشية من خلال الانخراط في سوق العمل بشكل قانوني، وهو ما سيعود بالنفع على الاقتصاد المصري.

وتعلق النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي بأن "القانون قد يسهم في تقنين الأوضاع، لكننا لن نتمكن من تقييم تأثيره الفعلي إلا عند تطبيقه على أرض الواقع".

تصاريح الإقامة: طريق نحو حياة مستقرة

تبدأ رحلة اللاجئ بحثا عن الاستقرار في مصر من خطوة أساسية: التسجيل لدى المفوضية السامية لشئون اللاجئين. تلك البطاقة الصغيرة التي تمنحها المفوضية مفتاح ضروري يفتح أبواب الحماية القانونية والإقامة، وطريق الحصول عليها ليس سهلاً في الغالب، فالصفوف الطويلة والانتظار لساعات أو أيام، تعكس حجم التحدي الذي يواجهه اللاجئون.

في غرفة انتظار صغيرة بإحدى مكاتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين في القاهرة، جلس معاذ متكئًا على حقيبة أوراقه، محاولًا ضبط أنفاسه بعد رحلة طويلة من الحي الشعبي الذي يسكنه. أمامه يقف صف طويل من الأشخاص، كل منهم يحمل قصته الخاصة مع الروتين والانتظار. يقول معاذ، الذي أمضى أكثر من 3 أشهر محاولاً استكمال مستندات تصريح الإقامة: "كل مرة أجي هنا، أحس إن اليوم هايروح وأنا لسه في مكاني".

معاذ يصف رحلته بأنها "معركة مع الزمن والبيروقراطية". في إحدى المرات، طُلب منه تقديم ورقة تثبت محل سكنه، لكنه واجه صعوبة في إقناع المالك بالتوقيع على الوثيقة، إذ كان يخشى التبعات القانونية التي قد تترتب على توقيعها للاجئ. وبعد جهد كبير، تمكن معاذ من الحصول على الورقة المطلوبة، وعاد في اليوم التالي إلى المفوضية، لكن أخبره الموظف أن المستندات التي قدمها بحاجة إلى تحديث، ليجد نفسه مضطرًا للبدء من جديد.

في حي شعبي آخر، واجهت صفية، وهي طالبة لجوء سودانية وأم لطفلين، تعقيدات مشابهة عندما حاولت تسجيل أطفالها في المدرسة. ورغم أن توثيق شهادة الميلاد يمكن الحصول عليه من السفارة السودانية في القاهرة، إلا أن الإجراء لم يكن سهلاً. تقول صفية: "السفارة تستقبل أعدادًا كبيرة يوميًا، والانتظار لساعات طويلة أصبح جزءًا من حياتنا. بالإضافة إلى ذلك، أحتاج أحيانًا لأخذ إجازة من العمل أو تدبير مصاريف إضافية للذهاب والعودة".

قصص مثل معاذ وصفية ليست استثناءً، بل تمثل الوجه اليومي لمعاناة آلاف اللاجئين. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، تستضيف مصر حتى نوفمبر 2024 حوالي 834 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين. لكن الأرقام الحكومية ترجح وجود أكثر من 9 ملايين لاجئ ومهاجر، بينهم حوالي 1.2 مليون سوداني فروا إلى مصر منذ اندلاع الصراع في السودان.

هذا الفارق بين الأرقام المسجلة والتقديرات يعكس واقعًا معقدًا، حيث يعيش مئات الآلاف من اللاجئين غير المسجلين على هامش النظام القانوني، محرومين من بعض الحقوق الأساسية والخدمات الضرورية، بما في ذلك صعوبة الوصول إلى وظائف رسمية. تختصر صفية هذه المعاناة بقولها: "من غير أوراق، إحنا دايمًا مهددين. مش قادرين نثبت وجودنا".

يوضح كريم عنارة، الباحث المتخصص في شئون اللاجئين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الأساس في أي قانون لجوء هو ضمان الحماية القانونية للاجئين، وهو ما يعرف بـ"حظر الرد" في القانون الدولي، الذي يضمن عدم إعادة اللاجئ إلى بلد يهدده فيه خطر حقيقي، لكن هذا يتطلب معايير واضحة وموحدة لتحديد من يستحق الحماية.

ويُظهر عنارة أن القانون الجديد به قصور في هذا الجانب: "الصياغة الحالية للقانون لا تكفل ضمانات كافية. ورغم وجود بعض المواد الواعدة مثل تلك المتعلقة بحقوق التعليم الأساسي والرعاية الصحية، والتي تساهم في تحويل اللاجئين إلى فاعلين في المجتمع والاقتصاد، إلا أن هناك ثغرات واسعة تسمح للسلطات التنفيذية بالحرمان من صفة اللاجئ لأسباب ذات صياغة مطاطة".

ويتابع: "هناك أيضا تساؤلات عن كيفية تطبيق المعايير والأطر التفصيلية المنظمة لعملية تقنية مثل تحديد صفة اللجوء ومتى وكيف سيتم تأهيل هؤلاء الأشخاص لفهم هذه التعقيدات؟ خاصة أن اللجنة العليا تتمتع بسلطات واسعة، مما يوجب أن تكون اللائحة التنفيذية أكثر تحديدا ودقة".

دروس من تركيا وأوغندا.. ما يمكن أن تتعلمه مصر

مع توجه مصر لتولي مسئولية إدارة ملف اللاجئين بدلًا من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، تبرز تجارب دول مثل تركيا وأوغندا كنماذج جديرة بالدراسة.

في تركيا، ومنذ عام 2018، انتقلت مسئولية تسجيل وإدارة اللاجئين إلى دائرة الهجرة التركية. هذا التغيير أسهم في دمج اللاجئين السوريين في مجالات التعليم والصحة بشكل مباشر، ما أتاح لهم الوصول إلى المدارس والمستشفيات العامة، وفقًا لتقرير منظمة الهجرة الدولية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك إدراج أكثر من 700 ألف طفل سوري في المدارس التركية، بالإضافة إلى تقديم برامج لتعلم اللغة التركية، مما سهل اندماجهم.

كما تشير دراسة صادرة عن البنك الدولي إلى أن هذا النهج أسهم في زيادة مشاركة اللاجئين في سوق العمل التركي تدريجيًا، رغم التحديات التي تواجهها بعض المناطق، مثل ارتفاع معدلات البطالة.

أما أوغندا، التي تستضيف نحو 1.5 مليون لاجئ، مما يجعلها واحدة من أكبر الدول المضيفة في أفريقيا، فتقدم نموذجًا متميزًا في التعامل مع هذا الملف. إذ تعتمد سياسة تسمح للاجئين بالحصول على قطع أراضٍ صغيرة للزراعة، ما يمنحهم فرصة لتأسيس مصدر دخل مستدام ويقلل من اعتمادهم على المساعدات الإنسانية. هذا النهج أسهم في تعزيز اندماج اللاجئين في الاقتصاد المحلي وساهم في تحسين العلاقة بينهم وبين المجتمع المضيف.

عبد الرحمن ومصطفى ومريم وغيرهم من طالبي اللجوء السودانيين وأعداد أكبر لم تتقدم بطلبات رسمية حتى الآن، يترقبون تطبيق قانون اللجوء الجديد بصورة تلبي طموحاتهم وتعوّضهم عن فترات الانتظار على الحافة. يأملون في أن تكون الإجراءات التنفيذية فعّالة، تراعي تعقيدات الواقع، وتجنبهم تجربة الانتظار الطويل، مع فتح فرص الاندماج في المجتمع المصري من خلال التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك