نشرت مجلة The atlantic مقالا للكاتب الصحفى Ronald Brownstein عن التوقعات حول ما سيواجهه ترامب فى عام 2019. وخلص الكاتب إلى أن المسار العام لقرارات ترامب الأخيرة ــ الانسحاب العسكرى من سوريا، ودخول الإدارة الأمريكية فى حالة إغلاق جزئى بعد فشل المشرعين فى التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية فيما يخص بناء الجدار الحدودى وأخيرا أزمة الأسواق المالية ــ تشير إلى أن عام 2019 سيشهد مزيدا من الفوضى.
حسم الناخبون الأمريكيون الانتخابات الرئاسية التى عقدت فى عام 2016 لصالح المرشح عن الحزب الجمهورى «دونالد ترامب». يبدو أن ترامب مصمم على اختبار مدى الفوضى التى سيستوعبوها من جراء اتخاذ قرارات لها تداعيات خطيرة. بالنسبة للحديث عن مدى صلابة قاعدة ترامب الجماهيرية، فمن السهل أن ننسى عدد الناخبين الذين ترددوا فى اختياره على حساب منافسته المرشحة عن الحزب الديمقراطى «هيلارى كلينتون». «قال ربع الناخبين الذين أيدوا ترامب إنهم لا يعتقدون أنه يمتلك ميزة ليتمكن من النجاح كرئيس»، وذلك وفقا لما جاء فى استطلاع للرأى أجرى يوم الانتخابات من قبل مؤسسة إديسون للأبحاث. لقد ارتفع هذا العدد إلى نحو ثلاثة من كل 10 من بين كل من المستقلين والبيض المتعلمين بالكلية الذين دعموا ترامب، وفقا للبيانات لم تنشر سابقا. ومع ذلك، وبينما كانوا يعبرون عن ترددهم بشأن الرئيس المستقبلى، فإن هؤلاء الناخبين كانوا لا يزالون مستعدين للمخاطرة به، إما لأنهم يكرهون كلينتون أو يريدون التغيير أو يفضلون تعطيل النظام السياسى. لقد اعتقد البعض أن ترامب سيعمل على تخفيف سلوكه عند وصوله لسدة الحكم.
من غير المعقول أن نقول إن ترامب حطم هذه الآمال. فبدلا من ذلك، استمر فى تحطيم معايير السلوك الرئاسى فى كل اتجاه ممكن. عادة ما يعزو المؤيدون والمعارضون على حد سواء تقلبات ترامب إلى عوامل شخصية ومن بينها أنه: شخصية اندفاعية ومتقلبة المزاج، وعدم إدراكه للآثار طويلة المدى الناتجة عن قراراته، فضلا عن تردده فى أخذ النصيحة أو النظر فى الشواهد.
***
ولكن بعد عامين من توليه المنصب، من الواضح أن ترامب يرى قيمة استراتيجية فى انتهاك المعايير الرئاسية. لقد أثبت اعتقاده بأنه يستفيد من عدم قدرة كل من حوله على التنبؤ بسلوكه بشكل مستمر. ووصولا لانتخابات التجديد النصفى للكونجرس بمجلسيه، فكان شائعا أن نقاد ترامب يعتقدون بأنه لم يدفع ثمنا كبيرا مقابل تجاوزاته. لكن أظهرت نتائج الانتخابات فى شهر نوفمبر، أن سلوك ترامب العدوانى وغير المنتظم تحمل التكلفة؛ حيث فاز الديمقراطيون بـ40 مقعدا فى مجلس النواب، وتعقبوا تصويت مجلس النواب بهامش أكبر مما فعل الحزب الجمهورى فى الانهيارات الأرضية عام 1994 أو 2010، على الرغم من أن البطالة كانت أقل من 4٪، ووصف ثلثا الناخبين الاقتصاد بأنه فى أفضل حالاته. لا ينبغى أن يكون الأداء الضعيف لحزب الرئيس ممكنا مع اقتصاد قوى، لكن كل من المستقلين والناخبين البيض المتعلمين فى الجامعة، وهما مجموعتان أعربتا عن شك واسع النطاق حول مزاج ترامب منذ البداية، مما أعطى الفرصة بقوة للديمقراطيين فى الشهر الماضى.
مع اقتراب بداية سنة جديدة انغمس ترامب فى ثلاث أزمات مختلفة نتيجة لسلوكه. تمثلت أولى هذه الأزمات فى الأزمة الدبلوماسية الذى أثارها ترامب بإعلانه عن عزمه سحب القوات الأمريكية من سوريا، وما ترتب عليها من استقالة وزير الدفاع «جيمس ماتيس». أما الأزمة الثانية فتكمن فى دخول الإدارة الأمريكية فى حالة إغلاق جزئى بعد فشل المشرعين فى التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية. ويصر الرئيس دونالد ترامب على أن تشمل الميزانية الحكومية 5 مليارات دولار على الأقل لبناء جدار على الحدود مع المكسيك. والأزمة الثالثة هى دفع ترامب باندلاع أزمة فى الأسواق المالية من خلال الإغلاق، والحرب التجارية مع الصين، وهجماته المتكررة على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» على رئيس مجلس الاحتياطى الاتحادى (البنك المركزى الأمريكى) «جيروم باول» ــ مع ستيفن منوتشين الذى قدم التوابع فى هذه الحالة من خلال جهوده الهادئة لتهدئة الأسواق فى نهاية الأسبوع الماضى.
جادل المدافعون عن ترامب بأنه، من حيث الأسس الموضوعية، يمكنه أن يفوز بكل هذه المعارك سياسيا (على الرغم من أن هذه القضية تبدو ضعيفة للغاية بالنسبة للجدار الحدودى، الذى واجه معارضة الأغلبية فى كل استطلاع للرأى العام الذى أجرى خلال فترة رئاسته). لكن الخطر الأكبر الذى يواجه ترامب هو أن كل من مواقفه تصبح غير قابلة للتمييز وسط مستويات ضخمة من التحديات وعدم الاستقرار. إن الجدل حول أى سياسة فردية فى هذه البيئة قد يكون بمثابة محاولة تحديد موجة واحدة فى مد الفيضان.
***
قد تنحسر كل الأزمات الحالية فى عام 2019، لكن المسار العام لرئاسة ترامب يشير إلى المزيد من الفوضى وليس أقلها وخاصة رفض ترامب بشكل منهجى المستشارين مثل ماتيس الذى كان يعتبرونه أقوى قيد على سلوكه. ومن المتوقع أن ترامب سيواجه استفزازات جديدة والتى من شأنها أن تحفز دوافعه الأكثر عدوانية، فضلا عن أن يكون هناك المزيد من الاتهامات المحتملة من المستشار الخاص روبرت مولر وإصدار تقريره النهائى حول علاقة ترامب وحملته الرئاسية بروسيا.
منذ خسارتهم فى انتخابات نوفمبر، أكد عدد من النواب الجمهوريين فى الكونجرس على خطورة تغريدات ترامب وخطاباته الصحفية. وحتى فى خضم الاضطرابات الحالية، فإن عددا قليلا جدا من الأفراد انتقد ترامب علنا بسبب قضية الإغلاق أو هجومه على الاحتياطى الفيدرالى. وبينما انتقد البعض قراره فى سوريا وأبدوا أسفهم لرحيل ماتيس، لم يعترف أى منهم بالمخاوف الأوسع بشأن قرار ترامب واستقراره، الأمر الذى أثارته كلتا التطورات.
قد يكون الانهيار فى السوق على وجه الخصوص هو السبب فى خلق الضغط الأكبر الذى شعر به ترامب فيما بعد. ولكن مادام الجمهوريون فى الكونجرس يرفضون المطالبة بالتغيير العلنى، فمن المرجح أن تزداد موجات الفوضى الناجمة عن المكتب البيضاوى فقط. من خلال صمتهم المؤكد، يراهن الجمهوريون على أنهم قادرون على الصمود أمام تلك الموجات على نحو أفضل فى عام 2020 مما كانوا يفعلون فى عام 2018.
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى: من هنا