مؤتمر بالتيمور.. نحو صراع حتمى بين الصهاينة والعرب! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر بالتيمور.. نحو صراع حتمى بين الصهاينة والعرب!

نشر فى : السبت 1 يونيو 2024 - 10:10 م | آخر تحديث : السبت 1 يونيو 2024 - 10:10 م

كما أوضحت فى مقال الأسبوع الماضى، فقد انتهت الثورة العربية/الفلسطينية عام ١٩٣٩ بعد تبنى بريطانيا برنامجا يقضى بتقليص عدد المهاجرين والمهاجرات اليهود إلى فلسطين وهو ما بدا وكأنه نصر للثورة العربية لكن لم تسر الأمور على هذا النحو، فاندلاع الحرب العالمية الثانية- بالإضافة إلى السياسات النازية التى قامت بقتل جماعى لليهود فى أوروبا- دفعت الأمور فى اتجاه مغاير انتهى بإعلان الدولة العبرية فى مايو من عام ١٩٤٨.

بعد تبنى البرنامج البريطانى الذى حاول من حد الهجرة إلى فلسطين، بدأت التوترات تندلع بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية من جهة، وبين زعماء الحركة الصهيونية العالمية من جهة أخرى! فقد بدت بريطانيا بهذه السياسة تؤيد قيام دولتين متجاورتين إحداهما يهودية والأخرى عربية، وهو الأمر الذى يروق للكثير من المتطرفين داخل الحركة الصهيونية فلم يكتفوا بمعاداة بريطانيا، ولكنهم أيضا قرروا وبشكل نهائى عدم قبول قيام دولة للعرب فى فلسطين من الأساس! ولعل المؤتمر الصهيونى الذى عقد فى فندق بالتيمور التاريخى بمدينة نيويورك واشترك فيه عدد كبير من المنظمات الصهيونية كان التحول الرئيسى نحو هذا الاتجاه الصهيونى المتطرف!
كان الانقسام داخل الحركة الصهيونية العالمية فى هذه الفترة (١٩٣٩-١٩٤٥) بين فريق يقوده حاييم وايتسمان رئيس الحركة، وفريق ديفيد بن جوريون المدير التنفيذى للوكالة اليهودية والتى كانت تتولى إنشاء الدولة الصهيونية على الأرض! كان وايتسمان يرى ضرورة عدم استعداء البريطانيين والمحافظة على علاقة قوية مع ساستهم لتحقيق حلم الدولة بما فيها القبول المبدئى بحل الدولتين، لكن بن جوريون ورفاقه صعدوا ضد هذا الاتجاه واستغلوا أحداث الهولوكوست لرفض منح العرب أى حق فى قيام دولة مستقلة، عاملين بكل جد وبكافة الطرق الشرعية وغير الشرعية من أجل زيادة الهجرة اليهودية بالمخالفة لقرار الحكومة البريطانية الذى حاول وضع كوتة لهذه الهجرة!
فى عام ١٩٤٢ ولما تعذر عقد المؤتمرات الصهيونية العالمية بسبب ظروف الحرب، دعا عدد من الصهاينة الأمريكان بالتنسيق مع الوكالة اليهودية إلى مؤتمر يُعقد فى مدينة نيويورك فى مايو من هذا العام لمناقشة أمر الدولة اليهودية، وهو المؤتمر الذى حضره نحو ٦٠٠ عضو صهيونى من كافة أوروبا وفلسطين والولايات المتحدة لكن طغى عليه الحضور الصهيونى الأمريكى البارز والذى يرى البعض أنه كان خطوة نحو تحول سيأتى بعد ذلك المؤتمر بقليل، أى تحول الدعم العالمى لقيام الدولة اليهودية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وسواء كان ذلك التحول مخططا له ويعبر عن بعد نظر لدى زعماء الحركة الصهيونية، أو هو مجرد نتيجة حتمية لانشغال القوى الأوروبية بمعارك الحرب العالمية الثانية، ففى كل الأحوال، كان مؤتمر فندق بالتيمور هو بالفعل التعبير عن هذا التحول العالمى!
• • •
يرى البعض أن هذا المؤتمر غير العادى كان بمثابة انقلاب على الصهيونية التقليدية بسبب التحول عن بريطانيا والتمرد عليها من ناحية وكذلك بسبب اعتماد المؤتمر مفهوم «الكومنولث اليهودى» وهو إشارة دينية إلى فلسطين باعتبارها أرضا أبدية لليهود دون غيرهم! تعرض وايتسمان فى هذا المؤتمر لهجوم كبير من الحاضرين، فى حين لعب بن جوريون دورا متناميا على حساب وايتسمان فى دعم «الكومنولث اليهودى» كأساس لقيام الدولة اليهودية! ورغم أن المؤتمر أشار إلى استعداد اليهود للتعاون الاقتصادى والزراعى مع «الجيران العرب» إلا أنه رفض قيام دولة عربية للفلسطينيين، وهو ما علق عليه بعض أساتذة التاريخ الإسرائيليين بأن نتائج مؤتمر بالتيمور كانت تعنى حتمية اندلاع الصراع بين العرب واليهود المهاجرين إلى فلسطين!
اضطر وايتسمان للتراجع، وتبنت الحركة الصهيونية العالمية برنامج هذا المؤتمر، والذى كان بمثابة العد التنازلى لقيام الدولة اليهودية بعد ذلك بنحو ٦ سنوات!
من أبريل من العام التالى (١٩٤٣)، عقد المؤتمر اليهودى - الأمريكى فى مدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا الأمريكية، وقد وصف هذا المؤتمر بأنه – حتى تاريخه - كان أكبر تجمع لليهود الأمريكيين فى التاريخ، وقد حاول المؤتمر الاشتباك مع نتائج مؤتمر بالتيمور وخصوصا مع موضوع إنشاء «الكومنولث اليهودى» ليس من منطلق مساندة العرب بالطبع، ولكن من منطلق أن الأولوية يجب أن تكون لإنقاذ يهود أوروبا من النازية قبل إنشاء الوطن القومى لليهود فى فلسطين، لكن كانت نتائج المؤتمر الأهم، هو بداية تكون لوبى يهودى / صهيونى دائم فى الولايات المتحدة سيلعب بعد ذلك دورا كبيرا فى توجيه السياسة الخارجية الأمريكية نحو الدولة اليهودية والصراع العربى اليهودى.
لكن كانت الخطوة الأهم، تلك التى تم اتخاذها عام ١٩٤٤ وهذه المرة بواسطة الوكالة اليهودية فى فلسطين برئاسة بن جوريون وعرفت باسم «خطة المليون»، والتى كانت بمثابة خطة تنفيذية لهجرة مليون يهودية ويهودى إضافيين من أوروبا إلى فلسطين خلال عام ونصف من تبنيها، وكانت هذه الخطة هى إعلان آخر على علو نجم بن جوريون على وايتسمان، وتأكيد على انقلاب الوكالة اليهودية فى فلسطين على الحركة الصهيونية التقليدية بحيث وبشكل واقعى ومع نهاية الحرب العالمية الثانية فى العام التالى (١٩٤٥) كانت الوكالة اليهودية هى من تقود وتوجه بل وتفرض الشروط على الحركة الصهيونية العالمية! صحيح أن خطة المليون تعذر تنفيذها بشكل كامل، إلا أنها شكلت نواة جديدة للدولة العبرية وخطتها فى التوسع اللاحق مباشرة لإنشائها عام ١٩٤٨!
• • •
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحديدا فى يناير من عام ١٩٤٦ تم تشكيل لجنة تقصى حقائق مشتركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا من ستة بريطانيين ومثلهم من الأمريكان بهدف تقييم الأوضاع فى فلسطين، كان الأعضاء متنوعين بين السياسيين والديبلوماسيين والأكاديميين والقضاة، وعملوا على تقصى الحقائق على الأرض فى فلسطين والالتقاء بممثلين لليهود والعرب، وأصدرت اللجنة تقريرا بعنوان «تقرير لجنة التحقيق الأنجلو أمريكية بشأن مشاكل يهود أوروبا وفلسطين»، وكان أهم النقاط التى تضمنها التقرير هى ما يلى:
أولا: رفض السياسة البريطانية التى تم اعتمادها عام ١٩٣٩ والتى قيدت من الهجرة اليهودية إلى فلسطين وكذلك وضعت قيودا على شراء اليهود لمزيد من الأراضى فى فلسطين، وبالتالى سمحت اللجنة باستعادة سياسة الهجرة مرة أخرى وأعطت الضوء الأخضر لليهود بشراء المزيد من الأراضى وهو انقلاب واضح على سياسة بريطانيا السابقة التى وعدت بها العرب وتمكنت من خلالها من إنهاء الثورة العربية الثانية!
ثانيا: السماح الفورى بهجرة ١٠٠ ألف يهودية ويهودى من أوروبا إلى فلسطين!
ثالثا: رفض مبدأ التقسيم (حل الدولتين) وتأييد قيام دولة موحدة بدون الالتفات إلى الأعراق أو الديانات!
رابعا: استمرار الانتداب البريطانى على فلسطين بحجة منع قيام حرب أهلية بين اليهود والعرب.
خامسا: دعوة كل الأطراف المسلحة لتسليم أسلحتها فورا بحيث لا يُسمح بسلاح فى فلسطين سوى لقوات الانتداب البريطانية.
سادسا: تبنى آليات رقابة لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية فى القدس.
• • •
رغم الانحياز الواضح للجانب اليهودى على حساب الجانب العربى فى قرارات هذه اللجنة المشتركة، إلا أنه كالعادة، تم الالتفاف عليها مجددا من قبل الوكالة اليهودية، التى أخذت تعمل على قدم وساق لقيام الدولة العبرية مستغلة التعاطف العالمى مع ضحايا الهولوكوست من ناحية، وبداية التأييد الأمريكى الواضح ليهود فلسطين من ناحية ثانية، وهو ما نواصل الحديث عنه فى المقالات القادمة!
ملحوظة:
يمكن الاطلاع على برنامج مؤتمر بالتيمور على موقع مؤسسة التعاون الاقتصادى الإسرائيلية: https://ecf.org.il/media_items/1473
كذلك يمكن الاطلاع على النص الكامل لتقرير اللجنة الأنجلو أمريكية على الموقع الإلكترونى لمكتبة ترومان على الرابط التالي:
https://www.trumanlibrary.gov/sites/default/files/TrumanIsrael_resources.pdf

 

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر