نحو ميثاق انتقالى لحركة حماس - أحمد عبد ربه - بوابة الشروق
السبت 16 أغسطس 2025 11:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

نحو ميثاق انتقالى لحركة حماس

نشر فى : السبت 16 أغسطس 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : السبت 16 أغسطس 2025 - 7:00 م

تنويه: هذا اجتهاد شخصى لا يعبر عن أى جهة أعمل بها أو أكتب لها، كما أنه قائم على تحليل المعطيات الموجودة على الأرض بعيدا عن الشعارات أو الأيديولوجيات أو المواقف المتيبسة.
منذ انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل العام الجارى، ورغم كل الجهود المبذولة من الوسطاء وفى مقدمتهم مصر، إلا أن التعنت الإسرائيلى من ناحية، واستبعاد الحركة إمكانية حلها وتسليم سلاحها من ناحية أخرى، مازال يعطل الوصول إلى اتفاقية جديدة لوقف إطلاق النار.
من وجهة نظر حكومة نتنياهو، فإن اتفاقيات وقف إطلاق النار المؤقتة والصفقات الجزئية بخصوص المحتجزين الإسرائيليين فى غزة تعطى حماس فرصة لالتقاط الأنفاس ومن ثم إعادة تنظيم صفوفها من ناحية، والترويج لنفسها دعائيا من ناحية ثانية! يركز الإعلام الإسرائيلى المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلى أن الحركة فى تسليمها للمحتجزين فى الصفقة الأخيرة قد أهانت إسرائيل ومن ثم ما يريده نتنياهو هو صفقة شاملة يعود فيها كل الرهائن بالإضافة إلى جثامين هؤلاء الذين لقوا حتفهم أثناء الأسر وفى المقابل يرفض إعطاء أى وعود بخصوص الانسحاب الشامل من القطاع فى إشارة واضحة إلى أنه سيواصل ملاحقة حماس كما أكد فى أكثر من مناسبة لكل من الإعلام العبرى والغربى منذ السابع من أكتوبر!
بالطبع هناك الكثير من المسكوت عنه لدى الطرفين، بالنسبة لحركة حماس فالرغبة - على الأقل عند أعضاء مكتبها السياسى - هى انتهاء هذه الحرب بقدر ما من حفظ ماء الوجه حتى لا تظهر الحركة أمام جماهيرها وكأنها مهزومة وخصوصا بعد أن رفعت سقف التوقعات عاليا فى السابع من أكتوبر! ومن ثم فإن حفاظ الحركة على تواجدها المؤسسى والعسكرى وانسحاب الجيش الإسرائيلى من كل أنحاء القطاع مع تحرير المزيد من الفلسطينيين فى سجون إسرائيل يمثل هذا الحد الأدنى المطلوب! ولأن الحركة ليس لديها ما تخسره أكثر مما خسرته بالفعل، فهى ترى أن استمرار الوجود المؤسسى والعسكرى حتى ولو على حساب شعبها هو الهدف المنشود باعتباره مقاومة، وإن كان يحسب لها فى الوقت نفسه أنها أعلنت عدم حكمها للقطاع فى حال انسحاب القوات الإسرائيلية منه ووقف إطلاق النار!
ومن ناحية ثانية فالمسكوت عنه لدى نتنياهو - وإن كان المؤيدون له قبل المعارضين يعرفونه - هو أنه لا يرغب فى انتهاء هذه الحرب، ويريد بشكل أو بآخر بقاءها من ناحية لإعلان الانتصار فى نهايتها ومحو عار الفشل السياسى والمخابراتى والأمنى فى السابع من أكتوبر، ومن ناحية أخرى فأمام قضايا الفساد التى تلاحقه، يسعى «بيبى» كما يطلق عليه فى الشارع الإسرائيلى إلى إطالة أمد هذه الحرب لأقصى حد يمكن الوصول إليه!
• • •
بغض النظر عن التفاصيل المعقدة للمفاوضات الجارية الآن بين الطرفين برعاية مصر وقطر، إلا أن حركة حماس – فى تقديرى - لديها فرصة واحدة للبقاء المؤسسى وربما فى مرحلة مستقبلية الأمنى، لكن ستكون هذه الفرصة فى مقابل التضحية بأيديولوجيتها، أو تعديل هذه الأيديولوجية بشكل جذرى يضمن لها البقاء وحفظ ماء الوجه!
فبرغم اختلافى الجذرى مع حماس إلا أننى أحسب لها سوابق تؤكد القدرة على إظهار المرونة التنظيمية والفكرية والحركية عبر تاريخها! فمنذ أن كان مؤسسوها ينتمون إلى الإخوان المسلمين ثم تأسيسهم لما يعرف بالمجمع الإسلامى عام ١٩٧٣ كجماعة دعوية تنخرط فى المقاومة ضد سلطات الاحتلال ثم تحولها إلى حركة سياسية وعسكرية كما نعرفها الآن فى عام ١٩٨٧ مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أظهرت الحركة قدرا من المرونة والتطور على صعيد الأفكار. لكن الأهم أنه منذ هذا التأسيس الأخير، أصدرت الحركة عام ١٩٨٨ ميثاقها التأسيسى الأول والذى كان يغلب عليه الطابع الإسلامى الجهادى، وكان يؤسس لفكرة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، كما كان يقع فى خطأ التعميم بين «اليهود» و«الإسرائيليين»، و«الصهاينة» حيث كان يطلق عليهم جميعا لقب «اليهود»، ولكن عادت الجماعة لتؤكد قدرتها على التكيف مع الظروف الدولية والإقليمية المحيطة فأعادت صياغة ميثاقها عام ٢٠١٧، لتتخلى عن تلك اللهجة الجهادية الحادة، وتفرق بين اليهود والصهاينة، وتؤكد أنها مستعدة للانخراط مع باقى الفصائل الفلسطينية نحو مصالحة شاملة تكون فى صالح الشعب الفلسطينى، ثم كانت الخطوة الأهم وهى الإعلان الصريح عن قبولها لدولة فلسطينية على حدود يونيو ١٩٦٧ فى إشارة واضحة - وإن كانت غير مكتوبة - على القبول بالدولة الإسرائيلية، حتى لو عاد بعض قادة الحركة لينفوا هذا القبول لاحقا، فالوثيقة معلنة ومسجلة فى التاريخ، وبالمناسبة فأنا أرى أنها كانت خطوة مناسبة وتعبر عن المرونة وتبعد عن الجمود، أى إننى أحسبها للحركة لا عليها!
• • •
احتاج المؤسسون إلى نحو ١٤ عاما للتحول من الدعوة إلى السياسة والمقاومة (١٩٧٣-١٩٨٧)، ثم احتاجوا إلى نحو ٢٠ عاما (١٩٨٨-٢٠١٧) للتحول من فصيل إسلامى جهادى تقليدى، إلى حركة أكثر حكمة وتنظيما وفهما للظروف الإقليمية والدولية! والآن فأنا أدعى أن الحركة فى ٢٠٢٥ ليس أمامها إلا إصدار ميثاقها الثالث بعد نحو ثمانى سنوات على إصدار الميثاق الثانى، وأرى أن يكون هذا الميثاق الجديد مؤسسا لفترة انتقالية تمتد لنحو عشر سنوات، مرتكزا على ثمانى قواعد أساسية فى ضوء الظروف الراهنة:
أولا: إعلان الحركة تعديل هويتها (وربما اسمها مستقبلا) ليعكس الالتزام بإقامة دولة «قومية» فى الضفة وغزة ليس لها أى انتماءات أو ولاءات غير قومية.
ثانيا: إعلان الحركة قبولها الواضح والصريح لقرار الأمم المتحدة ١٨١ لعام ١٩٤٧ وقرار مجلس الأمن ٢٤٢ لعام ١٩٦٧ واللذين يؤسسان لحق كل من الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى فى تأسيس دولتين تتعايشان فى سلام.
ثالثا: إعلان الحركة حل مكتبها السياسى الحالى وتشكيل مكتب سياسى جديد من أجيال شابة تفهم الإسلام كهوية حضارية، بينما تفهم الدولة كالتزام قومى حصرى للشعب الفلسطينى، بينما تتحرر من الغطاء الدينى باعتبار فلسطين قضية مركزية للأمة، إلى اعتبارها قضية مركزية للإنسانية.
رابعا: إعلان الحركة تجميد كل أنشطتها المسلحة، بما فيها تجميد عمل - وليس حل - كتائب القسام لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد بحسب الظروف الإقليمية والدولية بعد هذه المرحلة الانتقالية!
خامسا: إعلان الحركة أنه وخلال هذه السنوات العشر من تجميد العمل العسكرى، سيقوم مكتبها السياسى بتشكيله الجديد بإجراء مراجعات فكرية لحين إصدار ميثاق رابع بعد هذه المرحلة الانتقالية ليعيد صياغة أفكار الحركة التنظيمية والسياسية والعسكرية.
سادسا: إعلان الحركة عن استعدادها لتسليم السلاح لمؤسسة أو لجنة تقودها وتشرف عليها جامعة الدول العربية، مع استعداد بعض القيادات الميدانية المتبقية على الأرض فى غزة المغادرة إلى مصر أو الأردن أو دولة عربية ثالثة بالتنسيق مع جامعة الدول العربية.
سابعا: إعلان الحركة أنه خلال هذه السنوات العشر الانتقالية فإن السلطة الفلسطينية أو من تخولها الأخيرة أو ما يرتضيه الشعب الفلسطينى هو الممثل الوحيد لهذا الشعب فى أى مفاوضات حالية أو مستقبلية متعلقة بحل الدولتين.
ثامنا: إعلان الحركة عن تمسكها بكل القضايا التى تمثل حقا للشعب الفلسطينى فى إطار حل الدولتين (اللاجئين، القدس، المستوطنات.. إلخ).
• • •
أعلم مقدما أن هذا المقترح غالبا ما سيقابل باستهجان وقد يتم اتهامه بالمساواة بين المجرم والضحية، أو التنازل عن حق المقاومة والدعوة للانهزامية، أو حتى الانحياز إلى الصهيونية إلى آخر هذه العبارات المكررة، لكن لو راجعت الحركة كل التطورات التى وقعت على الأرض منذ السابع من أكتوبر، ستدرك أن هذه المرحلة الانتقالية هى فى صالح غزة والقضية الفلسطينية أولا، وفى صالح الشعب الفلسطينى وحقه المشروع فى تقرير المصير ثانيا، وكذلك فى صالح بقاء الحركة دون حل ولكن فى إطار انتقالى لإعطاء الفرصة لالتقاط الأنفاس ومراجعة الأفكار، وإعادة قراءة الواقع فى الداخل وفى الإقليم، وفى السياق الدولى كذلك.
مع العلم بأن هذا المقترح وإن كان اجتهادا شخصيا منى، إلا أنه وفى الوقت ذاته، مستوحى من تجارب مشابهة – مع اختلاف السياقات بالتأكيد - فى أيرلندا الشمالية وإسبانيا وكولومبيا والفلبين ونيبال وجنوب إفريقيا!
فهل يكون لدى الحركة شجاعة القبول بهذه المرحلة الانتقالية كمفتاح لوقف نزيف الدم الفلسطينى أم سينتصر الولاء للأفكار والأحجار والشعارات على حساب البشر؟!


أستاذ مشارك فى العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر

أحمد عبد ربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر