مستقبل حقوق الإنسان في المنطقة العربية - أحمد عبد ربه - بوابة الشروق
الثلاثاء 2 سبتمبر 2025 1:22 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

مستقبل حقوق الإنسان في المنطقة العربية

نشر فى : السبت 30 أغسطس 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : السبت 30 أغسطس 2025 - 6:50 م

ليس الموضوع جديدا، فهو مطروح منذ زمن بعيد، فإن حالة حقوق الإنسان فى العالم العربى خصوصا والعالم عموما محل جدل دائم وخصوصا بعد هجمات السابع من أكتوبر، التى أظهرت الوجه القبيح للتجربة الغربية التى بدت منحازة للإنسان الأبيض ومنغمسة فى التمييز ضد غيره!

فلو تخيلنا أنه فى أى مكان فى أوروبا أو الولايات المتحدة تم وضع مجموعة من الكلاب والقطط فى حظيرة كبيرة وتم تجويعهم عمدا ثم ضربهم بالسلاح بشكل عشوائى، لقامت القيامة فى الإعلام الغربى وانتفضت الأروقة السياسية والحقوقية واصفة من يفعل ذلك بالبربرية ومطالبة بمحاكمات عاجلة لحماية حقوق هذه الحيوانات! ورغم أن المثال السابق تخيلى، لكن له نظير بشرى يحدث بنفس الطريقة للمدنيين فى غزة دون تفرقة بين صغار وكبار، امرأة ورجل، أصحاء ومرضى، لكن كما نعلم لا يمكن وصف هذه التصرفات بالبربرية على الأقل فى الأروقة الرسمية الغربية لأن الجانى يرتبط بصلات وثيقة مع الرجل الأبيض الغربى، ويقدم نفسه دائما باعتباره رأس الحربة فى الدفاع عن الغرب ضد البرابرة العرب! والحقيقة أن هذا الكلام يقال علنا فى الدوائر السياسية اليمينية الإسرائيلية والغربية بلا مواربة أو تورية، ورغم أنه لا يمكن التعميم لأنه لن يكون عادلا حيث مازالت دوائر سياسية وحقوقية وشعبية غربية تهاجم الدولة العبرية وجرائمها لكن يظل الموقف الغربى السياسى ـــــ الحقوقى فى مجمله منافقا ومنحازا!

• • •

لكن فى مقابل هذا النفاق الغربى يوجد استغلال واضح من بعض الدوائر السياسية أو الثقافية أو الحقوقية المؤممة فى المنطقة العربية للموقف الغربى والعالمى من إسرائيل لتبرير، بل وتجذير مفاهيم وسياسات انتهاك كرامة وحقوق المواطنين والمواطنات تحت دعوى انحياز المفهوم والممارسة فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان وهو ما يضع المزيد من التحديات أمام الجمعيات الحقوقية المستقلة فى العالم العربى المنشغلة بالموضوع والتى تحاول فى حدود بيئة سياسية وثقافية ومجتمعية ضاغطة ومشوهة الدفاع عن الحد الأدنى لهذه الحقوق!

أصبحت مهتما فى الشهور الأخير ــــ لأهداف بحثية بحتة ـــــ بالجدالات الحالية المتعلقة بحالة حقوق الإنسان ومستقبله سواء كانت هذه الجدالات تدور فى إطار بحثى نظرى بحت داخل الدوائر الأكاديمية، أو تلك التى تدور فى إطار عملى داخل الأروقة الدبلوماسية والحقوقية الغربية، وبعد حوالى ثلاثة أشهر من مراجعة هذه الجدالات توصلت إلى أربع ملاحظات مبدئية هى على النحو التالى:

الملاحظة الأولى: أن هناك اعترافا واضحا وشفافية كبيرة داخل الدوائر الأكاديمية والدبلوماسية والحقوقية الغربية بالتناقضات والتحديات التى تواجه التجربة الغربية ومواقفها العالمية، وبعض هذه الجدالات تتحدث صراحة عن الموقف الغربى الحقوقى من القضية الفلسطينية، وبعضها الآخر يركز على تناقضات داخلية بنيوية فى التجربة الغربية ذاتها فيما يتعلق بالتمييز ضد بعض الأقليات داخل الغرب، سواء كانت أقليات عرقية أو جندرية أو تلك المتعلقة بالمهاجرين، لكن ورغم هذا الاعتراف لا توجد توصيات واضحة داخل هذه الدوائر الغربية للكيفية التى يمكن بها معالجة هذه التناقضات فى المستقبل.

الملاحظة الثانية: هو أنه داخل الدوائر الغربية وخصوصا تلك الأكاديمية توجد حالة من الجدال النظرى الواضح حول تاريخ التجربة نفسها وما إذا كان مفهوم حقوق الإنسان يُنسب للحضارات الغربية القديمة وتحديدا اليونانية والرومانية، أو إلى عصر النهضة والتنوير الأوروبى وتحديدا بخصوص التجربة السياسية والثقافية والصناعية الأوروبية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أو إلى العصر الحديث وتحديدا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية واعتماد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان! ورغم أن هناك بعض المواقف التوفيقية، التى تحاول صياغة التطور التاريخى للمفهوم والممارسة المتعلقة به فى شكل أجيال متعاقبة، إلا أن تلك الجدالات ملفتة للنظر وفى تقديرى فهى ربما بسبب هذه التناقضات البنيوية التى أصبح الغرب يراها بوضوح فى مواقفه الأخلاقية والسياسية من القضايا الحقوقية التى لا تخص الرجل الأبيض الغربى.

الملاحظة الثالثة، أنه وبالإضافة إلى هذا الجدل التاريخى، مازال الجدل المتعلق بالخصوصية الثقافية بارزا فى النقاشات الغربية بخصوص قضايا حقوق الإنسان. هذا الجدل باختصار لمن لا يعرفه، يقول بأن المفاهيم والقضايا والسياسات المتعلقة بهذا الموضوع منحازة للقيم الغربية باعتبار قضية حقوق الإنسان وتطوره التاريخى هو ابن تلك التجربة بالأساس! ومن ثم فإن هذا الاتجاه الغربى ــــ يطلق عليه ضمن مناهج أخرى تبرز موضوع الخصوصية الثقافية عموما باتجاهات ما بعد الحداثة ـــــ لا ينبغى تعميمه أو فرضه خارج سياقه التاريخى والثقافى والجغرافي! ورغم أن هذا الاتجاه له واجهاته بكل تأكيد، كما يبدو أكثر عدلا وأكثر مراعاة للخصوصية الثقافية، إلا أن خطورته تتعلق بأنه قد ينسف مفهوم أممية أو عالمية حقوق الإنسان، ومن ثم فهو يمثل انقلابا فكريا وسياسيا على هذا الاتجاه من بعد انهيار الاتحاد السوفيتى! وفى التجربة العالمية، فقد رأينا كيف أن مثل هذه الانقلابات يتم استغلالها فى بعض الدوائر السياسية والأمنية فى المنطقة العربية لنسف المفاهيم الحقوقية من الأصل والتنكر لها تحت دعوى هذه الخصوصيات الثقافية!

وبمناسبة هذه الملاحظة، فمن التعامل عن قرب مع الأكاديميين الغربيين الذين يروجون لموضوع الخصوصية الثقافية ويطلبون ترك كل مجتمعه وحاله بخصوص الترتيب القيمى للمبادئ والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، فهم لا يقلون فجاجة وتعالى عن نظرائهم المؤمنين بتفوق الرجل الأبيض! فهؤلاء المنحازون لموضوع الحساسية الثقافية يؤمنون بتفوق الرجل الأبيض أيضا، حيث يعتبرون أنه وحده القادر عن الدفاع عن قضايا الحقوق والحريات فى حين أن غيره لا يمتلك مثل هذا التطور والوعى الحضارى ومن ثم يجب ترك هذا الآخر وشأنه! وهكذا فما يبديه هذا التيار ما بعد الحداثى من حساسية واحترام للثقافات المغايرة، ليس فى الواقع إلا عن قناعة بالانحطاط والبدائية الحضارية للشعوب غير الغربية!

أما الملاحظة الرابعة والأخيرة فهى أنه هناك مشاريع بحثية وحقوقية جديدة فى مجال حقوق الإنسان تتعامل مع قضايا جديدة متعلقة بالتطور التكنولوجى ومستقبل القضايا الحقوقية ولا سيما التطورات الحادثة فى مجال الذكاء الاصطناعى. وفيما يتعلق بهذا التطور الأخير، فإنه بالإضافة إلى القضايا التقليدية المتعلقة بالتكنولوجيا ومدى إمكانية استخدامها لاختراق الحياة الخاصة للمواطنين والتصنت عليهم، بل والحصول عن معلومات بشكل غير طوعى عن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية وتوجهاتهم الجنسية وتفضيلاتهم الاستهلاكية بالإضافة إلى معلومات أخرى متعلقة بصحتهم وتعليمهم، فإنه هناك طابور جديد من القضايا التى يتم مناقشتها تحديدا بخصوص الذكاء الاصطناعى والتمييز الإثنى الذى قد يقع على البشر فى المستقبل!

وبخصوص هذه القضية الأخيرة، فقد خصصت دراسات بحثية بالإضافة إلى اجتماعات أممية الكثير من الوقت والجهد والموارد لبحث الطريقة التى قد تؤثر بها عملية «الأتمتة»، أى إحلال الآلة محل الإنسان ليس فقط فى مجال السلع والخدمات، ولكن أيضا فى مجالات التعليم والصحة وغيرها من الخدمات العامة على مستقبل البشر! وبالإضافة إلى ذلك، فهناك تركيز بحثى آخر مرتبط بالقضايا المتعلقة بالطريقة التى يتم تدريب آليات الذكاء الصناعى وخوارزميته وما قد يتعلق بذلك من قضايا مأسسة التباين والتمييز بين الفئات المجتمعية المختلفة أمنيا، وسياسيا، وثقافيا، واقتصاديا!

• • •

بعد تجديد معلوماتى البحثية بخصوص التطورات الجديدة العالمية المتعلقة بالموضوع، وجدت نفسى أتساءل عن مستقبل هذه القضية فى المنطقة العربية؟ فإذا كنا مازلنا نتجادل حتى الآن حول أبسط الحقوق المتعلقة بالبشر كحق الحياة، والحق فى المحاكمات العادلة، ناهينا عن قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الحقوق السياسية، فماذا عن قضايا حقوق الإنسان المرتبطة بالتطور التكنولوجى؟ كيف يمكن للبشر فى منطقتنا الحصول على هذه الحقوق فى وقت نحن لسنا أكثر من مستهلكين للتكنولوجيا؟ وهل يعنى ذلك أن تلك الفجوة الإنسانية ــــ الحضارية قبل السياسية أو الحقوقية بين الناس فى عالمنا، والناس فى عالمهم ستزداد على ما هى عليها الآن؟

 

 

 

أحمد عبد ربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر