نشر مركز Global Research مقالا للكاتب تيموثى جوزمان تناول فيه حادثة هجوم إسرائيل على السفينة الأمريكية (يو إس إس ليبرتي) خلال حرب 1976، وتحديد هدف إسرائيل الرئيسى من محاولاتها إقحام الولايات المتحدة فى حروب فى الشرق الأوسط تضعف دول المنطقة حتى يتحقق ما تسعى له إسرائيل من السيطرة على الأراضى العربية، وهى نفس الاستراتيجية التى نراها الآن فى محاولات إسرائيل إشعال حرب بين إيران وأمريكا.. نعرض منه ما يلى.يوم الثامن من يونيو عام 1967، هو يوم يجب على العالم تذكره، وهو اليوم الذى هاجمت فيه إسرائيل السفينة الأمريكية (يو إس إس ليبرتي)، وهى سفينة تجسس تابعة للبحرية الأمريكية فى حرب الأيام الستة. ولكن لماذا هاجمت إسرائيل سفينة تابعة لدولة تعد من أخلص حلفائها؟ فهل كان الهجوم خطأ أم متعمدا؟
الآن، تحاول إسرائيل بجميع الطرق إيقاف المشروع النووى الإيرانى، ولكن السؤال هو كيف ستحقق هذه المهمة؟ سيفعل نتنياهو أى شيء لمنع واشنطن من إعادة الاتفاق النووى مع إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق عام 2017.
هل من أجل القضاء على البرنامج النووى الإيرانى، ستقوم إسرائيل بالتخطيط لعملية أخرى كاذبة تدخل الولايات المتحدة على إثرها فى حرب ضد إيران؟ كم هنالك من الوقت حتى تقحم إسرائيل الولايات المتحدة فى حرب أخرى فى الشرق الأوسط؟ هذا ليس ببعيد، فإسرائيل تسببت فى دخول الولايات المتحدة فى حرب فى العراق على مزاعم أن الأخيرة تمتلك أسلحة دمار شامل، وهو دور لعبت فيه حكومة إسرائيل بقيادة نتنياهو وأجهزة اللوبى التابعة لإسرائيل فى أروقة الكونجرس دورا كبيرا.
خلال حرب الأيام الستة عام 1967، وقع حادث سفينة (يو إس إس ليبرتي)، وهى سفينة تجسس تحمل طائرات وطوربيدات تابعة للبحرية الأمريكية. ضربت إسرائيل السفينة وقتل 34 وأصيب 171 آخرون. كانت السفينة الأمريكية فى المياه الدولية شمال شبه جزيرة سيناء فى ذلك الوقت. صرحت الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية أن الحادثة كانت خطأ، بينما قال أفراد الطاقم الذين كانوا على متن السفينة إن الهجوم كان متعمدا. فأين تكمن الحقيقة؟
خلال الحرب، حافظت الولايات المتحدة على وضعها كدولة محايدة، وقبل أسبوع من اندلاع الحرب، أُمرت السفينة «ليبرتى» بالتوجه إلى شرق البحر الأبيض المتوسط للقيام بمهمة جمع معلومات استخبارية بالقرب من الساحل الشمالى لسيناء. أثناء المهمة، حلقت القوات الجوية الإسرائيلية فوق السفينة مدعية أنها كانت تبحث عن غواصات مصرية تم رصدها من قبل بالقرب من الساحل. حوالى الساعة 2 مساء، أرسل سلاح الجو الإسرائيلى مقاتلتين للتأكد من السفينة التى زعموا أنها لا تحمل «علامات مميزة» أو أى علم على السفينة. ثم تعرضت حاملة الطائرات «يو إس إس ليبرتى» للهجوم من قبل طائرات وطوربيدات إسرائيلية.
استطاع من على السفينة تنظيم أنفسهم وقت الهجوم والاتصال وطلب المساعدة. تلقت طائرتان مقاتلتان أمريكيتان نداء الاستغاثة وكانتا فى طريقهما إلى تقديم المساعدة، ولكن فى تحرك غريب وصلت أوامر من واشنطن بوقف العملية. علمت إسرائيل أن المقاتلتين الأمريكيتين كانتا فى طريقهما، ولذلك أمرت على الفور بوقف الهجوم وعادت الطوربيدات والطائرات العسكرية بسرعة إلى القاعدة. أبلغت إسرائيل واشنطن أنها هاجمت خطأ سفينة أمريكية. والجدير بالذكر أن الرئيس جونسون قال فيما بعد إنه لم يأبه لغرق السفينة، ولكنه لم يكن ليقوم بإحراج حليف.
***
فى 2007، أتيحت معلومات جديدة متعلقة بالهجوم الإسرائيلى. ونقلا عن أكثر من عشرين من قدامى المحاربين بالبحرية الأمريكية الذين نجوا من الهجوم، فإن الحكومة الأمريكية تسترت على هذا الهجوم الإسرائيلى. وأشارت الوثائق أيضا أن الحكومة الأمريكية، التى حرصت على الحفاظ على سمعة حليفها، قد أغلقت القضية بسرعة ولم تقم بإجراء تحقيقات كافية.
هل عرفت إسرائيل أن تلك السفينة أمريكية؟ فى فجر يوم 8 يونيو، ظهرت الطائرات الإسرائيلية وحلقت فوق ليبرتى مرارا وتكرارا، بعد أن سيطر سلاح الجو الإسرائيلى على الأجواء فى اليوم الأول من الحرب من خلال تدمير سلاح القوات الجوية المصرية. كانت أمريكا حليف إسرائيل، وعرف الإسرائيليون بتواجد الأمريكيين. فالسفينة كانت مهمتها مراقبة الاتصالات بين العرب والسوفييت، ولكن ليست الاتصالات الإسرائيلية. والسفينة كانت على بعد 13 ميلا من شبه جزيرة سيناء. ووقت الهجوم كان البحارة الأمريكيون على سطح السفينة فى وقت راحة.
اعترفت محكمة تحقيق عسكرية إسرائيلية بأن القيادة البحرية الإسرائيلية علمت قبل الهجوم بثلاث ساعات أن السفينة ذات المظهر الغريب كانت «سفينة المراقبة الصوتية الكهرومغناطيسية التابعة للبحرية الأمريكية». ولكن خلصت المحكمة أن هذه المعلومات ضاعت ولم تصل إلى المراقبين الأرضيين الذين شنوا الهجوم الجوى أو هجوم الطوربيدات.
يمكن اختزال الجدل فى سؤال واحد، هل كانت ترفع السفينة العلم الأمريكي؟ وهل كان مرئيا؟ اجتمع الناجون من الهجوم على أن العلم كان يحلق فوق السفينة قبل وأثناء وبعد الهجوم، باستثناء فترة قصيرة تم فيها استبدال علم تم إسقاطه بعلم آخر أكبر. فى ختام إحدى وثائق وكالة الأمن القومى التى رفعت عنها السرية ذكر أن «المقابلات الرسمية مع العديد من أفراد طاقم سفينة ليبرتى قدمت دليلًا على أن السفينة كانت ترفع علمًا أمريكيًا. علاوة على ذلك، كانت الظروف الجوية مثالية لضمان سهولة مراقبتها وتحديد هويتها».. وفى حين أن المحكمة الإسرائيلية فى تحقيقها ذكرت أن السفينة لم ترفع أى علم، ذكر ستيف فورسلند، وهو محلل استخباراتى إسرائيلى رفيع المستوى، أن محطة التحكم الأرضية الإسرائيلية ذكرت أن الهدف كان أمريكيا، وأن الطائرات الإسرائيلية قبل الهجود أكدت ذلك، إلا أن محطة التحكم أمرت بتنفيذ الهجوم وإغراق السفينة وقتل كل من عليها.
وفى مقابلة مع أوليفر كيربى، نائب مدير وكالة الأمن القومى للعمليات أثناء الهجوم على سفينة ليبرتى، أكد ما قيل فى تقارير وكالة الأمن القومى بأن إسرائيل رأت العلم الأمريكى من خلال ما سمعه «هل يمكنك رؤية العلم؟» قالوا «نعم.. إنها الولايات المتحدة.. الولايات المتحدة».. «قالوا ذلك عدة مرات، ولم يكن هناك شك أنهم يعرفون».
***
بعد عقد من الزمان، قررت صحيفة هاآرتس إعادة النظر فى حادثة يو إس إس ليبرتى فى مقال لها.. «لكن سيدى، إنها سفينة أمريكية». «لا تهتم، اضربها!».. عندما هاجمت إسرائيل يو إس إس ليبرتى ادعت إسرائيل أن الهجوم كان خطأ. اعتذرت إسرائيل وقدمت تعويضات لأفراد طاقم السفينة أو عائلاتهم بأموال دافعى الضرائب الأمريكيين والمساعدات التى يتلقونها من واشنطن.
فى كتاب بعنوان «تذكر ليبرتى.. غرقت بسبب الخيانة فى أعالى البحار» للكاتب فيليب نيلسون وإرنيست جالو ورونالد كوكال وفيليب تورنى (بعضهم نجوا من الهجوم)، ذكر بالتفصيل ما حدث وقت الهجوم، ولكن ما أغفله الكتاب هو الإجابة عن التساؤل حول مصلحة إسرائيل فى إغراق السفينة؟ الإجابة الصحيحة هى أن إسرائيل أرادت أن تورط الولايات المتحدة فى حرب كان من الممكن أن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة فى ذلك الوقت. ولكن ما اعتقده الكتاب أن الرئيس جونسون هو الذى خطط للهجوم، لإلقاء اللوم على الرئيس المصرى جمال عبدالناصر، وبعدها دفع القوات الأمريكية للانضمام إلى إسرائيل فى حربها ضد العرب.. صحيح أن إسرائيل لديها خطة بعيدة المدى لتدمير جيرانها العرب والتوسع خارج حدودها وامتلاك مزيد من الأراضى بمساعدة أمريكية، وصحيح أيضا أن جونسون وافق على خطة الهجوم على السفينة الأمريكية، ولكنه ليس صحيحا أن جونسون كان العقل المدبر، بل دمية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
***
استمرت إسرائيل منذ الهجوم على سفينة ليبرتى فى شن حروب عديدة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط بمساعدة الولايات المتحدة. حروب إسرائيل أدت إلى تدمير لبنان وسوريا، وإزالة العقبة الأكبر فى ذلك الوقت، العراق. حيث لعبت إسرائيل دورا فعالا فى الفترة التى سبقت غزو واحتلال العراق من خلال اللوبى المؤيد لإسرائيل «إيباك».
الهجوم على السفينة كان متعمدا، والسبب الوحيد وراءه هو دفع الولايات المتحدة للدخول فى الحرب، حتى تتمكن إسرائيل من التنحى جانبا والمحافظة على جنودها، وترك المهمة لأمريكا فى محاربة الدول العربية. وما زالت خطة إسرائيل للسيطرة على الشرق الأوسط مستمرة حتى يومنا هذا. وتهدف إلى زعزعة استقرار إيران لأنها واحدة من آخر العقبات المتبقية لتعزيز سيطرتها وهيمنتها على الدول العربية. السبب وراء رغبة إسرائيل فى تدمير إيران هو أنها يمكن أن تكون قوة اقتصادية وسياسية فى الشرق الأوسط خاصة مع ما تملكه من علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع الصين وروسيا.
خلاصة القول إن كل هذا يتناسب مع الخطة الصهيونية للشرق الأوسط، وتحقيق دولة يهودية تحت حكم «الله» تمتد من النيل للفرات وتشمل أجزاء من سوريا ولبنان. يمكن لإسرائيل الشروع فى عملية أخرى كاذبة حتى تتمكن من إلقاء اللوم على إيران وإجبار الولايات المتحدة على حرب أخرى لا يمكن الانتصار فيها فى الشرق الأوسط.
هل تنجح إسرائيل؟ لسوء الحظ، قد يكون الجواب نعم.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنىالنص الأصلى