50 عاما من الاحتلال 50 كذبة - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

50 عاما من الاحتلال 50 كذبة

نشر فى : الجمعة 2 يونيو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 2 يونيو 2017 - 9:35 م
لنفترض أن الاحتلال مبرّر، وأنه لم يكن لدى إسرائيل خيار آخر. ولنفترض أيضا أن هذا ليس احتلالا، وأن القانون الدولى اعترف به، والعالم هلل له، والفلسطينيون يشعرون بالامتنان لوجوده. لكن مع ذلك ثمة مشكلة واحدة صغيرة تحوّم حوله: إنه بكليّته يستند إلى أكاذيب. إنه منذ بدايته وإلى نهايته الآخذة فى الابتعاد، عبارة عن كم هائل من الأكاذيب، ولولا أكاذيبه هذه لكان انهار منذ زمن طويل، جراء عفونته. وتكفى هذه الأكاذيب، التى يتباهى اليمين بجزء منها («من أجل أرض إسرائيل مسموح الكذب«)، لجعل كل إنسان عاقل يكرهه، من دون الحاجة إلى معرفة فظائعه الأخيرة كى يقتنع.
بدأ الأمر مع مسألة تسمية الأراضى الفلسطينية، إذ قررت إذاعة «صوت إسرائيل» تسميتها «المناطق المحتفظ بها»، وكانت هذه كذبة رقم واحد. فقد ادّعوا يومها أن الاحتلال ظاهرة مؤقتة، وأن إسرائيل تنوى إخلاء المناطق التى هى ليست إلاّ عبارة عن «أوراق مقايضة» من أجل تحقيق السلام. وكانت هذه أكبر الأكاذيب وأكثرها تأثيرا، والتى أوصلت إلى الاحتفال بمرور اليوبيل الأول على الاحتلال. أمّا الحقيقة فهى أن إسرائيل لم تنو يوما إنهاء الاحتلال، وقد أتاحت لها كذبة الاحتلال الموقت تخدير العالم وتضليله.
أمّا الكذبة الكبيرة الثانية فهى الادعاء بأن الاحتلال هدفه خدمة حاجات إسرائيل الأمنية، والدفاع عن النفس من جانب شعب مطارد من الأعداء وضعيف.
الكذبة الثالثة هى «عملية السلام» التى لم تحدث فعلا، والتى هدفت هى أيضا إلى كسب مزيد من الوقت لمصلحة الاحتلال. وهذه الكذبة حبلها طويل، وشارك العالم فيها، وهو يواصل الكذب على نفسه، وسطاء يعرضون خطط سلام (متشابهة كلها)، ويعقدون مؤتمرات وجولات محادثات وقمم، وحوارات، هى فى أغلبيتها عبارة عن كلام فارغ، لأن الافتراض أن إسرائيل تفكر فى إنهاء الاحتلال هو فى الأساس كذبة.
• وبالنسبة إلى الكذبة الرابعة فهى طبعا المشروع الاستيطانى. فهذا المشروع بدأ بالكذب وكبر به وتأسس عليه. فلم تقم مستوطنة واحدة بشكل نزيه، بدءا من تمضية الليل فى فندق بارك فى الخليل مرورا بـ«معسكرات العمل» و«معسكرات الحراسة» و«الحفريات الأركيولوجية» و«المحميات الطبيعية» و«المناطق الخضراء» و«مناطق إطلاق النار» و«أراض يجب مسحها»، ومواقع وأعمال توسيع وكل الاختراعات والتلميحات وصولا إلى الكذبة الكبرى فى هذا المجال وهى «الأراضى التابعة للدولة»، والتى لا توازيها فى حجمها سوى كذبة «الغائبين الحاضرين».
كذب المستوطنون والسياسيون، وأيضا الجيش والإدارة المدنية، وكلهم يكذبون على أنفسهم وعلى الآخرين. ومن فكرة الحراسة الليلية لهوائى ولد مشروع استيطانى ضخم، ومن تمضية نهاية أسبوع فى فندق حدث الأسوأ.
إن الوزراء الذين وافقوا، وأعضاء الكنيست الذين غضوا الطرف، والضباط الذى وقعوا، والصحفيين الذين غطوا، جميعهم كانوا يعرفون الحقيقة. كما أن الأمريكيين الذين «أدانوا»، والأوروبيين الذين «غضبوا»، والجمعية العامة للأمم المتحدة التى «ناشدت»، ومجلس الأمن الذى «قرر»، لم تكن لديهم نية التحرك الفعلى. إن العالم أيضا يكذب على نفسه، وهذا مريح للجميع.
يبدو مريحا للجميع أيضا نشر الأكاذيب اليومية التى لا نهاية لها، والتى تغطى على جرائم الجيش الإسرائيلى وحرس الحدود والشاباك ومصلحة السجون والإدارة المدنية ــ جميع آليات الاحتلال. وبالإضافة إلى استخدام اللغة المكررة، لغة الاحتلال، التى تتبناها وسائل الإعلام بسرور، إلى جانب الأعذار والتبريرات. لا يوجد كذبة فى إسرائيل مثل كذبة الاحتلال، ولا يوجد ائتلاف واسع يدعم هذا الاحتلال بتفان ويقويه مثل الائتلاف الموجود. ديمقراطية لديها ديكتاتورية عسكرية متوحشة، وجيش لا أخلاقى قتل خلال صيف واحد أكثر من 500 صبى و250 امرأة، هل ثمة من يعتقد بوجود هذا القدر من الكذب على النفس؟ وهل ثمة خداع للنفس أكثر من الفكرة السائدة فى إسرائيل بأن كل شىء فرض علينا وأننا لم نكن نرغب فيه، وأن العرب هم المتهمون؟
لم نقل شيئا عن كذبة حل الدولتين، وعما إذا كانت إسرائيل ترغب فعلا فى السلام، وكذبة النكبة وطهارة السلاح، وكذبة العالم كله ضدنا، وكذبة أن الطرفين متهمان.
بدءا بكذبة «لن نسامح العرب على أننا أجبرنا أولادنا على قتلهم»، وانتهاء بكذبة «الشعب ليس محتلا فى أرضه». شهدنا الكذبة تلو الكذبة. وهذا الأمر لم يتوقف حتى اليوم. 50 عاما من الاحتلال، و50 شكلا من الأكاذيب. والآن؟ 50 سنة أخرى؟

جدعون ليفى
محلل سياسى
هاآرتس
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

التعليقات