السياسة والأمن والمجتمع في شرق آسيا.. التقارب الياباني- الكوري - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة والأمن والمجتمع في شرق آسيا.. التقارب الياباني- الكوري

نشر فى : السبت 2 سبتمبر 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 2 سبتمبر 2023 - 7:40 م
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء وهزيمة اليابان، ورغم التحالف اليابانى ــ الأمريكى من ناحية، والكورى ــ الأمريكى من ناحية أخرى على مدى سنوات ما بعد الحرب، لم تتمكن الولايات المتحدة أبدا من الوساطة بين حليفتيها لإحداث تقارب استراتيجى بينهما، فظل التاريخ الدموى بين البلدين عالقا فى ذهن الشعب الكورى ولم تتمكن التهديدات الإقليمية القادمة من كوريا الشمالية من إقناع قادة الدولتين بالتقارب رغم إعادة العلاقات الدبلوماسية رسميا فى ١٩٦٥.
كان التاريخ هو صاحب كلمة الحسم دائما فى علاقات الجارتين، فعلى الرغم من التجاور الجغرافى والحليف الأمريكى والعدو الكورى الشمالى المشترك والمنافس الصينى والتقارب بين بنية النظامين الديمقراطية ــ بعد تحول النظام السياسى فى كوريا الجنوبية فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى إلى الحكم الديموقراطى، ظلت فظائع اليابان فى فترة احتلال (ضم) شبه الجزيرة الكورية (١٩١٠ــ١٩٤٥) وما تبعها من قضايا مثل أزمة التعويضات وتردد اليابان فى الاعتذار الصريح للجانب الكورى، بالإضافة إلى العديد من الخلافات الحدودية الأخرى هى العائق الأهم فى تطوير العلاقات بين البلدين إلى مستوى التحالف الاستراتيجى، ورغم الجهود الأمريكية المتكررة فى هذا الصدد، وكذلك رغم الكثير من اللقاءات الدبلوماسية بين المسئولين اليابانيين والكوريين الجنوبيين فى طوكيو وسول وواشنطن إلا أن التاريخ ظل عائقا بين تطور العلاقات اليابانية ــ الكورية، بل وتعرضت العلاقات فى السنوات الخمس الأخيرة للكثير من المتاعب والصعاب وانعكس ذلك فى شكل تلاسن دبلوماسى وانتقادات سياسية حادة بين الطرفين عبرت عن حقيقة السلام البارد بينهما!
• • •
إلا أن تداعيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية غيرت من هذا السلام البارد ودفعت قادة الدولتين للاستجابة إلى دعوات التقارب التى تقودها الدبلوماسية الأمريكية تحت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن والتى توجت بمؤتمر كامب ديفيد الأخير الذى عقد فى ١٨ أغسطس الماضى بين قادة الدول الثلاث وخرج بـ«بيان مبادئ»، عرف إعلاميا أيضا باسم «مبادئ كامب ديفيد» ليشكل حقبة جديدة من العلاقات الثنائية بين الغريمتين الآسيويتين!
لعل أهم ما ورد فى بيان المبادئ هو قرار الدول الثلاث بالاجتماع سنويا على مستوى القادة، وكذلك على مستويات وزراء الدفاع والخارجية ومستشارى الأمن القومى بالإضافة إلى عدة مستويات وزارية أخرى للتنسيق! كذلك قررت الدول الثلاث أن الاجتماعات الدورية ستغطى كل سبل التعاون والتنسيق بين الدول فى مجالات الدفاع والأمن بما فيها عقد تدريبات عسكرية ثلاثية مشتركة والتعاون فى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والطبية والثقافية والإعلامية والتنسيق لمواجهة ما أسماه الإعلان بـ«المعلومات المضللة» فى السياسة الخارجية والتى دون أن يسمى مصدرها لكن يفهم من السياق أن المقصود بها المعلومات القادمة من الصين وروسيا وحلفائهما!
هذه الخطوة مثلت نجاحا فى السياسة الخارجية الأمريكية فشلت فى تحقيقه الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن التغيرات الدولية على الساحتين الروسية والصينية جعلت فرص الجمع بين الجانبين الكورى واليابانى ممكنة أخيرا! صحيح أنها ليست المرة الأولى لتكثيف التعاون بين الدول الثلاث، إذ إنه تحت قيادة الثلاثية (أوباما ــ شينزو آبى ــ بارك جيون هى)، تمكنت الدول الثلاث من تحقيق بعض التقارب، إلا أن الأمر لم يصل أبدا إلى إعلان مبادئ يشمل كل هذا الحجم من التعاون والتنسيق!
بالإضافة إلى الاتفاق على المؤتمر السنوى على مستوى القمة وكذلك على مستوى الوزراء بالإضافة إلى التدريبات العسكرية المشتركة، اتفقت الدول الثلاث فى كامب ديفيد أيضا على عدة نقاط أخرى، أبرزها؛ الالتزام بالتشاور الدورى فى قضايا الأمن الإقليمى والعالمى، إشراك دول جنوب شرق آسيا والمحيط الهادى فى حوار استراتيجى حول قضايا الأمن العالمى، وتطوير التعاون فى مجال الصواريخ الباليستية الدفاعية للحفاظ على أمن شرق آسيا والمحيط الهادئ والهندى.
كذلك فقد كانت واحدة من أهم مخرجات كامب ديفيد هو الاتفاق على دعم عمليات التنمية من خلال مؤسسات التمويل فى البلدان الثلاث. وفى هذا الصدد، فإن هيئة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، وبنك اليابان للتعاون الدولى، وبنك التصدير والاستيراد الكورى، بصدد توقيع مذكرة تفاهم لتمويل برامج البنية التحتية فى مجالات التكنولوجيا والاتصالات فى دول المحيط الهندى والهادئ المتحالفة مع الدول الثلاث.
كذلك فقد اتفقت الدول الثلاث على تطوير وتعزيز شراكتهم فى المجال الأمنى البحرى بتطوير قدرات خفر السواحل وإنفاذ القوانين البحرية مع حلفائهم فى جنوب شرق آسيا ودول المحيط الهادئ. ونفس الأمر ينطبق على مجال مساعدات التنمية حيث ستقوم هيئة التعاون اليابانية الدولية (جايكا)، وهيئة التعاون الدولية الكورية (كويكا)، وكذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID مع وزارات الخارجية بالدول الثلاث بوضع إطار لمساعدات التنمية وتعريف أولويات الدعم الإنسانى والتنموى لأماكن مختلفة من العالم مع التركيز مرة أخرى على دول جنوب شرق آسيا ودول المحيط الهادئ!
وأخيرا وليس آخرا، اتفقت الدول الثلاث على تطوير نظم إنذار مبكر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى للإبلاغ عن أى احتمالات لتعطل نظم إمداد البضائع العالمية ولا سيما إمدادات الغذاء والمعادن والبطاريات القابلة لإعادة الشحن لاتخاذ ما يلزم من خطوات لتجنب أى أزمات أو تهديدات فى نقل السلع الحيوية عالميا!
• • •
رغم الاحتفاء فى الدول الثلاث بنجاح المؤتمر وبالتوصل لإعلان المبادئ، إلا أن هناك بعض الانتقادات والمخاوف التى عبر عنها بعض المتابعين لهذا التطور، ولعل أهم هذه المخاوف هو أن المؤتمر مازال يغيب عنه الالتزام المؤسسى، إذ إنه ورغم كل هذه التنسيقات لكن لم ينتج عن المؤتمر الثلاثى اتفاقا دوليا ملزما، فإذا ما تم الأخذ فى الاعتبار تأثر التعاون الثلاثى بين هذه الدول تاريخيا بالعلاقات الشخصية بين قادتها أو حتى مدى التزام القادة مستقبلا بمخرجات هذا المؤتمر قياسا على ما حدث فى فترة ترامب حين انهار التعاون الثلاثى هذا، فإن هذه المخاوف يكون لها ما يبررها!
أما التخوف الآخر فهو تخوف فى الداخل الكورى، فرغم أن هناك احتفاء فى كوريا الجنوبية بالمؤتمر وبتحسن العلاقات مع اليابان وبتطوير التحالف مع الولايات المتحدة إلا أن هناك شعورا عبر عنه بعض المعلقين فى كوريا بأن هذا المؤتمر قد يسهم فى زيادة الاستقطابات فى منطقة شرق آسيا قد يجر كوريا الجنوبية إلى صراعات اليابان التاريخية مع الصين وهو أمر يرى عدد من الكوريين الجنوبيين أنه حتما ليس فى صالحهم!
كذلك فقد انتقد بعض قادة المعارضة فى كوريا الجنوبية المؤتمر كون أن القيادة السياسية هناك لم تحصل على اتفاق ودعم مجتمعى وسياسى من الداخل الكورى وبالتالى فرغم أهمية وخطورة القضايا التى ناقشها المؤتمر وأعلن الرئيس الكورى الجنوبى الالتزام بها، إلا أن هذا لا يعكس توافقا داخل كوريا الجنوبية وهو أمر محل نقد كبير الآن هناك! فى اليابان، يوجد ترحيب كبير بالمؤتمر أيضا، ورغم بعض النقد هنا وهناك، إلا أن القناعة العامة، أن تلك هى الخطوة الصحيحة لمواجهة تحديات الصين وروسيا وكوريا الشمالية!
• • •
يبقى الوضع ملتهبا عالميا وإقليميا فى شرق آسيا، فالصين رفضت نتائج المؤتمر ووصفته بأنه محاولات لعزلها حيث وصفت المتحدثة باسم الخارجية الصينية المؤتمر بالتدخل السافر فى الشأن الداخلى الصينى ومحاولة زرع الفتنة فى المنطقة! والمؤكد أن خارطة التحالفات الدولية تتغير بشكل أسرع عن أى وقت مضى منذ الغزو الروسى لأوكرانيا، ويبقى مستقبل النظام العالمى فى غموض!
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر