نحو مشروع عربي جزئي مرن - سماء سليمان - بوابة الشروق
الأربعاء 3 سبتمبر 2025 7:51 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

نحو مشروع عربي جزئي مرن

نشر فى : الثلاثاء 2 سبتمبر 2025 - 6:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 2 سبتمبر 2025 - 6:38 م

نعيش فى الوطن العربى واقعا مغايرا لطموحات الماضى وسط تحديات بنيوية وتحولات إقليمية ودولية تعيد تشكيل خرائط النفوذ والتحالفات، حيث بات من الضرورى إعادة التفكير فى مشروع عربى، ليس كحلم مثالى قائم على العاطفة، بل كخطة واقعية مرنة، تستند إلى المصالح المتبادلة والاستقرار النسبى لبعض الدول، مع قابلية التوسع التدريجى.

لا نستطيع أن ننكر أن واقعنا أثبت أن فكرة التكامل العربى الشامل، كما طُرحت فى القرن العشرين، اصطدمت بعوائق سياسية واقتصادية وأمنية، أهمها التفاوت الكبير فى مستويات الاستقرار، وتضارب الأولويات الوطنية، فضلًا عن الإرث التاريخى من الصراعات البينية.

ونتيجة لذلك كله، أصبحت الدول العربية الأكثر استقرارًا أكثر ميلًا إلى مقاربة انتقائية ومرنة للتعاون العربى.

لا يسعى هذا النمط الجديد من «التعاون المرن» إلى وحدة اندماجية تقليدية، بل إلى بناء مسارات تنسيقية وتكاملية فى ملفات محددة، انطلاقًا من توافقات عملية بين الدول القادرة على تنفيذها.

يصعب أن ننكر أن هناك دولا عربية تُظهر اهتماما حذرا ومشروطا بفكرة التعاون العربى، وتفضل أن تقود مبادرات إقليمية طموحة، وتستثمر فى مشاريع عابرة للحدود، لكنها تتجنب الانخراط العميق مع الدول المضطربة.

ودول أخرى تتبع مقاربة براجماتية تركّز على التحالفات الثنائية والثلاثية مع دول مستقرة اقتصاديا وأمنيا، وتتجنب الالتزامات الإقليمية الواسعة.

ودول ثالثة تفضل أن تنخرط فى دعم ناعم عبر الإعلام والتعليم والاستثمار، وتلعب أدوار وساطة فى النزاعات، لكنها تُبقى على استقلالية واضحة عن التكتلات العربية التقليدية.

وهذه السياسات، وإن بدت متباينة إلا أنها تتقاطع فى قاسم مشترك وهو الرغبة فى شراكات ناجحة ومحددة، تنأى بنفسها عن العبء السياسى وتُحقّق عائدا استراتيجيا واقتصاديا ملموسا.

هنا يبرز تساؤل مهم وهو: من أين نبدأ؟ وأستطيع أن أقول إننا كعرب يجب أن نبدأ بمشروع تعاون جزئى مرن من خلال تشكيل تكتل مصغّر تحت مظلة جامعة الدول العربية يضم الدول المستقرة والراغبة فى التعاون وفق مبادئ واضحة وهى الشراكة المتوازنة، احترام السيادة، والأولوية للملفات القابلة للنجاح، وأن تكون آليات المشروع هى لجان تنسيق قطاعية، مشاريع استثمارية مشتركة، مجالس تنموية واقتصادية إقليمية، فى مجالات مثل الطاقة، الأمن الغذائي، الربط التكنولوجى، البنية التحتية، التعليم المشترك، على أن يكون المشروع قابل للتوسع لاحقًا لضم دول أخرى عند تحسن أوضاعها.

فى هذا السياق، يبرز دور مصر كفاعل محورى للقيام بهذه المبادرة، من خلال الجامعة.

لقد آن الأوان لنا كعرب أن ننطلق من هذا الواقع المغاير لطموحات الماضى، وأن نتجاوز الخطاب العاطفى الذى لم يعد صالحًا فى مواجهة تعقيدات اليوم، وبالتالى المطلوب هو تعاون عربى واقعى ومرن، يبدأ من الدول التى تملك الإرادة والقدرة، ويمنح الأولوية للمشاريع التى تُحدث فارقًا حقيقيًا فى حياة الشعوب.

ويجب أن تلعب مصر دورا محوريا فى هذا المشروع كجسر بين المشرق والمغرب، وبين العقلانية لبعض الدول والاحتياجات العربية الأوسع، بما يعيد تشكيل العالم العربى اليوم بكل تعقيداته، انطلاقا من منصة مسئولة وعملية، لا من شعارات تجاوزها الزمن.

سماء سليمان وكيل لجنة الشئون الخارجية والعربية والأفريقية بمجلس الشيوخ
التعليقات