حتى لا تضيع الديمقراطية العربية في المتاهات - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى لا تضيع الديمقراطية العربية في المتاهات

نشر فى : الأربعاء 2 ديسمبر 2020 - 9:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 ديسمبر 2020 - 9:35 م

فى مقال الأسبوع الماضى بينا أهم العوائق المجتمعية والثقافية العربية التى تقف فى وجه الانتقال من الأنظمة الأوتوقراطية المستبدة إلى أنظمة ديمقراطية عربية، بحيث تأخذ الديمقراطية بعين الاعتبار تراث وحاضر وتطلعات المجتمعات العربية وقيم حقوق الإنسان المعاصرة.
ولما كانت هناك تباينات فيما بين الأنظمة الديموقراطية عبر العالم، كمنطلقات وأهداف وممارسات وتنظيمات، أصبح لزاما أن يطرح للمناقشة السؤال الآتى: أية منطلقات وأهداف وممارسات ينبغى أن تتميز بها الديموقراطية العربية المنشودة؟
أولا، لقد هيمنت على أدبيات الديمقراطية السائدة مقولة إن المنطلق الأساسى لأى نظام ديمقراطى هو القيم الليبرالية من مثل حرية الفرد فى المعتقد والتعبير والسلوك الاجتماعى والاستقلالية الفردية المنغلقة على الذات وغير المعنية والملتزمة إلا لماما، ومن خلال التصويت فى الانتخابات الدورية، بالشأن العام.
وبالطبع رافق الإيمان بتلك الحريات الفردية مطالب سياسية كحرية تكوين الأحزاب وتمثيل المجتمع من قبل نواب منتخبين، وفصل السلطات، وتناوب السلطة، واستقلال القضاء، ومطالب اقتصادية كحرية الأسواق وجمع الثروات وتراكمها وعدم تدخل الدولة إلا لماما، فى الشأن الاقتصادى، وبالتالى التأكيد على الارتباط الوثيق بين الليبرالية والرأسمالية، وكذلك مطالب فلسفية من مثل قيم العقلانية والتقدم الإنسانى المستمر، ومطالب اجتماعية من مثل العلمانية وجعل الدين شأنا فرديا وليس مجتمعيا.
وباختصار كانت الحرية بشتى أشكالها والفردية بشتى صورها هى المنطلق الأساسى للديمقراطية الليبرالية الغربية الرأسمالية التى سادت عبر القرون الأربعة الماضية، وما زالت تهيمن على الفكر السياسى العولمى حاليا تحت شعار النيوليبرالية.
أمام تلك الصورة الثقافية السياسية للديمقراطية، والتى تكونت عبر قرون، والتى مرت بتحولات وإضافات ومراجعات وأزمات، ومع ذلك يصر أهلوها وبعض العرب الواقعين تحت سحرها على أنها الصورة النهائية فى تاريخ الإنسانية.. أمام كل ذلك دعنا نذكر أنفسنا باستنتاجات هيئة الأمم المتحدة فى عام 2000 بشأن الديمقراطية والقائلة بأن «لا وجود لنموذج عالمى وحيد للنظام الديمقراطى»، إذ لا توجد ديمقراطية إلا وترتبط بتاريخ وثقافات ومعتقدات وتجارب الأمم التى تمتاز بالتنوع الإبداعى وبالغنى القيمى المتباين فيما بين الثقافات.
ثانيا، إذا كان استنتاج هيئة الأمم ذاك صحيحا فإن المنطلق الأساسى للديمقراطية العربية يجب أن يكون نتيجة تفاعل فيما بين الأسس التى يقوم عليها مبدأ الشورى والأسس التى تقوم عليها الديموقراطية. وفى الحال نقول بأن التراث الإسلامى أعطى أهمية كبرى وأولوية لمبادئ العدالة والحق والقسط والميزان فى الحكم.
لعل السبب وراء ذلك الإعلاء للعدالة هو أنه بدون عدالة يمكن لأية قيم أخرى، من مثل الحرية والمساواة والمواطنة وغيرها، أن تكون مليئة بالثغرات أو الشطط أو التلاعب عند التطبيق فى واقع المجتمعات البشرية.
العدالة وحدها، وليس الرضى العام أو الفائدة العامة المتخيلة وغيرها من الموازين الممتلئة بها أدبيات الفلسفة فى الغرب الديموقراطى، هى أقرب الموازين لضبط فهم وممارسة القيم الأخرى، سواء بالنسبة للفرد أو بالنسبة للجماعة.
من هنا ظهور مدارس فلسفية أخيرا، فى الغرب وغيره، تشدد على أهمية فضيلة وقيمة العدالة فى منظومة مكونات الديموقراطية النظرية والتطبيقية.
ثالثا، ينطبق الأمر نفسه على موضوع الحرية الفردية التى تنادى بها الديمقراطية وتعتبرها مقدسة أمام موضوع الصالح العام وأهمية الجماعة فى التراث العربى الإسلامى. الديمقراطية العربية تحتاج أن تراعى الاثنين، الحرية الفردية ومتطلبات الجماعة، إذا كانت تريد أن تتجنب الشطط فى الحرية الفردية والتعسف فى إملاءات ومحددات الجماعة.
وهكذا، فمثلما تضيف الديمقراطية لموضوع الشورى الكثير من قيمها الرائعة، فإن عليها أن تستفيد من قيم ومقاصد الشورى.
فى بلاد العرب، ذاك التفاعل فيما بين تراث الشورى وحداثة الديمقراطية، يجب أن يكون المنطلق لوضع مبادئ وأهداف ووسائل الديموقراطية العربية المستقبلية.
لقد شددنا كثيرا على الأهمية المحورية للعدالة بسبب كثرة المظالم فى أنظمة العصر الديمقراطية والتى تحتاج إلى قيمة كبرى تضبطها وتصلحها، وعلى أهمية الجماعة بسبب الشطط المجنون فى ممارسة الفردانية باسم الحرية الشخصية الذى بلغ حدود الخطر على تركيبة المجتمعات البشرية وما بنته عبر القرون من قيم الصالح العام.
هناك بالطبع مكان لكل أنواع الحريات والتنظيمات الليبرالية، والتى أعلت من شأنها الديمقراطية السائدة، بشرط أن تحكمها العدالة ويوازن فيما بينها الصالح العام.
خصوصية الديمقراطية العربية هى أن تنطلق من هنا، حتى لا تضيع فى مسالك المتاهات التى سار فيها الكثيرون.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات