2025.. حال الشرق الأوسط وتداعياته على مصر - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 5 يناير 2025 11:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

2025.. حال الشرق الأوسط وتداعياته على مصر

نشر فى : الجمعة 3 يناير 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 3 يناير 2025 - 7:25 م

 

بجانب إسرائيل، تعد إيران هى الفاعل الشرق أوسطى الآخر الذى لم يتوقف أبدا عن التوظيف الممنهج للأداة العسكرية طوال السنوات الماضية وإن سبق، على نقيض الدولة العبرية، التوظيف بالوكالة وتجنب الفعل المباشر. واليوم، وبعد مرور أكثر من عام على انفجار أكتوبر ٢٠٢٣، تغلب الخسائر الفادحة على حصيلة إيران الاستراتيجية.

فالمعسكر الإيرانى، محور المقاومة كما اصطلح على تسميته من قبل أطرافه ومؤيديه، خسر تسليحًا وتنظيمًا من جراء الضربات الإسرائيلية ضد حماس وحزب الله والميليشيات الأخرى، وخسر عتادًا ثقيلًا وأبنية تحتية وطرقًا لمرور الدعم لحلفائه من جراء سقوط نظام بشار الأسد وما أعقبه من ضربات إسرائيلية متكررة ضد الجيش السورى.

خسرت إيران أيضًا، فى مواجهتها العسكرية المباشرة مع إسرائيل، استعراض القوة فى الشرق الأوسط الذى حسمته تل أبيب لصالحها تاركة لطهران ضياع الهيبة الإقليمية والتحسر على قدرات الردع التى استبانت محدوديتها. وفيما خص خرائط النفوذ فى منطقتنا، وآخذًا فى الاعتبار التراجع السياسى لحماس وحزب الله وفرار الأسد، انكمشت ساحات إيران بعد سابق اتساعها، ولتصبح فى معية البحث عن موطئ قدم فى فلسطين وعن إعادة بناء قوة حزب الله فى لبنان وعن مداخل للتأثير على الأوضاع السورية بعد تقلباتها الدراماتيكية وعن تعويل وحيد على القدرات العسكرية للميليشيات العراقية وللحوثيين فى اليمن لمناوئة إسرائيل وكخط دفاع متقدم ضدها وضد الولايات المتحدة، وذلك تعويل خطير فى تداعياته على البلدين العربيين وحتمًا سيستدعى المزيد من الضربات الإسرائيلية والأمريكية.

الشاهد أن انكماش نفوذ طهران التى كانت قياداتها قبل أكتوبر ٢٠٢٣ تعدد العواصم العربية المتحالفة معها مشيرة إلى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وتفاخر بوجود مستشارى الحرس الثورى فيها وترفع لواء المقاومة كزعيمة شرق أوسطية لها، انكماش النفوذ هذا تواكب مع انخفاض مناسيب التأييد الشعبى لأيديولوجية ومقولات المقاومة فى ساحتها الأصلية فى فلسطين وفى ساحات الإسناد فى لبنان وسوريا، بينما يسود القلق العام بشأن الفترة المقبلة فى العراق واليمن.

بل أن الحصاد الإيجابى لسياسات التهدئة الإيرانية بين ٢٠٢٠ و٢٠٢٣، والذى تمثل فى فتح باب عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وتنشيط التبادل التجارى مع الإمارات ومساحات للحوار مع مصر والأردن، تراجعت فوائده فى ظل عنف حرب الاستنزاف الجديدة التى حصرت إيران فى معسكرها، محور المقاومة، ثم فرضت عليها وعليه تراجعات متتالية.

بل أن قمة هرم القيادة فى الجمهورية الإسلامية، المرشد الأعلى على خامنئى، اعترف بالتداعيات الصعبة للتراجعات هذه وإن جادل بكونها نتائج مؤامرات إسرائيلية-أمريكية مشتركة ستقاومها بلاده وسيقاومها المقاومون الآخرون فى عموم الشرق الأوسط.

• • •

على الرغم من ذلك، يظل مبالغا به افتراض أن الجمهورية الإسلامية فى سبيلها إلى الخروج الكامل من المشرق العربى بعد فقدان الحليف السورى وضعف الحليف اللبنانى والفلسطينى ومع توقع تواصل الضربات الإسرائيلية ضد الميليشيات العراقية واليمنية. الأرجح هو أن إيران لن تستسلم بسهولة، وستوظف أدواتها العسكرية والمالية والتنظيمية لاستعادة تماسك حلفائها فى فلسطين ولبنان وتقوية ساعدهم فى العراق واليمن والانتظار قليلًا إلى حين اتضاح حقائق وعلاقات القوة فى سوريا.

• • •

بين مكاسب إسرائيل الاستراتيجية ووضعية حرب الاستنزاف التى حاصرت هى بها نفسها بفعل عدوانيتها وتغول توظيف الأداة العسكرية فى سياستها تجاه الشرق الأوسط وبين الخسائر الفادحة لإيران ومعسكرها حيث تواكب انكماش خرائط النفوذ الإقليمى مع تراجع القدرات العسكرية والتنظيمية، بدت حظوظ اللاعبين الكبار الآخرين، مصر والسعودية والإمارات وتركيا، منذ أكتوبر ٢٠٢٣ موزعة بين فرص وأخطار جمع بينها حقيقة أن أدوارهم شغلت استراتيجيًا مرتبة لاحقة لفعل طرفى حرب الاستنزاف الرئيسيين. جمع أيضًا بين سياسات القاهرة والرياض وأبوظبى وأنقرة المطالبة بالوقف الفورى للحرب فى غزة ولبنان وللأعمال العسكرية فى ساحات أخرى، ورفض السيناريوهات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية تهجيرًا واستيطانًا وللانتهاك الممنهج للسيادة اللبنانية، والعمل على توفير المساعدات الإغاثية والإنسانية اللازمة للشعبين الفلسطينى واللبنانى، والتنسيق الدبلوماسى فيما بينها لحث عواصم القرار الدولى على التدخل الجاد لإنهاء حرائق الشرق الأوسط.

فيما خص مصر، فإن حرب الاستنزاف الجديدة واجهتها بتهديدات حقيقية لأمنها القومى ولدورها الإقليمى المستند إلى السلام كخيار استراتيجى وإلى الحوار والدبلوماسية والتفاوض كسبل وحيدة لإنهاء الصراعات وصناعة الاستقرار. تمثل التهديد الأول للأمن القومى لمصر فى خطر التهجير القسرى للشعب الفلسطينى من غزة والذى، وإن لم يعد هدفًا علنيًا لحكومة اليمين المتطرف والدينى فى تل أبيب، يظل أمرًا لا تمانع إسرائيل فى حدوثه بجعل القطاع المدمر منطقة غير صالحة للحياة ودفع أكثر من مليونى فلسطينى وفلسطينية إلى خارجه باتجاه الحدود المصرية. تنبهت القاهرة لخطر التهجير القسرى وحشدت الدبلوماسية المصرية دعمًا إقليميًا ودوليًا متعدد الأطراف لرفضه وأجبرت حكومة بنيامين نتنياهو على الابتعاد العلنى عن سيناريوهات التهجير، ويتعين عليها مواصلة العمل فى هذه السياقات.

أما التهديد الثانى للأمن المصرى فارتبط بكون تل أبيب التى ترتبط مع القاهرة بمعاهدة سلام (معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية فى ١٩٧٩) وبعلاقات دبلوماسية لم تعد شريكًا لا للسلام الإقليمى ولا لدبلوماسية إنهاء الحروب وتسوية الصراعات.

بل أن إسرائيل خاطرت بحربها المستمرة فى غزة وبتعنتها فيما خص إدخال المساعدات الإنسانية لسكان لا يجدون ومنذ أكتوبر ٢٠٢٣ المتطلبات الأساسية للحياة، وبتحايلها على الخطوط الحمراء المصرية فيما خص وضعية ممر «فيلادلفى» كمنطقة منزوعة السلاح وضرورة أن تكون إدارة معبر رفح فى الجهة الفلسطينية للجانب الفلسطينى؛ خاطرت إسرائيل بتعريض السلام بينها وبين مصر لأزمة شاملة. وبإعلان نتنياهو المتكرر لتنصله الكامل من حل الدولتين كأساس للسلام فى الشرق الأوسط ونفيه لإمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو التوجه الذى تؤيده أغلبية باتت تقترب من ٦٠ بالمائة بين الشعب الإسرائيلى، صارت مصر مع استحالة فعلية، لأن تكون إسرائيل شريكا فى صناعة السلام وبناء الأمن والاستقرار الإقليميين.

ثم نأتى إلى تهديد ثالث وخطير يرد على الأمن القومى لمصر وفى لحظة تتعرض البلاد فيها لتهديدات من كافة جهات حدودها الأخرى (جنوبا بسبب الحرب الأهلية فى السودان وبسبب التوترات عند المدخل الجنوبى للبحر الأحمر وفى القرن الإفريقى ومع إثيوبيا بسبب ملفات المياه والأمن، وغربا بسبب الصراعات الأهلية المستمرة فى ليبيا)، وهو التهديد المرتبط بانزلاق الشرق الأوسط وبسبب حرب الاستنزاف الجديدة إلى أتون مغامرات عسكرية مستمرة وسباقات تسلح متصاعدة وأخطار جمة تنتج عن دوائر العنف والدمار وغياب الاستقرار.

• • •

مشهد إقليمى كهذا، وكافة ملامحه تتبلور اليوم فى المشرق العربى، يضغط بشدة على مصر كدولة تعتمد السلام والحوار والدبلوماسية والتفاوض كسبل وحيدة لممارسة الفعل الخارجى الرشيد فى جوارها المباشر وجوارها الممتد.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات