ما هي الموضة؟ سؤال قد يكون غريباً خاصة عندما يتعلق الأمر بالبحث العلمي. الموضة بمعناها العام هو ظهور شيء جديد يستحوذ على إهتمام الناس لفترة من الزمن قبل أن تأتي موضة جديدة تحل محله. وغالبا لا يعلم الناس أنفسهم سبب لاستحواذ موضة معينة على إهتمامهم، فقط يجدون أن الأمر قد إنتشر بينهم. يحدث ذلك في الملابس والموسيقى والسكن بل وحتى في الدراسة. فمثلاً كانت كلية الحقوق هي الموضة في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين لأنها كانت كلية الوزراء. أما في نهايات القرن فقد كانت الموضة هي الالتحاق بكليات الطب والهندسة لأنها عُرفت بكليات القمة. الموضة تأتي أيضاً في العلم والبحث العلمي.
البحث العلمي في مصر ليس على المستوى المناسب أو المطلوب الذي يجعله مفيداً لحل المشكلات الكثيرة التي نواجهها
من مظاهر ضعف البحث العلمي هو الانجراف وراء أي موضة علمية تظهر، ويحدث ذلك عندما نجد بعض الدول المتقدمة تستثمر في علم ما أو في تكنولوجيا معينة فنعتبر تلقائيا أن هذا العلم مهم أو تلك التكنولوجيا ضرورية وبالتالي نبدأ في توجيه الباحثين على البحث العلمي في هذا الطريق. وفي رأيي إتباع خطى دول أخرى بناء على افتراض المصلحة المشتركة دون النظر في أولوياتنا العلمية التي لابد أن تقدم حلولا لمشاكلنا ما هو إلا استسهالا.
ليست كل تكنولوجيا مهمة عند الدول المتقدمة مهمة عندنا أيضاً لعدة أسباب: أولاً قد لا نملك التمويل اللازم أو التقنيات التكنولوجية الضرورية للبحث في هذه التكنولوجيا الجديدة. وإذا قمنا بالضغط على مواردنا ربما وقعنا في مصاعب إقتصادية جمة. أكبر مثال على ذلك مجال أجهزة الحاسبات الكمية (quantum computing) الذي تستثمر فيه أمريكا الكثير بجانب الذكاء الإصطناعي في ميزانية أمريكا للعام المالي 2020-2021 المقترحة من البيت الأبيض والمقدمة للكونجرس، السبب الأساسي لإهتمام أمريكا بهذين المجالين من حيث التمويل على حساب مجالات أخرى مثل العلوم الإنسانية أن هذين المجالين لهما تأثير كبير في تقدم الدولة في مجالات التأمين وحفظ البينات بالإضافة إلى الدفاع ضد الهجمات الإلكترونية، الحرب العالمية الأولى كانت اليد العليا فيها للكيمياء والحرب العالمية الثانية كانت اليد العليا فيها للفيزياء أما الحروب المستقبلية فاليد العليا فيها ستكون للمعلومات والإتصالات، الحاسبات الكمية لها قدرة عالية جداً (في حال نجاحها لأن الكثير مازال في طور البحث) على كسر تشفير معظم أجهزة الكمبيوتر والإتصالات الحالية، لكن أمريكا تملك التمويل اللازم بالإضافة إلى أن أغلب الأبحاث في مجال الحاسبات الكمية تقوم بها شركات مثل جوجل و أي بي أم بإمكانياتها الغير محدودة ، لكننا في مصر لسنا في الوقت أو الوضع المناسب للبدء في العمل في هذا المجال على مستوى واسع.
ثانياً قد تكون التكنولوجيا مهمة فعلاً ولكنها قد تضر بعناصر اقتصادية مهمة، فقد تخفض مثلا في الأيدي العاملة في عمل ما، مما قد يتسبب في زيادة البطالة بشكل قد لا يؤثر في الدولة الأخرى التي قررنا اتباعها. لذلك يكون من الأفضل تأخير استخدام تلك التكنولوجيا أو إدخالها تدريجياً عندما تسمح ظروف الدولة.
ثالثاً تفاوت أهمية التكنولوجيا بالنسبة للدول المختلفة فقد تكون تكنولوجيا معينة مهمة في بلد ولا تكون بنفس الأهمية في بلد آخر؛ مثل تكنولوجيا الطاقة الشمسية في بلد قلما ترى الشمس.
نحن في مصر نجري وراء الموضة العلمية فيما يتعلق بالبحث العلمي . هل بدأنا في النظر في تطبيقات الذكاء الإصطناعي قبل أن يصبح موضة في الخارج مثلاً؟
بالنسبة للموضة العلمية فالأفضل أن يصبح عندنا موضة محلية نابعة من ضرورياتنا وأولوياتنا ندفع فيها الأبحاث العلمية نحو إتجاهات تفيدنا، مثلاً تحتاج مصرتكنولوجيا تساعد في الطاقة المتجددة خاصة الطاقة الشمسية التي تحتاج إلى استمرار زيادة كفاءة الخلايا الشمسية والقدرة على تخزين الطاقة ونقلها لمسافات أبعد، نحتاج أيضاً إلى تحلية مياة البحر ورفع كفاءة الزراعة للحصول على محاصيل أكثر وأفضل من حجم أقل من الأراضي والرقمنة (من حيث التأمين والاستفادة منها) فلماذا لا يصبح كل مجال منهم موضة علمية عندنا تشجعها الدولة وتمنحها التسهيلات؟
الموضة ليست شيئاً سيئاً في المطلق ولكن السير وراء الموضة فقط من باب تقليد الغير ما هو إلا استسهالا في بلد محدود الموارد ويعاني من مشاكل كثيرة لن يحلها سوى استراتجية علمية وطنية لا تستهدف غير حل مشاكل مصر وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية وتسهيل حياة المصريين.