شهادات من قلب المأساة.. بضعة أيام من حياة غزاوي‬ يروي كواليسها الفلسطيني كريم - بوابة الشروق
الإثنين 25 أغسطس 2025 8:03 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

شهادات من قلب المأساة.. بضعة أيام من حياة غزاوي‬ يروي كواليسها الفلسطيني كريم

سلمى محمد مراد
نشر في: الإثنين 25 أغسطس 2025 - 12:03 م | آخر تحديث: الإثنين 25 أغسطس 2025 - 12:03 م

سُوت المنازل بالأرض وأُحرق الناس في خيامهم أحياء وشُرد الملايين، واستُهدفت المدارس والجامعات، ومعها تحولت غزة التي كانت يومًا ما تعج بالحياة والفرح إلى أنقاض، وتحولت المدارس إلى أماكن ينام فيها الأطفال لا يتعلمون إلا كيف يبقون على قيد الحياة أو كيف يموتون.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على بضعة أيام من المأساة التي يعيشها سكان غزة من خلال مذكرات مدونة في صحيفة "الجارديان" البريطانية، كتبها كريم وهو ممرض مدرب في أوائل العشرينيات من عمره من مدينة غزة، والذي هجر بسبب الحرب 12 مرة، ونجا من غارة إسرائيلية في رفح، ويعيش الآن بين أنقاض منزله السابق مع والديه وإخوته الأربعة.

- بين التهجير والقهر وفرحة الحصول على قطعة سكر

وتعتبر قصة "كريم" على مدار 9 أيام متفرقة من أغسطس 2025، بمثابة مذكرات حية من قلب المأساة، ولا تعد مجرد يوميات شخصية، بل شهادة إنسانية عن الجوع والذل والخوف والتمسك بالحياة في آن واحد.

وتُظهر تلك المذكرات غزة كمساحة خانقة من الجوع، القهر، والتهجير، وفقدان الأمل، لكنها تكشف أيضًا عن ومضات صغيرة من الإنسانية سواء قطعة كعك، وكوب شاي بالسكر، ورسالة تضامن من صديق بعيد وغيرها.

- ٣ أغسطس.. الذهاب إلى يانصيب الموت

هكذا عبر كريم عن رحلته من أجل الحصول على طعام عندما قرر لأول مرة الذهاب إلى نقطة توزيع الطعام الذي بها مخاطرة الحياة ليست خيارًا بل ضرورة بعد أن أصبحت وجبة العائلة تقتصر على خبز وحساء عدس، وقبل خروجه يودع أسرته كأنه ذاهب في رحلة قد لا يعود منها.

وسط الجوع، تمثلت لحظة صغيرة من الفرح بشراء 200 جرام من السكر مع شقيقه أحمد، وتحولت الكعكات البدائية التي يصنعوها بدون بيض حقيقي الذي لم يتناوله منذ ما يقرب عامين إلى إنجاز، وفي صباح نفس اليوم أسعدته مسيرة سيدني التي رأي صور لها أرسلها له صديقه لمجموعة يقفون معًا من أجل غزة.

لكن يروي حادثة مأساوية في مساء تلك اليوم، إذ مرت طائرة مسيرة اسرائيلية صورت فتاة مراهقة وهي تستحم في حمام بلا سقف، وهددها الجندي عبر مكبر الصوت بنشر صورها على الإنترنت، وتلك لحظة انكسار عميق بالنسبة لكريم، إذ يرى القسوة وصلت إلى حد انتهاك أضعف تفاصيل الخصوصية الإنسانية.

- 4 أغسطس.. قناص يترصد الجوعى

يقسم كريم أنهم يلعبون بهم مثل مسلسل الرعب "لعبة الحبار"، قائلا: "بقيت على الأرض عند نقطة الإسعاف في زيكيم قرابة 3 ساعات دون أن أتحرك، وإذا تحرك أحد – كما فعل رجل عجوز على ما يبدو – كانوا يطلقون عليه النار، أصابته رصاصة مباشرة في رقبته، وحاول كريم إنقاذه، لكنه كان قد فارق الحياة".

وبعد ذلك اندفع آلاف الأشخاص نحو شاحنات المساعدات بشكل مفجع، وركض هو الآخر يائسًا للحصول على شيء، وبالنسبة له كان مشهد إذلال قاسٍ فمجتمع عاش بكرامة في الماضي، أصبح يزاحم بعضه للحصول على القليل، ثم يعود خالِ الوفاض، منهارًا بالبكاء.

- ٦ أغسطس.. غلاء فاحش رغم المساعدات

عادة تمتلئ الأخبار، لكنه صدم في هذا اليوم بصور الأطفال الجائعين التي أثارت الرأي العام العالمي "بما في ذلك داخل إسرائيل"، والضغوط دفعت الاحتلال إلى السماح بدخول مزيد من المساعدات وفتح السوق للاستيراد.

لكن الأسعار لا تزال مرتفعة جدًا، فكيلو الدقيق 60 شيكلا (18 دولارًا) وكيلو العدس 100 شيكل (30 دولارًا)، إلى جانب أزمة النقد، إذ تُفرض عمولات تصل إلى 50% للحصول على الأموال، ولا يقبل التجار سوى النقد، ولا توجد مدفوعات إلكترونية؛ لأنهم يخشون أن يجمد الاحتلال حساباتهم أو يراقب معاملاتهم.

ووصف السوق، بأنه عبارة عن ازدحام خانق، ورائحة التوابل والغبار كثيفة في الهواء، لكن معظم الناس يعودون خاليي الوفاض مثله تمامًا.

- ٧ أغسطس.. أوامر الطرد والتهجير

كتب كريم، عن إعلان حكومة نتنياهو خطتها لمحو غزة ودفع السكان إلى معسكرات اعتقال: "في خوف يخترق العيون، فيما يتمنى بعض الناس الموت السريع هربًا من العذاب، ووالدته تدعو أن يُقصفوا معًا ليرتاحوا جميعًا حتى لا يبقى أحد منهم؛ ليحمل حزن على الآخر".

وشرح مأساة التهجير القسري، وأنه ليس مجرد قرار بالمغادرة، بل عملية شاقة ومهينة، إذ العثور على شاحنة نادرة وباهظة الثمن، وحمل المراتب والبطانيات والطعام، ونصب خيمة في العراء، وفي كثير من الأحيان تأتي الأوامر ليلاً بمهلة ساعتين فقط، وإلا يواجهون خطر إطلاق النار، وينتقد بسخرية وصف إسرائيل لجيشها بـ"الأكثر أخلاقية في العالم".

- 8 أغسطس.. بسمة مؤقتة في زمن المجاعة

لم يكن الناس قادرين على شراء حتى السكر لأشهر، لكن في هذا اليوم شعروا بالسعادة لحصولهم على بعض السكر، وكأنهم نسوا أن نتنياهو يخطط لإخلاء مدينة غزة بالقوة في غضون أيام قليلة.

مثل كريم الذي يعيش وسط هذا الانهيار لحظة رفاهية نادرة، إذ شرب الشاي المسكر، رغم أنه مريض بنزلة برد ووزنه تراجع إلى 43 كيلوجرامًا (بعد أن كان 70)، إلا أن عودة السكر للأسواق تُشعر الناس بفرحة مؤقتة، كأنها تُنسيهم أن الإخلاء القسري يقترب.
وقال "لو نجوت من هذا وخرجت من هذا السجن المسمى غزة لأول مرة، سأسافر حول العالم، ولن أبقى في مكان واحد أكثر من 3 أشهر".

- 11 أغسطس.. اغتيال أنس الشريف

كان هذا اليوم بمثابة الصدمة الكبرى بعد استشهاد مراسل الجزيرة أنس الشريف، وأكد كريم، أن أنس لم يكن منتميًا لحماس، بل انتقدها علنًا حتى حماس هددته، ومع ذلك قتله جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويرى أن اغتياله جزء من المرحلة النهائية من الإبادة الجماعية.

وبالنسبة للغزيين، كان أنس صوتهم إلى العالم، محبوبا وصادقا، ورحيله مثل انكسارًا للأمل، وبكت والدته على أنس كابنٍ لها، وكتب كريم بينما القصف المدفعي يقترب من مدينته: "أخشى أن النهاية ستأتي قريبًا.. نحن نتعرض للمحو".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك