صحيفة الخليج ــ الإمارات: الدين والاستخدام السياسي - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الخليج ــ الإمارات: الدين والاستخدام السياسي

نشر فى : الخميس 3 مارس 2022 - 7:55 م | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2022 - 7:55 م

نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان تحدث فيها عن الحملة العالمية لطرح معاهدة دولية تمنع استخدام الدين سياسيا وتوظيفه سلاحا ضد الآخر، ويرى أن هذه المعاهدة ستساعد المجتمعات على التعامل مع النزاعات الدينية الحالية والمستقبلية.. نعرض منه ما يلى.

وجّه 27 برلمانيا بريطانيا رسالة إلى رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، تدعوه إلى تأييد الحملة العالمية لتشريع معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسى للدين، وستتوّج الحملة بعقد مؤتمر دولى فى الرباط فى شهر مايو المقبل، تمهيدا لطرح مشروع المعاهدة على الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها القادمة الـ77 التى ستلتئم فى سبتمبر المقبل 2022.

 وتمثّل المبادرة توجّها جديدا فى العلاقات الدولية، يهدف إلى إبرام قواعد قانونية دولية جديدة واضحة ودقيقة ومحدّدة لحظر الاستخدام السياسى للدين من أى كان، وتحت أى مزاعم أو ذرائع أو مبرّرات، تلك التى تقوّض مبدأ المساواة، وتسوّغ التمييز لاعتبارات دينية أو عقدية أو غير ذلك، كما تهدف إلى حظر الإقصاء الدينى أو تقييد حرية الاعتقاد والعبادة وممارسة الطقوس والشعائر الدينية، علما بأن مبدأ المساواة هو ركن أساسى من أركان المواطنة المتكافئة فى الدولة العصرية.

 المبادرة التى شارك فى صياغتها عدد من الدبلوماسيين والخبراء القانونيين العاملين فى الأمم المتحدة سابقا، انضم إليها نحو 2000 برلمانى فى العالم من مختلف القارات ومن أديان وتوجهات فكرية متنوّعة يجمعهم الحرص الأكيد على عدم استخدام الدين فى السياسة، وسيكون إبرام المعاهدة حدثا فارقا يشمل حياة وعيش ومستقبل مليارات البشر، علما بأن الأمم المتحدة اعتمدت يوم 4 فبراير يوما عالميا للأخوة الإنسانية ابتداء من عام 2021 بعد توقيع بابا الفاتيكان فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيّب وثيقة تاريخية فى أبوظبى 2019؛ حيث التطلّع للقضاء على أسباب وجذور العديد من النزاعات والاحترابات المستعصية والتى اتخذت من الدين ستارا وشكّلت بؤرا مستديمة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وعدم احترام مبادئ التعايش والتنوّع والتعدّدية، خصوصا بتوظيفها التعاليم الدينية لخدمة أهداف سياسية أنانية ضيّقة. ولذلك سيكون صدور تشريع دولى، خطوة على صعيد تعزيز الاستقرار والتنمية الإنسانية الشاملة والمستدامة.

 صحيح أنه ليس مجرّد إبرام معاهدة لمنع استخدام الدين لأغراض سياسية سيؤدى أوتوماتيكيا إلى تغيير واقع الحال، لكن وجود مثل هذه المعاهدة سيكون رادعا قانونيا تحسب له الحكومات والدول أكثر من حساب. ولا أعتقد أن دولة ما سيكون بمقدورها الوقوف ضدّ إبرام مثل هذه المعاهدة، لأنها ستكون خارج الإجماع الدولى، وبالتالى ستفضح نفسها وتكشف حقيقة توجّهاتها التمييزية.

 ويتصدّر كلّ من رئيس أساقفة الكنيسة الأنغليكانية السابق اللورد روان ويليامز والبرلمانية عن حزب العمّال مارى كيلى فوى حملة البرلمانيين البريطانيين للانضمام إلى المعاهدة الدولية التى أطلقتها «منظمة بيبيور انترناشونال»؛ وهى منظمة مسجلة فى بريطانيا كمنظمة مدنية غير حكومية؛ وذلك بعد مقالة نُشرت فى جريدة «الإندبندنت» اللندنية، أشار فيها الشاعر والكاتب سلام سرحان إلى الحاجة الماسة إلى وجود معاهدة من هذا النوع، لمساعدة المجتمع الدولى فى التعامل مع النزاعات الدينية الحالية والمستقبلية وخطورتها على البشرية؛ حيث دفع ملايين البشر حياتهم فى حروب سقيمة، بسبب الاستخدام السياسى للدين.

 إن ما نشهده فى عالمنا العربى والإسلامى اليوم من توتّرات طائفية واحترابات مذهبية ونزاعات دينية خير دليل على ذلك.

لقد تجاوزت أوروبا صراعاتها الدينية والطائفية، بعد أن نزفت فى حرب دامت 100 عام فى الفترة بين (1337 و1453)، وفى حرب الثلاثين عاما التى شملت دول وسط أوروبا، كان عدد ضحايا ألمانيا وحدها 13 مليونا ونصف المليون نسمة فى بلد عدد سكانه لم يزد آنذاك على 30 مليون نسمة، ولم تنتهِ تلك الحروب إلّا بتوقيع صلح ويستفاليا عام 1648 الذى أقرّ سيادة البلدان وحرية العبادة وحق التنقّل، ولم يتوقّف الصراع بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة اللوثرية الذى دام نحو 500 عام إلّا فى عام 2016 حين تم التوقيع على اتفاق مع بابا الفاتيكان فرنسيس والمطران منيب يونان بوضع حد لهذا النزاع التاريخى الذى لا معنى له، على أن يُترك البحث فيه إلى اللاهوتيين والمؤرّخين، وألّا يُستخدم فى الحياة اليومية للمؤمنين من أتباع الكنيستين.

المعاهدة الدولية لمنع استخدام الدين سياسيا، هى دعوة سلمية لعدم توظيف الدين سلاحا ضدّ الآخر من أتباع أديان أخرى أو من الدين ذاته أو مؤمنين آخرين أو ضدّ أصحاب الأفكار والآراء التى تضع مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد. ولذلك استجبت بأملٍ حين دعيت إلى الانضمام للحملة الدولية، خصوصا بانضمام شخصيات وازنة وكوكبة لامعة من المثقفين بمن فيهم المفكّر الأمريكى نعّوم تشومسكى والشاعر والمفكّر أدونيس.

التعليقات