الضحك بين المحسوس والملموس - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 سبتمبر 2025 11:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الضحك بين المحسوس والملموس

نشر فى : الجمعة 19 سبتمبر 2025 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 19 سبتمبر 2025 - 9:15 م

إن للضحك ضرورة حتمية فى حياتنا، لما يحفه من صحة نفسية، لكن الفلاسفة قد اختلفوا فى آلية الضحك خاصة فى الدراما وكيف يكون استدراره بين الجماهير، وقد يعجز المخرجون فى هذا الصدد ما يجعلهم يزرعون ممثلين بين الجمهور يطلقون الضحكات باعتبار أن الضحك بطبيعته أمر معدٍ!

لنقل إن الضحك بالنسبة لسبنسر هو انفعال أهدر، هو استجابة وجدانية قصيرة النفس تلغى نفسها بنفسها (أو تنطفئ من تلقاء نفسها) فيقول: «يجب أن نسجل أن الأمر لا يتعلق هنا لا بنوع الانفعال ولا بقوته، بل يتعلق بكمه فحسب. فالضحك لا يتعلق بتحول من انفعال إلى آخر، بل بمجرد الانتقال من الأكثـر إلى الأقل. إن الضحك ناتج عن ضياع كثافة المعاناة الانفعالية. والطاقة العصبية بتحولها إلى ظاهرة عضلية تفقد طابعها الانفعالى حتى لا يبقى منها إلا وجدان فى درجة الصفـر يمكن أن ندعوه لا مبالاة أو إذا شئنا «لا انشراحًا».

وهنا يختلف مع نظرية التردى لجان كوهين، حيث يرتفع من وجهة النظر التقنية إلى وجهة نظر فلسفية تجاه العالم: حيث يقول: «وهكذا فإن الضحك، بمظاهره الثلاثة، يبدو وكأنه الملازم العضوى لظاهرة نفسية موصوفة -سلبًا- بكونها إحلالًا لغير المحسوس به (غير المجرب أو المعانى) محل المحسوس به. وهذا يلتحق بالصيغة الكانطية -اختزال إلى لا شىء- لننقل هذه الخلاصة إلى مستوى ظاهراتى، أى باعتبارها وصفًا لعالم «موضَّع» (ملموس). وهو العالم المناسب لأى جمالية. فحينئذ سيظهر بجلاء التعارض الكلى بين «الإحساس الهزلى والإحساس الشعرى».

فيفرق بين الهزلى والشعرى، حيث إن الهزلى يعود إلى وطائف فسيولوجية، أما الشعرى فيعود إلى وجهة نظر فلسفية بين المحسوس والملموس.

وللضحك آلية وتقنية منذ أرسطو حتى العصر الحديث ومنها التناقض «تناقض الشخصية مع فعلها أو تناقض فى الشكل أو تناقض الموقف أو سوء الفهم أو تداخل السلال.. إلخ»، ونظرية التردى عند كوهين لم تبتعد كيرًا عن سابقيها فيقول: "نظرية التردى تنحدر من أرسطو: يكمن الهزلى فى عيب أو قبح. إن نظرية التردى، كما نجدها عند هوبس أو بين أو بودلير أو لالـو أو بانيول، لم تضف إلى هذا التصور السكونى غير سمة ديناميكية. الهزلى لا يعنى ضد القيمة، بل هو عبور مفاجئ من القيمة إلى ضد القيمة، هو تحويل الخير إلى شر، والجمال إلى قبح والصدق إلى كذب".. إن فرصة الضحك، كما يقول بين، هى تردى شخص أو فائدة ذات اعتبار". يضاف إلى ذلك سمة نفسية تتجلى فى الشعور بالنصر أو العظمة، الشعور الذى يشهد لمعاناته ذلك التحول المفسر، وحده، لمظهر الانشراح فى الضحك الذى يرافقه الضحك، كما يقـول بانيول، هو نشيد النصر.

الأمثلة التى تبدو صالحة لتوضيح هذه النظرية تربو عن العد: كبوة أحد المارة مثلا، أو نشاز صوت المغنى، أو فأر يدخل خلف شخصية مرموقة، ومع ذلك فبرغم طول عمر هذه النظرية فإنها لا تصمد للاختبار بالمثال المضاد، إذ كثيرا ما عيب على منظرى الهزل اعتمادهم على أمثلة غير مناسبة. لنأخذ مثالا نمطيا: المشهد الثانى من فيلم مهاجر حيث نجد الطابع الهزلى مضمونا بشخصية الممثل شبلان، من جهة، وشهادة مختص يرى أن هذا المشهد لا يفتأ يثير ضحك الجمهور، من جهة ثانية. على متن سفينة يرى شارلو من وجهة ظهره وقد لفته عاصفة، وهو منحن على المتراس، يهتز بشكل تشنجى. يبدو وكأنه فريسة دوار بحرى رهيب، غير أنه عندما يلتفت نراه يضحك مطبقا يده على خيط (سنارة) حيث تتدلى سمكة جميلة. فأين التردى هنا؟ إن الحركة المغايرة (للتردي) هى التى يمكن ملاحظتها فى الواقع. فالتحول لا يسير من الإيجاب إلى السلب بل يسير، على العكس من ذلك، من السلب إلى الإيجاب، من المؤلم إلى المرغوب فيه. ومن ذا أحس يوما بعظمة إزاء صياد سعيد؟ وبوسعنا أن نورد أمثلة مضادة أخرى. وعلى كل فإن نظرية التردى تواجه صعوبات، وهذا مؤشر يومئُ إلى نواة من حقيقة يجب إبرازها".

وهو هنا يقترب من نظرية الانعكاس فى الإضحاك عند "برجسون" حيث يصدر فعل معاكس لما تتعرض له الشخصية، حيث جعل برجسون الفعل المضاد للفعل الذى تتعرض له الشخصية هو مصدر الإضحاك، وينتقل كل من برجسون وكوهين من المحسوس إلى الملموس، حيث يكون ظاهرة قدرة، إنها وجهة نظر فلسفية «الإنسان والعالم»، وهى سمة من سمات العبث، وعن ذلك يقول: «يمكن أن نرتب المحاكاة الساخرة بمعناها الواسع ضمن مواد هذا الصنف سواء عن تناول محتوى «شريف» أو «رفيع»، فى صورة «سوقى» أو «وضيع»، كما فى le vergile travesti لـScarron، أو عن عكس ذلك مثل: la parodie gid g لـBrua، فهناك وحدتان عاطفيتان متعارضتان داخل وحدة نصى.

وبذلك نجد أن كوهين قد ركز على اللفظ والفعل كونهما أسلوبين من أساليب التعبير، وهو ما تتميز به الأسلوبية. إنه الانطلاق من محيط النص إلى داخله فى جدلية بين الشكل والمضمون حيث فيقول: «الشاعر خالق الكلمات. والشعر فن. والفن شكل وليس شيئًا آخر غير الشكل». وعند تحليل ذلك حسب الفهرسة الكلاسيكية للصور البلاغية، مثل الاستعارة والمجاز والكناية والتشبيه، يتبين أن هذه ليست زخارف أو تطريزات، بل هى تكوّن جوهر الفن الشعرى نفسه.

إنها تهدف إلى إمكانية توظيف التداولية منهجا للتحليل النقدى للنص الأدبى بين الشكل والمضمون مقتربة من المنهج اللسانى إن لم تكن متداخلة معه تداخلًا واضحًا، حيث تأخذ المنهج اللسانى مرجعيتها المعرفية فى التحليل الإجرائى للنص، كما أن الأسلوبية تأخذ من التأويلية للكشف عن الإمكانات التداولية وعن مدى فاعليتها فى الإضاءة على جوانب النص أو العرض المسرحى.

تهدف هذه الدراسة الى بحث إمكانية توظيف التداولية منهجا وقد اعتمد هنا هؤلاء النقاد على الاقتراب من المتلقى وتفعيل سلطة النص على المتلقى «القارئ» أو مشاهد العرض المسرحى، إنه مبدأ الأنس والتفاعل مع النص أو العرض بما يحقق له نوعًا من المشاركة الوجدانية، لأن الضحك هو صناعة عقلية لا وجدانية أى أنه (ملموس غير محسوس) بمعنى إعمال العقل، وهو ما يختلف مع مبدأ الاندماج.

ملحة عبدالله

جريدة الرياض السعودية

التعليقات