نشرت جريدة النهار اللبنانية مقالًا للكاتب عبدالرحمن أياس، تناول فيه تحول الدبلجة فى الشرق الأوسط من خدمة موجهة للأطفال إلى صناعة ثقافية وتجارية متنامية، تدعمها المنصات الرقمية والطلب الشبابى، وتتنافس فيها شركات إقليمية وعالمية، ما يجعلها ركنًا أساسيًا فى الإعلام العربى الجديد، رغم ما يرافقها من تحديات ثقافية وتقنية.. نعرض من المقال ما يلى:
فى العقد الأخير، تطوّرت صناعة دبلجة المسلسلات فى الشرق الأوسط من مجرد خدمة موجّهة إلى الأطفال إلى قطاع ثقافى وتجارى متنامٍ، يواكب التحوّلات التكنولوجية وتغيّر عادات المشاهدة. ومع انتشار منصات البث الرقمى مثل «شاهد» و«نتفليكس»، صار الصوت العربى بوابة رئيسية لجذب جمهور ضخم يتعطش إلى محتوى يفهمه بلغته ويشعر أنه يعكس ثقافته.
الجمهور العربى، ولاسيما منه الشباب، هو المحرك الأساسى لهذا الطلب. تُظهِر تقارير أن منصة «شاهد» تتصدر سوق البث الإقليمية بحصة تقارب 22 فى المائة، متقدمة على «نتفليكس»، ما يعكس رغبة متزايدة فى محتوى مُعرَّب أو مدبلج يلبّى الذائقة المحلية. ذلك أن الشباب الذين يقضون ساعات طوال على المنصات لم يعودوا يكتفون بالكرتون أو أفلام الأطفال، بل يتابعون بشغف المسلسلات الكورية الجنوبية والتركية والمكسيكية بعد تقديمها بصوت مألوف.
كان لبنان مركزًا رائدًا فى هذا المجال منذ البدايات مع شخصيات مثل نقولا أبو سمح، الذى أسس «فيلملى» (Filmali) لتصبح لاحقًا «ديف كات ستوديوز» (DeafCat Studios). هذه الاستوديوهات، إلى جانب شركات مثل «آى بى إتش ستوديوز (IPH Studios)» و«سكرينز إنترناشونال» (Screens International)، أسّست بنية إقليمية واسعة، إذ تمددت من بيروت إلى مصر والأردن والخليج. وتعكس هذه الشبكات انتقال الصناعة من محلية محدودة إلى نشاط إقليمى منظم.
لكن هذا التوجه- وخصوصا الابتعاد عن العربية الفصحى إلى اللهجات المحلية للدول العربية- يفتح تحدّيات ثقافية، منها كيفية نقل العلاقات أو الروابط أو الحوارات من دون الاصطدام بحساسيات المجتمع، فضلاً عن إعادة كتابة النصوص بما يراعى معايير الحشمة والتمثيل الجندرى المتحفظة فى بعض الدول.
ويضيف التحول التكنولوجى بُعدا جديدا. إذ بدأت استوديوهات عدة باستخدام الذكاء الاصطناعى للمساعدة فى تحسين الإنتاجية وخفض التكلفة، من خلال أنظمة لتحويل النصوص إلى كلام يصبح أكثر واقعية. لكن الصوت البشرى، بمرونته وقدرته على التعبير العاطفى، يبقى الركيزة الأساسية التى لا يمكن الاستغناء عنها. وليس الجدل حول هذا التوازن محليا فقط، بل عالميا، إذ تشهد صناعة الدبلجة فى الغرب مواجهات بين شركات تعتمد الذكاء الاصطناعى ونقابات تدافع عن الأصوات البشرية.
يُعد تحول الدبلجة إلى «سلعة ذهبية» فى المنطقة انعكاسًا مباشرًا لاندماج الشرق الأوسط فى الاقتصاد الرقمى العالمى. المنصات تتنافس، والشباب يتطلبون محتوى معربًا. هذا التداخل يجعل من الدبلجة صناعة إبداعية واستثمارية فى آنٍ واحد، ومن المرجح أن تتحول خلال سنوات إلى أحد أعمدة الإعلام العربى الجديد، إذ يكون للصوت العربى ــ بكل لهجاته ــ موقع لا غنى عنه فى المشهد العالمى للمحتوى.
النص الأصلى: