أدب كرة القدم - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أدب كرة القدم

نشر فى : الثلاثاء 3 يوليه 2018 - 10:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 يوليه 2018 - 10:25 م

ذات مساء كنت أنتظر الشاعر الكبير محمود درويش فى بهو أحد أكبر فنادق دمشق وكنا فى طريقنا للعشاء عند المفكر الراحل صادق جلال العظم وما أن هبط صاحب (سرير الغريبة) من غرفته حتى لمح واحدة من شاشات الفندق تعرض مباراة لفريق ريال مدريد فى مواجهة برشلونة وهنا قرر درويش أن يتأخر قليلا حتى تنتهى المباراة وطلب منى أن أذهب وحدى لأبرر تأخره ولما وصل انخرط فى نقاش طويل مع العظم حول كرة القدم وكيف أنها النظام العالمى الوحيد الذى ينطوى على كثير من العدالة والشفافية، وواصل معتبرا أن الكرة هى أيضا نظام ديمقراطى على نحو ما يحتمى بعملية اقتراع واضحة العالم تتم فى حضور جمهور.

وأظن هذه الفكرة لم تصمد طويلا فى مباربات كأس العالم الأخيرة التى حسمتها الدقائق الأخيرة على الرغم من أن العدالة ترسخت أكثر بفضل تقنية الفيديو التى تم اعتمادها هذه الدورة وفى المرات التى لجأ الحكام إليها كنت أفكر فيما كان بإمكان درويش أن يقوله عنها وهو الشغوف بالكرة للحد الذى سبب له الكثير من اللوم والسخرية من قبل بعض المثقفين الذين تعالوا طويلا وأهملوا الكرة كفضاء صالح للتأمل على عكس كتاب أمريكا اللاتينية الذين أسسوا لنوع من الأدب اسمه الآن. (أدب كرة القدم) برع فيه العديد من الكتاب لعل أبرزهم ادواردوا غاليانو فى كتابه الفريد (كرة القدم فى الظل والشمس) الذى ترجمه العربية صالح علمانى ونقل منه الزملاء من محررى الرياضة على مدى سنوات صفحات كاملة دون إشارة واحدة للمصدر ولا تزال نسختى من الكتاب بعهدة واحد منهم نالها منى قبل ١٥ عاما ولم يردها إلى الآن.
ومن يعرف كتابات درويش لابد وان يتذكر شغفه الكبير بكرة القدم وبعضنا يتذكر كتابه الفاتن (ذاكرة للنسيان) الذى يتابع بشفافية درويش المعهودة وقائع الاجتياح الإسرائيلى لبيروت وفى القلب منها الحيل التى كان يتم ابتكارها لتدبير فرص لمشاهدة مباريات مونديال ١٩٨٢ والاكيد ان هذا الامر فى تجربة الاجتياح كان آخر هموم المحاصرين لكنه فى الكتابة انتباه إلى تفاصيل إنسانية فى قلب اليومى والمعاش.

ولا ازال اذكر جيدا التأملات التى كتبها درويش حول طريقة اداء اللاعب الايطالى باولو روسى هداف تلك الدورة كما لا ازال مأخوذا بالمقال الذى كتبه ايضا تحية لمارادونا ونشرته مجلة اليوم السابع الأسبوعية التى كانت تصدر فى باريس وكان قد خص به وقتها واحدة من كبريات الصحف الاسبانية حين طلبت منه بوصفه الشاعر الكبير ان يتأمل ظاهرة مارداونا ليضعها فى سياق متفرد.

ومن الامور التى اثارت انتباهى ان كثيرا من مثقفينا ومبدعينا واصلوا إهمالا لكرة القدم كموضوع لكتابة ابداعية خلاقة، وباستثناء نصوص قليلة رصدها الناقد مصطفى بيومى فى كتابه (كرة القدم فى الادب المصرى) وتأمل بعضها الصديق اشرف عبدالشافى فى كتابه (المثقفون وكرة القدم) لا نكاد نصل لتفسير جدى لهذا الاهمال على الرغم من وجود كتاب بحجم خيرى شلبى وابراهيم اصلان كانا على رأس مدمنى كرة القدم ومن مشجعى الزمالك الكبار وكان الراحل محمد البساطى يهوى مناكفة اصلان ويتصل به عن قصد لتعطيله عن الفرجة خلال بث المباريات.

ومن الخسارات المدهشة ان ما كتبه هؤلاء الأدباء والمفكرون من مقالات عن الكرة لا يزال غير مصنف أو مجهول وبفضل مواقع التواصل الاجتماعى اليوم أدركنا معرفة الكثير من مبدعينا بفنون الكرة واكتشفنا ان شغفهم بها ظل مقموعا لسنوات حتى كشفته ثورة فيس بوك وتويتر وأصبحنا نعرف انحيازات كروية ظلت فى الظل طويلا، وكتابنا فى ذلك على عكس مثقفى لبنان ومبدعيه الذين تابعت معهم عدة مباريات فى الاسبوع الماضى وادركت عن قرب اهتمامهم بالكرة بوصفها نشاطا إبداعيا ايضا ويكفى ان تتابع ما يبثه موقع (درج) مساء كل يوم من تحليلات غير تقليدية يقدمها الشاعر والصحفى يوسف بزى لمباريات المونديال الذى يشاغب اقرب أصدقائه الشاعر يحيى جابر فى تدوينات مدهشة فى سخريتها ويدفع بزى عبر فيديوهات قصيرة بالتحليل الرياضى لفضاء جديد مبتكر لا شبيه له فى أى محتوى عربى على الانترنت ويخترع مقاربة فذة ليس فقط استنادا لهذا الاعتبار لكن لانها ايضا تأكيد جديد على انتهاء عصر المثقف التقليدى الذى تعالى طويلا على مثل هذا النوع من النشاطات التى تنطوى على مشاركة كرنفالية جماهيرية جديرة بالاحتفال والتحليل الذى تجاوز اليوم لعبة الوقائع والمعلومات، لانها لم تعد مثيرة بفضل توافرها على الانترنت.

ويذهب هذا النوع الجديد لإعادة تقديم الكرة وخلق مقاربة مغايرة تعتمد على التأمل والتفلسف الذى ينظر للرياضة كجزء من العولمة ويعطى الاولوية للخيال الذى ينبغى ان يكون الباب الذى لا يمكن اغلاقه ابدا.