(١)
غرس الإسلام فى نفوس أتباعه ضرورة أن تنصرف هممهم إلى البحث عن الحق مجردا عن طبيعة القائل به أو فاعله... وفى الحديث أنه لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر؛ وقد فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (بطر الحق) أى ُرفضه ورده. بلقيس كانت كافرة تنتمى إلى قوم ٍيسجدون للشمس من دون الله؛ ومع ذلك لم يخلُ عقلها من حكمة ٍأرشدتها إلى الصواب فى نهاية المطاف... المهم أن السياق القرآنى قبل منها (الحق) على الرغم من (كفرها) وصدها عن الصراط السوى لما قالت «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة».... فعقب على حكمتها مؤيدا «وكذلك يفعلون».
•••
(٢)
إذا رأيت الرجل يُدافع عن حق بالسب واللعن فاعلم أنه معلول النية ضعيف الحُجة فالحق لا يحتاج فى بيانه إلى ذلك؛ بل إن شيمة أساسية من شيم أهل الباطل قولهم (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) ولو استقامت لهم حُجة لناقشوا بموضوعية لكنهم آثروا التشغيب ورفع الصوت.
•••
(٣)
لم يأت الشرع كابتا للعواطف أو قاتلا للمشاعر؛ ولم يكن الفارق بين الملتزم بقواعد الشرع والمتحلل منها انعدام مشاعر الأول فى مقابلة تدفق مشاعر الثانى.... إذ إن الشرع لم يَحُلْ ابتداء بين المرء وقلبه فى أصل العاطفة ومنشأها حبا كانت أم بغضا؛ غضبا أو سرورا.... إنما ميزَّ المنقادين لأحكامه بضبطهم لهذه العواطف وتلك المشاعر إذا ما أرادوا التعبير عنها أو البوح بها.
وكانت مشاعر أسامة بن زيد صادقة لا ريب وهو يُجهز على رجل أثخن فى المسلمين الجراح ثم لما سقط سيفه من يده ينطق بالشهادة جازعا من الموت... كان أُسامة رضى الله عنه واثقا متبعا لعاطفة تتناغم مع سياق الحدث... لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكترث بجوابه «إنما قالها لينجوَ يا رسول الله» بل ظل يُردد على مسامعه «وما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟»... الشرعُ لم يلمه على ابتداء عاطفته؛ لكنه عاتبه على إنفاذها وما كان له أن يفعل طالما تمنعه قواعد الشرع من الحكم إلا على ظاهر الناس... «أفلا شققت عن صدره ؟».
•••
(٤)
«إن الله لا يُصلح عمل المفسدين» هكذا أُطلقت القاعدة القرآنية دون احتياط لتنطبق على الدنيا بأسرها لا يُستثنى من ذلك فئة مؤمنة ولا عباد صالحون.... فلا تبررن لنفسك أحطَّ الوسائل وأرذلها بزعم انتصارك للحق وبغضك للباطل تحسب أنك بذلك تُحسن صنعا.