فى يوم الاثنين من هذا الأسبوع، عقد نتنياهو لقاء مع عشرات الصحفيين لاطلاعهم على موضوع زيارة سلطنة عُمان فى الخليج الفارسى. وسواء لأن الزيارة جرت يوم الجمعة أو لأنه لم تسبقها مقدمات كثيرة لافتة، فإنها وهى التى تشكل اختراقا، لم تحظ بالاهتمام على الرغم من أنها تستحق التوقف عندها.
حتى الآن كانت الزيارة الوحيدة لعُمان هى تلك التى قام بها يتسحاق رابين فى سنة 1994. لكن الظروف كانت مختلفة للغاية آنذاك. حينها كان رابين قد وقع اتفاق أوسلو، والتنازلات المذهلة التى تضمنها بررت، على ما يبدو، البادرة التى قام بها السلطان قابوس بن سعيد، لاستقباله فى العاصمة مسقط. هذه المرة كما، فسّر نتنياهو نفسه، ليس هناك صفقة زيارات فى مقابل تنازلات. وعُمان ليست الوحيدة التى تقترب من إسرائيل من أجل «مصالح قائمة بذاتها»، بحسب قول نتنياهو.
ما هى هذه المصالح؟ الخوف المشترك من عدوانية إيران وتنظيم «داعش» وأمثاله، المعرفة الإسرائيلية والخبرة بشأن كل ما يتعلق بإدارة قطاع المياه، والتقدم التكنولوجى بصورة عامة والزراعى بصورة خاصة،.. إلخ، وهذا يعنى أن الانسحابات الإسرائيلية من الأراضى المحتلة لم تعد وسيلة للتقارب، بل الحاجات المتبادلة لليهود والعرب، من دون علاقة بالقضية الفلسطينية.
لقد سُحب من يدى أبو مازن وجماعته المفتاح الذى سمح لهم فترة طويلة جدا بمنع التقارب بين إسرائيل والدول العربية. وأيضا الرفض الفلسطينى لأى اقتراح يُطرح على الطاولة يدفع الدول العربية إلى أخذ مسافة من الفلسطينيين والتقرب من إسرائيل. هم يفعلون ذلك لأن الأمر مجزٍ لهم من دون علاقة بمسألة اذا كنا سننسحب من المناطق فى الضفة الغربية.
بدأت الاتصالات بالسلطنات الشرق ــ الأوسطية قبل نحو نصف عام. وكان وزير الخارجية العُمانى يوسف بن علوى بن عبدالله المحور الأساسى فى هذه العملية. فقد تحدث هاتفيا، وعقد أيضا عدة لقاءات مع رئيس الحكومة. وأغلبية هذه اللقاءات جرت على هامش زيارات نتنياهو إلى الخارج، لكن ليس فقط هناك. وأيضا خلال هذه الفترة تحدث نتنياهو هاتفيا مع السلطان قابوس بن سعيد.
فى فبراير الماضى، وفى إطار زيارة «وزير الخارجية بن علوى إلى السلطة الفلسطينية»، قام بزيارة الحرم القدسى الشريف، وفى الأغلب، بموافقة إسرائيل. ويمكن الافتراض أنه ما دام جاء إلى القدس، فهو لم يمتنع من الاجتماع بإسرائيليين فى غربى المدينة.
فى بداية الزيارة الحالية لعمان، جرى لقاء موسع بين كبار مسئولى الدولتين، وبعدها التقى نتنياهو السلطان قابوس على انفراد. ولاحقا التقى رئيس الحكومة أيضا مع وزير الخارجية العمانى. وقال أعضاء فى الوفد المرافق سبق لهم أن رأوا قصورا فى حياتهم، أن قصر قابوس خارج عن المألوف وأجمل بكثير.
بعد المحادثات السياسية، أُقيم على شرف نتنياهو حفل موسيقى محلى، وقال مصدر سياسى حضر الأمسية إن رئيس الحكومة تعرف على «عالم موسيقى غنى جدا مع تأثيرات إفريقية وهندية وفارسية. والمقصود نوع من الموسيقى غير المعروفة، لكنها تدخل إلى القلب». بعدها جرت دعوة الوفد إلى مأدبة بدأت فى الساعة الثالثة فجرا، وضمت عددا كبيرا من الأطباق من كل الأنواع. واستمرت المأدبة حتى الساعة السادسة صباحا على خلفية من الموسيقى الكلاسيكية التى اختارها شخصيا السلطان قابوس ( 78 عاما).
قابوس ليس ديكتاتوريا عربيا، بل هو رجل تعلم فى أوكسفورد وسافر فى شبابه طيلة 4 سنوات للتعرف على ثقافات متعددة فى العالم. نتنياهو من جهته أُعجب بالروح المبدعة للحاكم المتقدم فى السن والمريض، وبحكمته السياسية. وبحسب كلام المقربين منه، فقد غيّر رئيس الحكومة رأيه فى مسألتين بعد محادثاته مع قابوس.
عُمان ليست الوحيدة التى تقترب من إسرائيل. ويمكن القول إن نتنياهو نفسه قام بزيارات لم يجرِ الكشف عنها إلى دول عربية أُخرى، ولم يكن الإسرائيلى الوحيد الذى فعل ذلك. ولكى يكون لدينا فكرة عمّا يجرى تحت الطاولة بالإمكان مقارنة ما يحدث بما يجرى فوق الطاولة. السعودية تتحدث بالإيجاب عن إسرائيل وتسمح فى سابقة تاريخية لرحلات الطيران التجارى بالمرور فى أجوائها فى طريقها إلى البلد. والتلميحات والتقارير بشأن التنسيق الاستراتيجى والعلاقات الاستخباراتية آخذة فى الازدياد.
وبحسب مصدر سياسى تُجرى إسرائيل اتصالات سرية مشابهة لتلك التى جرت مع عُمان قبل الزيارة مع الأغلبية الساحقة من الدول العربية. هذه العملية تجرى بصورة صامتة وبحذر، وخطوة خطوة، ومن دون ضغط من جانب إسرائيل.
محلل سياسي
يسرائيل هَيوم
مؤسسة الدراسات الفلسطينية