هل تحتاج مصر إلى أحزاب سياسية جديدة؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 10:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تحتاج مصر إلى أحزاب سياسية جديدة؟

نشر فى : السبت 4 يناير 2025 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 4 يناير 2025 - 7:40 م

أثار الإعلان عن إنشاء حزب سياسى جديد فى مصر، الأسبوع الماضى، الكثير من الجدل بين من يهتمون بالشأن العام المصرى. فى تقديرى، هناك أربعة أسباب رئيسية لهذا الجدل، أولها هو توقيت الإعلان، وثانيها هو طريقة الإعلان، وثالثها هو خلفية الشخصيات المؤسسة للحزب، ورابعها هو ظروف البيئة السياسية المصرية فى الوقت الحالى.
• • •
أما عن التوقيت، فهذا العام سيشهد انتخابات برلمانية جديدة بدءا من الصيف حينما تعقد انتخابات مجلس الشيوخ، ثم فى الخريف حينما تعقد انتخابات مجلس النواب. أثار التوقيت سؤالا منطقيا حول ما إذا كان هذا الحزب الجديد يتم إعداده ليكون تحالفا انتخابيا لخوض هذه الانتخابات بديلا لغيره من الأحزاب وخصوصا تلك التى تملك أغلبية نسبية فى البرلمان الحالى؟
أما عن طريقة الإعلان، فالتغطية الإعلامية المكثفة لتدشين الحزب، وطريقة إخراج مشهد الافتتاح حيث دخل المؤسسون واحدا تلو الآخر إلى قاعة إعلان التدشين على سجادة حمراء تتبعهم الكاميرات من أسفل إلى أعلى (وهو أسلوب فى الإخراج متعلق فى الخبرة العربية والمصرية برجال الدولة)، كانت أحد الأسباب التى عضدت الاعتقاد بأننا أمام حزب جديد للدولة/الحكومة.
أما عن خلفية الشخصيات المؤسسة، فأعضاء الهيئة التأسيسية هم خليط من المشاهير ونجوم المجتمع والصحافة والسياسة بالإضافة إلى رجال الأعمال والشخصيات العامة والمثقفين، وإذا ما نظرنا إلى هؤلاء الأشخاص سنجد أنه لا رابطة واضحة بينهم سواء من الناحية الفكرية، أو السياسية، بل إن بعضهم كان قد اختفى تماما من العمل العام لسنوات! وبالتالى فإذا ما ربطنا خلفيات المؤسسين بتوقيت الإعلان وطريقته، فيكون ذلك ربما مرجحا للفرضية القائلة بأن هذا الحزب الوليد قد يكون بالفعل هو حزب الدولة أو الحكومة الجديد، وخصوصا وأنه منذ عام ٢٠١٣، لا يمكننا الحديث بوضوح عن «حزب للدولة» كالحزب الوطنى أيام مبارك على سبيل المثال.
أما عن ظروف البيئة السياسية، فمن بعد عام ٢٠١٣ تلاشت حيوية الكثير من الأحزاب السياسية المصرية وخصوصا تلك التى نشأت بعد ثورة يناير ٢٠١١، كما توقف كُثر عن العمل العام والحزبى، إما خوفا أو اضطرارا أو يأسا. صحيح أن السنوات القليلة الماضية شهدت بعض الانفراجات المؤقتة كالحوار الوطنى أو قرارات العفو عن الشباب الذى قبع فى السجون لسنوات، وهى أمور مشجعة ومحمودة، إلا أن هذه البيئة لا تزال مقيدة سياسيا، ومن ثم فالإعلان عن حزب جديد فى هذا التوقيت ومع هذه الشخصيات وفى هذه البيئة كان بالفعل داعيا لطرح الأسئلة والافتراضات.
من المهم هنا الإشارة بأن تصريحات بعض أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب فى الإعلام قد غذت هذا الجدل، ففى مداخلة هاتفية للإعلامى محمد مصطفى شردى مع قناة «TEN» ورغم نفيه التام بأن يكون الحزب مواليا للحكومة، إلا أنه قال تصريحات أخرى فى نفس المداخلة ربما عززت فرضية الموالاة، حيث أكد أن المؤسسين وصلوا إلى ذروة العمل العام ومن ثم فليس لديهم أى أطماع شخصية، ولكنهم يحاولون «خدمة مصر». ثم عاد وأكد المعنى نفسه عندما قال بأن أعضاء الهيئة التأسيسية من اليسار واليمين، فمنهم الناصرى والاشتراكى ومنهم الليبرالى مدللا بذلك على هدف الحزب لخدمة المواطن والوطن!
• • •
من حيث القانون والدستور، فلا يوجد أى مانع من إنشاء أحزاب سياسية جديدة لطالما التزمت بمواد الدستور المصرى المنظمة للحياة السياسية وبالقوانين المنظمة للأحزاب. لكن فيما يتعلق بسؤال الضرورة فبكل تأكيد يحتاج الأمر إلى قراءة متأنية للمشهد السياسى المصرى القائم.
لمصر تجربة نيابية قديمة ورائدة سبقت بها دول المنطقة، فقد وُلدت الحياة النيابية التمثيلية فى مصر عام ١٨٦٦، بل وقد يدفع البعض بأن مجلس المشورة الذى أسسه محمد على عام ١٨٢٩ كان بمثابة اللبنة الأولى للحياة النيابية/الاستشارية المصرية. كذلك لمصر تجربة حزبية قديمة حيث بدأت الأحزاب السياسية مع الحركة الوطنية التى تزعمها مصطفى كامل وتأسيسه للحزب الوطنى عام ١٩٠٧ واستمرت حتى قيام ثورة ١٩١٩، ثم كانت تجربة التعددية الحزبية المصرية من بعد ثورة ١٩١٩ وحتى انتهاء الملكية. صحيح أن التعددية الحزبية فى تلك المرحلة كانت تشوبها العيوب سواء من حيث تأثير الاحتلال البريطانى على القرارات المصرية المتعلقة بالقصر أو بالحكومة، أو من حيث سعى القصر دائما إلى وجود حزب سياسى مدعوم منه يتم استخدامه لفرض إرادة الملك على الحكومة، لكن علينا ألا ننسى أنه قياسا على ذلك العصر فقد كانت التعددية الحزبية فى تلك المرحلة أمرا متقدما ورائدا فى التحديث السياسى فى الدول غير الغربية، وخصوصا وأن تلك التجربة فى مصر شهدت تداولا سلميا للسلطة بين الأحزاب وهو أمر لم يتكرر أبدا منذ ذلك الحين!
لا أريد هنا الإبحار طويلا فى التاريخ بسبب ضيق المساحة، ولكننا نعلم ما الذى حدث بعد ذلك! فمن التجربة الناصرية القائمة على الحزب الواحد، إلى التجربة الساداتية فى فتح الباب أمام المنابر الثلاث، ثم التجربة المباركية فى التعددية المقيدة، ظلت الحياة السياسية فى مصر بعيدة كل البعد عن التمثيل النيابى الديموقراطى، إلى أن جاءت ثورة يناير لتفتح الطريق أمام الأحزاب، لكن كما نعلم، فتلك التجربة القصيرة لم تؤدِ إلى أى تداول سلمى للسلطة!
يعنى هذا أنه وفى خلال ٦٠ عاما (١٩٥٣-٢٠١٣) كان هناك سمتان أساسيتان للحياة الحزبية والسياسية المصرية؛ الأولى أنه لم يحدث أبدا أى تداول سلمى للسلطة بين الأحزاب السياسية، والثانية أنه كان دائما هناك حزب يمثل رئيس الجمهورية بشكل وثيق، وكان هذا الحزب هو من يشكل الحكومة ويضع الأجندة التشريعية وينخرط فى التعديلات الدستورية... إلخ.
هاتان السمتان بقت واحدة منهما معنا حتى الآن فيما اختفت الأخرى. أما عن السمة الباقية فهى عدم تداول السلطة بين الأحزاب، ببساطة لأن العمل الحزبى تراجع بشدة ليس فقط عند مقارنته بفترة (٢٠١١-٢٠١٣)، بل وحتى لو قارناه بفترة مبارك! أما عن تلك السمة التى اختفت فهى المتعلقة بحزب الرئيس، حيث لم يكن للرئيس عدلى منصور حزب سياسى بسبب ظروف توليه السلطة وطبيعة العام الانتقالى (٢٠١٣-٢٠١٤)، ولم يرغب الرئيس السيسى فى أن يكون له حزب سياسى وهو أمر ما زال محافظا ومصرا عليه حتى اللحظة.
• • •
عدم وجود حزب للرئيس لا ينفى وجود أحزاب سياسية يمكن وصفها بأنها «أحزاب موالاة!» فمنذ الانتخابات الرئاسية التى جرت فى ٢٠١٤، ثم الانتخابات التشريعية التى جرت فى ٢٠١٥ وحتى اللحظة يمكن الإشارة بوضوح إلى وجود ثلاثة أنواع من الأحزاب السياسية المصرية، أحزاب معارضة انسحبت ولم تشارك أو اضطرت لعدم المشاركة؛ أحزاب سياسية معارضة شاركت فى الانتخابات لكنها لم تنجح، ثم هناك أحزاب الموالاة.
انقسمت أحزاب الموالاة بدورها إلى أحزاب موالاة للرئيس، ولكنها تشاكس – ولا أقول تعارض - الحكومة. وقد حصلت هذه الأحزاب على بعض المقاعد الرمزية فى البرلمان، وأحزاب أخرى يمكن اعتبارها مؤيدة للرئيس وللحكومة .
• • •
يمكننا أن نضيف إلى هذا المشهد ثلاث حقائق أخرى: الحقيقة الأولى أن مصر ما زالت فى مرحلة التعددية المقيدة التى كانت قائمة قبل ٢٠١١. والحقيقة الثانية أن المعنى التمثيلى للأحزاب تلاشى لصالح المعنى الخدمى، بمعنى أن الناس ما زالوا يرون الأحزاب على أنها أماكن للحصول على بعض الخدمات لا كيانات سياسية تمثلها فى صنع القوانين والرقابة على السلطة التنفيذية. أما الحقيقة الثالثة، فهى أن العمل الحزبى ضعف بشكل عام لأسباب كثيرة بعضها يعود للنظام وبعضها يعود للأحزاب نفسها؛ فمن ناحية، فالحكومة ما زالت بصورة غير مباشرة اللاعب الرئيسى فى عملية الانتخابات، ومن ناحية أخرى، فإن الأحزاب تراجع دورها لصالح أفراد سواء من داخل هذه الأحزاب أو من خارجها، مع العلم أن النظام الانتخابى المعمول به حاليا قد ساعد على كل ذلك بالتأكيد!
إذا ما أضفنا حقيقة أخرى، وهى أن بعض أحزاب المعارضة، قد تعرضت للانقسامات، بل وحدث داخلها صراع على شرعية قيادة الحزب، فيمكننا الوصول إلى خلاصة تقول بأن مصر فى الظرف الحالى ليست فى حاجة إلى أحزاب جديدة بقدر ما هى فى حاجة إلى تفعيل العمل الحزبى، وهذا الأخير يحتاج إلى ما هو أكثر من حوار وطنى، يحتاج إلى تعديل القوانين المنظمة للانتخابات، وإلى إدارة انتخابية أكثر حيادية، وقبل هذا وذاك إلى إرادة سياسية تسمح بمزيد من الانفتاح السياسى.

أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر