خيارات مزيفة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 7 مايو 2025 8:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

خيارات مزيفة

نشر فى : الأحد 4 مايو 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الأحد 4 مايو 2025 - 6:50 م

نشرت صحيفة الرياض السعودية مقالًا للكاتب عبدالعزيز اليوسف، تحدث فيه عن المؤثرات التى تعمل على تشكيل وعينا، كما يرى صعوبة فى تقبلنا لفكرة جديدة ناضجة وصحيحة تخالف الموروث، وذلك لأن استمالات التأثير مربكة بشدة وتغلب التفكير النقدى.. نعرض من المقال ما يلى:
هل نتأثر ونشكّل اتجاهاتنا وخياراتنا.. نعم هناك مؤثرات شديدة تعمل على صبغ الوعى لدينا لتعزيز فكرة السائد فقط ولتحجيم نوعية خياراتنا، صناعة الخيار المزيّف وعرضه بديلًا عن الحقيقى عن طريق هذه المنصات المتنوعة الساخنة يهزمنا بشدة، دعونا نتأمل معًا: فى قضية ما اختلفت المواقف وتشوّشت الرؤية لدى أحد الأفراد فكيف يكون رأيه الذاتى حولها؟
الحقيقة، نحن نشخّص التصرف الصحيح، من خلال ما نرى أن المجتمع المحيط بنا يعتبره صحيحًا، والعكس بالعكس، وقديمًا فهذا المثل يبيّن أن تصرفك الشخصى محدد فى كثير من الأحيان بموقف الآخرين منه.
بالتحديد يأتى دور الإعلام والمثيرات الاتصالية عن طريق وسائل التواصل فى التوجيه. قد لا نتحدث عن الإعلام الحقيقى، أى أنّك كشخص تتأثر بمحيطك الاجتماعى من أصدقاء وزملاء وسواء تواصلت معهم فى الواقع الحقيقى أو الواقع المجازى، وإنما أتحدث عن توجيه المجتمعات عن طريق هذه الوسائل.
شاق جدًا الهروب من الفكرة السائدة.. فالسائد العشوائى المنفصل عن مرجعية فيراه الناس سيظنون أنه الحقيقة غالبًا.. وعندما يحاول أحدهم أن يعزو الأمور والمسببات لتعزيز وجهة نظره ستجده يتأثر بقناعاته الضمنية، واتجاهاته المشبعة بالسائد.
‎من تأثر بالأفكار الموروثة فى المجتمعات المنفتحة، سيصادم ثقافته المتأصلة بموروث فى مجتمع مغلق لأنه سيفقد توازنه، ويعترى نضجه بعض التأخر، ويفقد مرجعية حكمه، نعم قد تسيطر الفكرة بسبب تعصب الشخص لكوامنه، وقد تكون سيطرتها حيث من السهل التعلق بفكرة ذات معنى لكن من الصعب الانعتاق منها والخروج بمعان جديدة لتلك الفكرة، بسبب عدم الرؤية لزوايا ووجهات مختلفة لتلك الفكرة.
‎اليوم يحدث غليان اتصالى يوفر أفكارًا، وأطروحات جديدة ونوعية فهل أثارت الفرد فى مجتمعه خصوصًا الذى يرزح بكسله تحت سيطرة فكر أولئك الذين يعرضون له محتوى ما فى أى منصة ويتلقفها بسهولة وانسياب.
‎أجد أن تعتيق العقول من خلال التدفق الاتصالى والتواصلى عبر الوسائل المختلفة أصبح مكثفًا.. فالإملاءات الذاتية تفوقت على حيادية التناول، وموضوعية التداول الفكرى.
‎هل تقبل فكرة جديدة تخالف السائد؟ لماذا وما معيار ذلك؟ وكيف تتأكد أنها فكرة ناضجة ونافعة وصحيحة؟ مؤكد يصعب ذلك لأن استمالات التأثير أصبحت مربكة وشديدة.
‎أعتقد أن الكثير يصارع بعض قناعاته فى حلبة المتغيرات والمستجدات الحديثة التى تغلب آلية التفكير الإبداعى والناقد فيتجه إلى تبديد الوعى لديه.
‎أحيانًا يدرك الآخر بعض ما يفترض أن نفكر فيه أكثر منا لأننا عالقون فى قيود أحادية أسهمت على تنميط طريقة التفكير لدينا.. ما بين الحدية والتحيز نمتنع عن إيجاد حلول لمراجعة لبعض قناعاتنا الاجتماعية أو الثقافية أو الشخصية، ومن ثم التأكد من جدواها وفاعليتها وحقيقتها وأصلها بعيدًا عن السائد الممتد، والتعزيز المنكمش.
‎التدفق الاتصالى صار يمنحنا أشياء متفرقة تجعلنا نرتبط بتلك الوسائل أكثر من محتواها، حيث يهتم البعض لقيمة الوسيلة أكثر من المحتوى.. فتكون فكرته متأرجحة بين قبول ورفض.. وتصبح قناعته حقيقة سائدة فى نظره.
‎هذا الانسياب التواصلى أيضًا أبعد عنا ضبط الرؤى لدينا، وصعّب حراك عقولنا فما بين سائد وحقيقة هناك تأثير وتلاعب.. وهناك تشتت وتقارب.. وهناك من يفكر عنا ولا نفكر عنه.. وهناك من يعرفنا ولا نعرفه.. وهناك فكرة حائرة بين الأنا والآخر.
‎ويبقى القول: تريد أن تفكر جيدًا فى واقع اتصالى غير جيد هذا أمر يصعب جدا فضغط السائد وتقبله بشدة جعلنا نفكر فقط بكيفية تعزيز قناعاتنا، وانتصارنا على فكر الآخر.. تريد أن تعرف عقلك عليك أن تعرف قلبك.. وتفهم نفسك.. وتدرك وعيك قبل السقوط فى ساحة التمرد.. وعليك أن تعلم كيف تزن فكرتك وتعيدها إلى معيار المرجعية الصحيحة، وتنتقدها بأدوات رصينة لتصل إلى حالة التحرر من جهل ذاتك، وغياب فكرك.

التعليقات