حراسة القلب - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 7 مايو 2025 8:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

حراسة القلب

نشر فى : الجمعة 2 مايو 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الجمعة 2 مايو 2025 - 7:30 م

نشرت جريدة الرياض السعودية مقالًا للكاتب حمزة بن سليمان الطيار، تناول فيه أهمية القلب فى صلاح الإنسان أو فساده، لذا يؤكد الكاتب على ضرورة حمايته من المؤثرات السلبية والشهوات، لأن صلاح القلب هو مفتاح صلاح الجسد والحياة بأكملها؛ فهو محل الإيمان ومركز العلاقات والمشاعر النبيلة… نعرض من المقال ما يلى:
قلب الإنسان منبع سعادته وشقائه، ومركز أحاسيسه وقناعاته، ومنه تستمد جوارحه أوامر الصلاح فتسير على السداد، وأوامر السوء، فتتخبط خبط العشواء فى الليلة الظلماء، وعليه فالإنسان مطالب بأن يكون معتنيًا بإصلاح قلبه، حريصًا على أن لا يلج فيه إلا ما ينتفع به، وإن عرضت عليه شبهة أو شهوة سوء كافح فى أن لا تجد فيه مستقرًا، وأن يقتلعها مباشرةً قبل أن تنمو نبتتها؛ فهو ملك البدن، وبه صلاحه أو فساده، كما يدل عليه قول النبى صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن فى الجسد مضغةً: إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب»، متفق عليه، والدخلاء المتطفلون على القلب لا يسع الإنسان إحصاءهم، والوسائل المستخدمة لذلك لم تزل متكاثرة متنوعة، وتتطور على ممر الزمان، ومنها وسائل لها استعمال مزدوج، يستفيد منها الناس، ويستغلها بعضهم لبث الشر؛ إذ من مظاهر تصارع الخير والشر أن الناس لا يجدون وسيلةً توصلهم إلى ما ينفعهم فى دينهم ومعاشهم، إلا وجد من بينهم من يستغلها فى الإفساد بين الناس وإشعال المشكلات، وإذا كان كل حمى يحرص على حراسته من تسور الدخلاء المتطفلين، فالقلب أولى بأن يكون له فى ذلك النصيب الأوفر، ولى مع حراسة القلب وقفات:
الأولى: ليس معنى حراسة القلب أن يضيق فى ولوج الأشخاص والأفكار إليه، بل معناها ألا يزاحم غير المستحق المستحق، فليفتح على مصراعيه لمحبة وإجلال الله تعالى ومحبة وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أمرنا بمحبته بجميع صفاتهم، ولمحبة وطاعة من أمرنا الله تعالى بمحبته وطاعته كولاة أمورنا ووالدينا، ولمودة الوطن ورجاله وحماة حماه فى كل مجال، والأقارب وأهل المودة، لا سيما إذا كانت المودة متوارثة، ففى الصحيح: «إن أبرّ البر صلة الولد أهل ود أبيه»، وحب العافية والسلام للناس، كما يفتح الباب لكل شىء يعين فهمه واستيعابه على تحقيق مصالح الدارين، وفى مقدمة ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما فهم منهما الراسخون فى العلم، فهى نبراس الهدى، وكذلك أنظمتنا المرعية التى تنضبط بها الحياة، وتحفظ بها الحقوق.
الثانية: أول ما يحرس عنه القلب ما يتعارض مع إخلاص التوحيد لله تعالى، فالتوحيد هو أس الخير وغرس الصلاح، ثم يحرس عن أن يلج فيه ما ينافى التقوى والصيانة من الشهوات بأصنافها، وما ينافى السنة من شبهات الزائغين، وبدع المضلين، وإذا ألم بقلب امرئ شىء منها فعليه المبادرة للتخلص منها، بالاستضاءة بنور الكتاب والسنة على فهم الراسخين من العلم الموثوق بهم، وبالاستمساك بغرز ولى أمر المسلمين، والركون إلى ما عليه جماعتهم، فهذا ــ بإذن الله تعالى ــ هو الحصن الواقى من شر الزائغ عن الحق، الحائم حول قلوب الناس؛ ليوقع فيها الزيغ والشقاق والفرقة والبدعة، فهو بمثابة الذئب، الذى لا يقترب ما دام يرى الراعى، ومغنمه البارد ما كان فى الأطراف، وفى الحديث: «فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»، رواه أبو داود، وحسّنه الألبانى، وهو وإن كان سياقه فى صلاة الجماعة، إلا أنه يشمل بعمومه الاجتماع الأعم، ومما ينبغى أن يحرس منه القلب الاستغراق فى تعليقه بهدف محدود من الأمور الدنيوية إلى حد أن يربط الإنسان سعادته وراحة باله بتحقق ذلك الأمر، وأن يجعل فواته سببًا لنكده وتعاسته، فهذا مخالف لمسلك الناجحين، فإنهم يهتمون بمصالحهم بصورة مدروسة معتدلة، مع اتخاذ الأسباب المؤدية ــ بإذن الله تعالى ــ إلى المقصود، وإن لم يتحقق لهم شىء من ذلك لم تذهب نفسهم عليه حسرات، بل إنما يحفز بعض الإخفاق مواهب الجادين، ويغريهم إلى تجديد الأسباب، وصقل الهمم.
الثالثة: ممن يجب استبعاده عن حمى القلب المفسد، الذى يسعى فى قطع صلة يحب الله تعالى وصلها، سواء كانت عامة أو خاصة، فالعامة كالبيعة وميثاق الطاعة المنبرم لولى الأمر على الرعية، واللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية، والخاصة كالعلاقة بين الإنسان ووالديه، وأولى أرحامه، وعلاقة الزوجين، والصداقات والألفة بين الزملاء والشركاء والجيران، فيجب على الإنسان أن يحذر ممن يسعى فى محاولة النيل من هذه الصلات، وألا يجعل له إلى نفسه سبيلاً، وأن يبعده عن نفسه؛ فإنه مبعد حتى عن رحمة الله تعالى، فقد قال سبحانه: «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار»، وهؤلاء المفسدون لا يقدمون أنفسهم على أنهم أهل فساد، بل يدخلون من أبواب كثيرة، والغالب أنهم يوهمون الإنسان حرصهم على المصلحة، وأخطرهم أهل الفتن الساعون فى النيل من لحمة المجتمع، وعنهم يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية..»، فوصفهم بأنهم يستغلون قول خير البرية.

التعليقات