مخاطر الأزمة السورية على الأمن القومى العربى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 8 مايو 2025 1:34 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مخاطر الأزمة السورية على الأمن القومى العربى

نشر فى : الأربعاء 7 مايو 2025 - 8:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 مايو 2025 - 8:45 م

فى مطلع هذا العام وبعد اندلاع الأزمة السورية مجددًا وبشكل عنيف وغير مألوف فى تاريخ سوريا المعاصر، أشرنا إلى أن المعالجة الجوهرية للأزمة، ينبغى أن تنطلق من التسليم بعروبتها ولم يكن ذلك من قبلنا، صناعة أو اختراعًا، بل انطلق من قراءة لواقع بلاد الشام، لأكثر من مئة وسبعين عامًا فحركة اليقظة العربية، فى مواجهة الاستبداد العثمانى، والتى بزغت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، انطلقت من بلاد الشام، من سوريا ولبنان.
وقد عبّرت حركة اليقظة، فى عملية التنوير، عن قوة حضورها، بشكل أفقى فى المجالات الأدبية والفكرية والسياسية وأيضًا فى وضع اللبنات الأولى، للتنمية الاقتصادية وكان أمل الذين قادوا تلك الحركة كبيرًا، فى أن يحظوا بتأييد ودعم الغرب، لطموحاتهم، فى بناء مستقبل أفضل لأوطانهم ولم يترددوا، فى الانحياز، للقوى الدولية التى ناهضت الأتراك، بحسبان أن ذلك هو السبيل لتحقيق الاستقلال وإنجاز الوحدة القومية، للمشرق العربى، على طريق تحقيق الوحدة العربية الشاملة.
وجاءت اتفاقية سايكس- بيكو، لتقسيم المشرق العربى بين البريطانيين والفرنسيين ووعد بلفور، بإقامة وطن قومى لليهود على أرض فلسطين، لتشكل خنجرًا مسمومًا أودى إلى حين بالحلم العربى، فى تحقيق الوحدة وكانت نتائج ذلك، بروز الإسلام السياسى، فى نهاية العشرينيات من القرن الماضى وتحميل القوى العروبية، مسئولية فشل مشروع النهضة.
بين الحربين العالميتين، شهدت مصر صعود حزب الوفد، ممثل الليبرالية التى رفعت صوتها مطالبة بوحدة المصريين، على اختلاف أطيافهم، منادية بوحدة الهلال مع الصليب، لإلحاق الهزيمة بالاحتلال البريطانى وتحقيق الاستقلال وقد كبحت تلك المحاولة، بانقلاب قاده إسماعيل صدقى، ليدشن، أول تجربة سياسية لنظام شمولى، فى تاريخ مصر المعاصر.
لكن ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل مرحلة مهمة فى تاريخ شعوب العالم الثالث، حيث كان أهم معلم من معالم تلك الحقبة، صعود نجم حركات التحرر فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لم تكن بلاد الشام، بعيدة عن ذلك الحراك العالمى، بل تواجدت فى القلب منه ومن بلاد الشام، أعيد مجددًا طرح سؤال الهوية وما كان للجدل الفكرى، حول ماهيتها، أن يجد بيئة أفضل من هذه البلاد، فمنها انطلقت حركة اليقظة وكانت المركز الذى شهد تنكر الغرب لمبادئه وخذلانه للأمانى والتطلعات العربية، فى الحرية والوحدة وحق تقرير المصير.
وكان الجواب الذى قدمه المفكرون السوريون، هو انتماء سوريا لعروبتها، لقد وجدت هذه الأمة، من خلال حادثة تاريخية مهمة وبارزة، هى بروز الدعوة الإسلامية، التى انطلقت من بطحاء مكة ونشوء الحضارة العربية الإسلامية، التى ارتبطت بتلك الدعوة.
وعلى هذا الأساس، فإن الإنجاز التاريخى، الذى حققه الإسلام للعرب، لا يمس فى جوانبه الإيجابية، العرب المسلمين وحدهم، بل هو إنجاز لكل العرب، على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأقطارهم، ذلك لأنهم وجدوا أنفسهم أمة واحدة، من خلال هذه الدعوة ومن خلالها أيضًا، استطاعوا نشر رسالتهم الحضارية، فى مختلف أرجاء الكرة الأرضية ولذلك فإن على العرب، إذا أرادوا أن يحققوا تواصلهم الحضارى، أن يستلهموا، من ذلك الإرث، محفزات فى انطلاقتهم الجديدة، لبناء أوطانهم.
ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا من خلال نقلة تاريخية، تلامس العقل والروح، توضح الرؤية وتقوى العزيمة وفى معمعان هذا التحول فى العقل والروح، يتم تحقيق الوحدة، القادرة على إحداث تحولات رئيسية، فى البنيان السياسى والاجتماعى للأمة.
وهكذا فنحن حين نحذر من مخاطر على الأمن القومى العربى، نتيجة الأزمة السورية الراهنة، فإننا نستحضر تاريخ بلاد الشام، ودورها فى حضارة العرب، حيث فيها صكت أول نقود عربية وأسست الدواوين ومنها بدأ فعليًا عصر الفتوح إلى مختلف بقاع العالم ولم يتم ذلك بالإرهاب والقسر، ولكن بالمجادلة بالتى هى أحسن.
سوريا العربية، بلد التنوع، فى الأديان والمذاهب والمكونات الاجتماعية، لا يمكن أن تكون حكرًا على مذهب، أو تعسف بالرأى، بل على التسامح ورفض سياسة الإقصاء واعتماد الرأى والرأى الآخر وقد كانت الاختلافات، فى التاريخ السورى، عامل تخصيب وإثراء. لأن وحدة الرأى تعنى السكون والسكون يعنى رفض التطور والوقوف ضد حركة التاريخ.
سوريا الآن تمر بمرحلة خطرة، تتقاذفها القوى الإقليمية، يمنة ويسرة، وتتعرض يوميًا، لاعتداءات إسرائيلية غاشمة، يضاف إلى ذلك ما تمارسه عناصر التكفير من تسعير للنزعات الطائفية ومن حروب فتنة، أشعلت فى غرب سوريا، فى اللاذقية وطرطوس، لتنتقل لاحقًا، فى جرامانا بريف دمشق وجبل العرب، فى محافظة السويداء وليس هناك ما يشى بمحاولات جادة لوضع حد لجذور الفتنة.
لسوريا، دَين كبير فى أعناقنا وليس منّة على شعبها أن يقف العرب معها فى هذه المحنة وأن يتم استخدام مختلف الوسائل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية عليها. وبالمثل ينبغى العمل الجاد للتصدى للفتنة، التى يشتعل أوارها فى عدد من المدن والبلدات السورية، تلك ليس مقابلة ديون مستحقة لأهلنا وأشقائنا فقط، بل هى أيضًا خطوة ضرورية لحماية الأمن القومى العربى، وتجنيب الأمة، مخاطر التقسيم والتفتيت ومسئولية العرب، قادة وشعوبًا، لنصرة سوريا، مسئولية جماعية وليست فرض كفاية.

يوسف مكي

جريدة الخليج الإماراتية

التعليقات