الطريق للحرب العالمية الأولى - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطريق للحرب العالمية الأولى

نشر فى : السبت 4 سبتمبر 2021 - 7:05 م | آخر تحديث : السبت 4 سبتمبر 2021 - 7:05 م

كان العقد الأول للقرن العشرين بمثابة مسرح دولى تم الإعداد فيه للحرب العالمية الأولى التى استمرت ٤ سنوات (١٩١٤ ــ ١٩١٨)، ما بين قوة صاعدة (اليابان والولايات المتحدة الأمريكية)، وقوة تعيد البحث عن نفسها وتعيد ترتيب أوراقها الداخلية (الصين)، وقوة أخرى تشهد تراجعا وانحدارا (الدولة العثمانية)، بالإضافة إلى أوروبا التى كان المسرح فيها على أهبة الاستعداد منقسما بين دول الحلف الدولى (النمسا والمجر، ألمانيا، إيطاليا)، ودول الوفاق الثلاثى (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا).
بالإضافة إلى هذه القوى، فقد كانت هناك حركات للتحرر من الاستعمار بدأت تتشكل فى آسيا وإفريقيا فضلا قطعا عن أمريكا اللاتينية. بيد أن تصاعد الأحداث الحقيقى بدأ من دول البلقان والتى كان الغليان فيها قد وصل لأعلى مستوياته مع تصاعد الحركات القومية السلافية وتحديدا الحركة السلافية الجنوبية والتى كانت تنادى بتوحيد الشعوب السلافية.
***
كان العام ١٩٠٨ حاسما فى شرق أوروبا والبلقان، ففى هذا العام وصلت حركة الاتحاد والترقى التركية إلى السلطة لتطيح بعد ذلك بقليل بالإمبراطور عبدالحميد الثانى وتنهى المشروع الإسلامى العالمى لصالح المشروع القومى التركى، وتأثرا بنجاح الحركة القومية التركية كانت تنتشر الحركات القومية السرية فى البلقان فى محاولة لتوحيد شعوبها وإخراجها من التبعية.
روسيا والتى كانت خارجة لتوها من هزيمة مؤلمة من اليابان بدأت التركيز على دول البلقان كمنطقة نفوذ سياسى وتجارى لها، بينما الدولة العثمانية الغاضبة من تصاعد القومية التركية كانت تحاول السيطرة على ما تبقى من البلقان تحت إمرتها القانونية والعسكرية. لكن لم يقتصر الأمر فقط على روسيا والإمبراطورية العثمانية، فالإمبراطورية النمساوية ــ المجرية كانت تتوجس خيفة من تصاعد الحركات السلافية وتحديدا فى صربيا مما جعلها تتحرش بالصرب وتحاول فرض السيطرة عليهم وبالتبعية رأت روسيا فى هذه المحاولات تهديدا لها مما دفعها للإعداد العسكرى لحرب محتملة ضد النمسا والمجر.
فى هذا العام أيضا حصلت بلغاريا على استقلالها، وأعلنت كريت انضمامها إلى اليونان، بينما انفصل إقليم البوسنة والهرسك عن الإمبراطورية العثمانية مما جعل الحلفين الكبيرين فى مواجهة محتملة مع بعضهما البعض وهو ما تحقق بعد ذلك بقليل، ففى أثناء زيارة قام بها ولى عهد الإمبراطورية النمساوية ــ المجرية إلى سراييفو فى يونيو ١٩١٤ والتى كانت تحت سيطرة الإمبراطورية قام شاب بوسنى من أصول صربية باغتيال ولى العهد وكان الأخير من أنصار ضم الشعوب السلافية إلى الإمبراطورية، وقد أدى هذا الاغتيال إلى تربص النمسا والمجر بصربيا، فقد أدركت الأخيرة من ناحية أن انفصال إقليم البوسنة عنها لصالح النمسا والمجر يعنى أنها أصبحت دولة حبيسة بينما أدركت الإمبراطورية النمساوية أن التهديد الحقيقى لوجودها يأتى من صربيا التى تؤلب الشعوب السلافية على الإمبراطورية وهكذا تصاعدت حدة التوتر بين الإمبراطورية وبين صربيا. ومن ناحية ثانية فقد توترت العلاقة بين ألمانيا وروسيا بعد أن قررت الإمبراطورية العثمانية جلب قادة عسكريين ألمان لتطوير جيشها فاعتبرت روسيا أن هذا تهديد صريح لها وهكذا أخذت الأحداث فى الاشتعال!
شجعت ألمانيا الإمبراطورية النمساوية على احتلال صربيا ووعدت بمساندتها عسكريا، فما كان من الإمبراطورية إلا أن وجهت إنذارا لصربيا يحتوى على شروط عدة اعتقدتها تعجيزية لصربيا وإلا قامت باجتياحها، منها مثلا قيام صربيا بحل كل الجمعيات والحركات السلافية التى تحرض على الإمبراطورية مع تعديل كل المناهج التعليمية التى تحرض ضدها مع غلق عدد من الصحف التى عرفت بتأييد انفصال الشعوب السلافية عن الإمبراطورية، بالإضافة إلى فصل قائمة من الأشخاص من الجهاز الإدارى لصربيا الذين اتهمتهم النمسا بالتأليب ضدها. ورغم أن صربيا بالفعل أعلنت استعدادها لتنفيذ تلك الشروط إلا أن النمسا تحججت بتباطؤ التنفيذ وقامت باجتياح صربيا بالفعل بعد شهر واحد فقط من اغتيال ولى العهد!
***
كما هو متوقع اصطفت فرنسا وبريطانيا مع روسيا التى قررت إعلان التعبئة العامة للدفاع عن الصرب وإيقاف التقدم النمسوى، بينما كانت ألمانيا على عهدها مع النمسا وكذلك انضمت إليهم إيطاليا ولاحقا بلغاريا والدولة العثمانية لتبدأ واحدة من أكبر الحروب فى العصر الحديث وأكثرها تدميرا، وعلى الرغم من أن الحرب تركزت بالأساس فى أوروبا إلا أن كل قارات العالم تقريبا انخرطت فى الحرب بالتبعية بحسب مصالحها مع الدول المتحاربة فى أوروبا!
ففى المحيط الهادى قامت كل من نيوزلندا وأستراليا بالاصطفاف مع بريطانيا وهاجمت الجزر التابعة لألمانيا فى المحيط الهادى، وهكذا فعلت اليابان التى قامت بالهجوم على الجزر التابعة لألمانيا فى المنطقة بل وقامت باستغلال الحرب ذريعة لإذعان الصين تحت سيطرتها متحججة بالتدخل الأجنبى فى الشأن الصينى! وفى إفريقيا قامت القوات الفرنسية والبريطانية بمهاجمة المستعمرات الألمانية فى إفريقيا وخصوصا فى أجزاء مما أصبح الآن الكاميرون وتوجو، فيما قامت ألمانيا بالهجوم على جنوب إفريقيا! أما عن الولايات المتحدة فرغم أنها أعلنت فى البداية الحياد حتى إن الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون قد تمكن من النجاح فى حملته الانتخابية عام ١٩١٦ تحت شعار الحفاظ على أمريكا من ويلات الحرب، إلا أنه لاحقا انضم إلى بريطانيا ضد ألمانيا وهاجم قوات الأخيرة فى المحيط الأطلنطى!
أما عن المنطقة العربية (الشرق الأوسط)، فقد عقدت بريطانيا اتفاقية سرية مع الشريف حسين أمير منطقة الحجاز بإعلان الأخير الحرب العربية على العثمانيين فيما أصبح يسمى بعد ذلك بالثورة العربية الأولى وتمكن الشريف حسين بالفعل من هزيمة العثمانيين لصالح بريطانيا فى ١٩١٨!
***
وهكذا كان تأثير الحرب فى كل أرجاء المعمورة، وانتهى الأمر بتفوق دول الوفاق على دول التحالف المركزية ومن ثم بداية مرحلة جديدة فى السياسة الدولية انتهى فيها (مؤقتا) عصر القطبية الثنائية القائمة على الحلفين الكبيرين سابقى الذكر وبداية مرحلة جديدة بدت مثالية قائمة على مبادئ حق تقرير المصير وإنهاء الاستعمار وتأسيس أول منظمة أممية (عصبة الأمم)، إلا أن كل هذه المبادئ الدولية لم تدم طويلا وهو ما سنقوم بتوضيحه فى المقالات القادمة.

توضيح: تم الاعتماد فى هذه المقالة على بعض المعلومات المتعلقة بتطور العمليات العسكرية للحرب فى مرجعين، وهما محمد السيد سليم (مرجع سابق الذكر)، ومقرر (التاريخ المختصر للحرب العالمية الثانية) وهو كتاب طلابى يدرس فى عدد من الجامعات الأمريكية لجيميس ستوكسبيرى عن دار نشر برينييل بنيويورك.

أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر