ترامب.. الرئيس الخشن - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 5 سبتمبر 2025 8:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

ترامب.. الرئيس الخشن

نشر فى : الخميس 4 سبتمبر 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الخميس 4 سبتمبر 2025 - 7:10 م

 

فى تعليقه على استضافة الرئيس الصينى شى جين بينج لنظرائه من روسيا وكوريا الشمالية وإيران، قال الرئيس دونالد ترامب إن هذه الدول اجتمعت لتتآمر على بلاده. وظهر القادة معا وهم يشاهدون عرضا عسكريا ضخما بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية، والانتصار على اليابان فى شرق وجنوب شرق آسيا.

كتب ترامب على منصة تروث سوشيال: «أتمنى للرئيس شى وللشعب الصينى الرائع يوما عظيما واحتفالا دائما، أرجو أن تبلغوا أطيب تحياتى لفلاديمير بوتين وكيم جونج أون، لأنكم تتآمرون ضد الولايات المتحدة الأمريكية». وأضاف ترامب أن السؤال الأهم هو ما إذا كان الرئيس الصينى سيذكر الدعم الهائل والتضحيات التى قدمتها الولايات المتحدة لمساعدة الصين فى نيل حريتها، خاصة بعدما لقى كثير من الأمريكيين حتفهم حتى انتصرت الصين.

وجدير بالذكر أن واشنطن وبكين واجهتا اليابان كعدو مشترك لهما فى شرق وجنوب شرق آسيا إبان الحرب العالمية الثانية، وكان من المنطقى أن تقدم واشنطن دعما عسكريا وماليا للصين. لم يمثل موقف ترامب خروجا فقط عن المألوف الأمريكى، بل يعكس بوضوح إيمانه أن بلاده هى اللاعب الوحيد الذى يسعى لتحقيق الخير ونشره حول العالم، وأن بقية دول العالم، الحليفة والمنافسة، تستغل بلاده بلا حدود.

• • •

يتسق موقف ترامب مع ما تشهده الولايات المتحدة منذ عودته الثانية للحكم من فترة غير مسبوقة بلجوء رئيسها إلى سياسات خشنة داخليا وخارجيا بصورة لم تشهد لها مثيلا فى تاريخها الحديث. القوة الخشنة هى مصطلح فضفاض يصف التكتيكات السياسية القسرية والعدوانية بما فيها من استخدام القوة المادية والمالية والقانونية، أو التهديد باستخدامها، ويتم مقارنتها «بالقوة الناعمة»، التى تعتمد على الجذب والإقناع ونشر الثقافة بصورتها العامة لتحقيق النتائج المرجوة.

وخلال خطاب تنصيبه الثانى الذى ألقاه فى مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن فى 20 يناير 2025، استخدم ترامب عبارات حازمة عبرت عن حدة وقوة إيمانه بضرورة تبنى سياسات صارمة خشنة داخليا وخارجيا. قال ترامب «بصفتى القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليس لدى مسئولية أعلى من الدفاع عن بلادنا من التهديدات والغزوات، وهذا بالضبط ما سأفعله. سوف نفعل ذلك على مستوى لم يشهده أحد من قبل». وأضاف ترامب: «لن نستسلم للهزيمة، ولن نخضع للترهيب، ولن ننكسر، ولن نفشل. من هذا اليوم فصاعدًا، ستكون الولايات المتحدة الأمريكية أمة حرة وذات سيادة ومستقلة». وفى هذا الإطار يمكن تفهم منطق ترامب فى فرض تعريفات جمركية على كل شركاء بلاده التجاريين، الحلفاء منهم والأعداء. وفى هذا السياق يمكن تفهم مطالبه بالحصول على جزيرة جرينلاند واستعادة امتلاك قناة بنما، ناهيك عن ضم كندا. أما أوروبيا، تلهث القارة العجوز خلف الرئيس الأمريكى بلا توقف وبلا فترة راحة لالتقاط الأنفاس سواء فيما يتعلق بالهجوم على الاتحاد الأوروبى، أو التهديد بفض حلف الناتو، وناهيك عن التناغم مع عدو أوروبا الأول الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

• • •

فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ظهرت خشونة ترامب وغياب ضبط النفس عنده بوضوح حيث يسرع محاولا تصفير مشاكل وأزمات المنطقة على حساب الأطراف الأضعف، ودعما لمصالح الحليف الإسرائيلى. ويسعى ترامب لتحقيق هدوء وسلام ترامبى لا يكترث فيه بأى حقوق ثابتة للأطراف العربية سواء فى فلسطين أو لبنان أو سوريا، وكذلك الحال مع إيران. يريد ترامب تحقيق ما فشل فيه 13 رئيسا أمريكيا من قبل بصنع سلام فى الشرق الأوسط، سلام بمعنى الاستسلام، سلام ليس عادلا، حيث لا يكترث ترامب بهذا المبدأ. لا يملك ترامب أى صبر ولا يخفى رغبته فى تحقيق أجندة واضحة تترك هيمنة واشنطن قوية مسيطرة على المنطقة، وتطلق العنان لحليف واشنطن الوحيد بالمنطقة، إسرائيل، لتفعل ما تريد على مختلف جبهاتها الشمالية والشرقية والجنوبية. من هنا طالب ترامب إسرائيل بإنجاز المهمة فى قطاع غزة والقضاء على حركة حماس بصورة كاملة.

كما لم يملك ترامب الصبر، ولم يمنح إيران إلا شهرين فقط كحد أقصى للتفاوض على اتفاق جديد بدلا من الاتفاق الذى انسحب منه قبل 6 سنوات. ولم يطالب ترامب طهران بضبط النفس، بل طالبها بالاستسلام الكامل والشامل، وإلا فهى الحرب وهو ما كان، ويعتقد ترامب أنه دمر البرنامج النووى للأبد، وهو ما يناقض بعض تقديرات العديد من الخبراء داخل وخارج أمريكا. ولم يطالب ترامب إسرائيل بضبط النفس بعد شنها هجمات مفاجئة على إيران، وامتدح ما اعتبره ضربات إسرائيلية ساحقة مكنتها من السيطرة على السماء الإيرانية. ولم يطالب ترامب طهران بضبط النفس بعد أن ضربتها القاذفات الأمريكية بأكبر قنابل خارقة للتحصينات فى العالم، وطالبها فقط بالتريث والحكمة فى الرد، وهو ما كان.

• • •

فى النهاية، استعمل ترامب الخشونة كاستراتيجية ناجحة حتى الآن، وفى الوقت ذاته يخشى المعلقون الأمريكيون من تضخم وغرور ترامب بما يستسهل معه تحقيق أهداف خارجية صعبة فى عالم متشابك وشديد التعقيد. وفى الوقت الذى تدعم فيه القوتان التكنولوجية والعسكرية للولايات المتحدة مهام ومطالب ترامب، وتسهل تحقيقها بما لا يتطلب منه «ضبط النفس»، إلا أن تعقيدات الشئون العالمية وحدود مكاسب القدرات العسكرية، وتداخل الاقتصادى بالسياسى وبالعسكرى فيها، يُستبعد على نطاق واسع تحقيق الانتصار الساحق الذى يبشر به ترامب لنفسه ولبلاده.

كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن

 

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات